تعد الشوري احدي الدعائم المهمة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي وجاء النبي صلي الله عليه وسلم ليؤكدها كمنهج عملي وقاعدة من القواعد الأساسية في نظام الحكم الإسلامي. وقد حملت واحدة من سور القرآن هذا الاسم لبيان قيمة الشوري والتنبيه إلي عظم أهميتها كما أن كلمة الشوري أرست أحد العناصر الإيمانية الحقة تطبيقا لقوله سبحانه( والذين استجابوا لربهم وأقامو الصلاة وأمرهم شوري بينهم). ويقول الدكتور رمضان يوسف الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إن المؤمنين كانوا في اتباعهم للرأي الصائب يتفقون, لأنه ماتشاور قوم إلا هدوا إلي أرشد أمورهم, فالشوري كما قال ابن العربي ألفة للجماعة وسبب الي الحق, وقد جاء طلب اتباع الشوري بصيغة الأمر من الله تعالي لرسوله في قوله عز وجل فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر لأن في الشوري فائدتين: الأولي تأليف القلوب واشاعة المودة بين الناس.. والثانية تعويد للمسلمين علي هذا المنهج في معالجة المشكلات. وقد رسخت سيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم القولية والفعلية كثيرا من نماذج المشاورة في غزواته وسلامه, وكلما استدعي الأمر.. ومن ذلك كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه:( لم يكن أحد اكثر مشورة لأصحابه من النبي عليه الصلاة والسلام, فكان يستشيرهم في الحرب والسلم وفي خاصة أمره).. ففي غزوة بدر استشار الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه في بداية المعركة لأنه لايرغب أن يورطهم في حرب لايريدونها, ومرة أخري استشارهم في اختيار المكان المناسب للنزول فيه وبعد ماتحقق النصر في المعركة استشارهم في الأسري.. وفي غزوة احد استشار النبي اصحابه ماذا يفعل عندما علم بقدوم قريش وجيشها للقتال كان رأي الشباب في قوم المسلمين بالخروج من المدينة للقاء قريش. وفي صلح الحديبية شاور النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه, كما شاورهم في غزوة الخندق عندما جاء المشركون لمحاربته في المدينة, فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة فوافق رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه علي هذه المشورة وكثير من الاحاديث دعمت العمل بمبدأ الشوري ومنها(( ماندم من استشار)) وقد اتضح ذلك في أمر الخلافة بعد وفاة النبي صلي عليه وسلم حيث كان مقرا عاما للاجتماع والتشاور بين المسلمين في كل أمورهم وكان اختيار اول خليفة للمسلمين. ويشير د. رمضان يوسف الي أن جميع الرسالات السماوية نادت بمبدأ الشوري والمشاركة في الرأي عند كثير من الأنبياء والرسل السابقين, فسأل موسي ربه عز وجل أن يجعل له وزيرا يستشيره كما جاء في قوله سبحانه وتعالي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري.. وقد ورد في قصة ملكة سبأ مع النبي سليمان عليه السلام انها طلبت من قومها أن يشيروا عليها فيما نزل بها كما جاء في قوله تعالي قالت ياأيها الملأ أفتوني في أمري ماكنت قاطعة أمرا حتي تشهدون وهذا يكشف أنها ماكان لها ان تحكم دون مشاركتهم بالرأي فيما تتخذه. أما عن الفرق بين الشوري الإسلامية والديمقراطية الوضعية الحديثة فينحصر في ان الديمقراطية التي هي حكم الشعب للشعب, ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة, وحتي يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع, ووضع القوانين والفصل بين السلطات, يتم اللجوء إلي إجراء انتخابات عامة, ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد, يكونون قادرين علي مراقبة سائر السلطات, فمن حق هذه الهيئة المنتخبة عزل الوزراء, ومحاسبة المسئولين وعلي رأسهم رئيس الدولة. ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشوري الإسلامي يختلف عن هذا التصور, فالشوري في الإسلام تقوم علي حقيقة, مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزل بواسطة الوحي علي رسول الله, الذي يعد الالتزام به أساس الإيمان, والعلماء هم أهل الحل والعقد, وهم علي رأس رجال الشوري, وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشوري إلا الاجتهاد في ثبوت النص, ودقة الفهم, ورسم الخطط المنهجية للتطبيق, والحق أن النظام الديمقراطي يسهل التحايل عليه, من خلال سيطرة بعض الاحزاب أو القوي علي العمل السياسي في دولة من الدول, ومن ثم يفرض هذا الحزب, أو تلك الفئة وجهة نظرها علي الأمة, لكن الشوري تجعل الهيمنة لله وحده فتعلي حكمه وتشريعه علي سائر الأحكام والتشريعات فتؤدي إلي ظهور رجال يتقون الله, ويخشونه بصدق فيتحقق علي أيديهم النصر والعدل وإسعاد البشرية.