طلاب حلوان يشاركون في ورشة عمل بأكاديمية الشرطة    بالصور.. أقباط بورسعيد يؤدون قداس "أحد السعف" بجميع الكنائس    اليوم.. «اقتصادية النواب» تناقش موازنة وزارة التموين للعام المالي 2024-2025    وزيرة التخطيط: مصر تستهدف 100 مليار دولار صادرات سنوية قبل 2030    استقرار أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    قبل تطبيق اللائحة التنفيذية.. تعرف على شروط التصالح في مخالفات البناء    صندوق النقد: ندعم مصر فيما تتخذه من إجراءات تستهدف الإصلاح الهيكلي للاقتصاد    إيران تكشف عن طائرة مسيرة جديدة من طراز كاميكازي    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 15 فلسطينيا من الضفة الغربية    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    محمود عباس يحذر: اجتياح رفح سيُؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    صلاح: على لاعبي الزمالك التفكير في الجماهير أمام دريمز    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    أجبونلاهور: كلوب لم يحترم صلاح في مباراة وست هام    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    سقوط 8 تجار مخدرات خلال حملات في الجيزة وقنا    الداخلية: ضبط 186 سلاحا ناريا و332 كيلو مخدرات خلال يوم    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    الخميس.. انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية بمشاركة 76 فيلما    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    دور الصناعات الثقافية والإبداعية في دعم الاقتصاد.. أولى جلسات مؤتمر النشر بأبوظبي    الصحة: خدمات طبية لمليون مواطن ضمن برنامج «رعاية كبار السن»    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    الكرملين: تزايد قلق القوات الأوكرانية على خطوط الجبهة    الأزهر للفتوى الإلكترونية: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة أمر محرام    ضبط وإعدام 1.25 طن من الأغذية غير المطابقة للمواصفات    ننشر أسماء 11 من ضحايا حادث الدقهلية المروع- صور    بعد قليل، بدء محاكمة المتهمين في نشر أخبار كاذبة بواقعة طالبة جامعة العريش    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    ارتفاع طفيف للبورصة مع بداية تعاملات اليوم الأحد    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    أمطار رعدية وبرودة ليلا.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم حتى نهاية الأسبوع (تفاصيل)    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    الإسباني "تكبير".. جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    توافد الأقباط على الكنائس للاحتفال بأحد الزعف في المنوفية.. صور    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    لعدم الإحالة إلى لنيابة.. ماذا طلبت التموين من أصحاب المخابز السياحة؟    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    أمير هشام يفجر مفاجأة بشأن احتفال محمد عبدالمنعم المثير للجدل    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج التعايش مع الآخر‏(7-20)‏
وثيقة المدينة‏..‏ ودستور المواطنة
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2011

منذ عقود عديدة والعالم كله يسعي بدوله ومؤسساته ومنظماته إلي تحديد الأسس والقواعد التي تنظم حقوق الأفراد وواجباتهم‏,‏ وترسم حدود العلاقات البينية بين الأفراد من جهة‏. وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها وهيئاتها من جهة أخري‏,‏ وهو ما يمكن تسميته‏'‏ بالحق في المواطنة‏',‏وهو مفهوم حديث ارتبط بوجود الدولة الحديثة‏,‏وكان مصدر فخر للعالم الحديث منذ اكتشافه وتحديده‏,‏ كأحد أهم إنجازات الحضارة الحديثة‏,‏وطبقا لهذه الحضارة فمفهوم‏:'‏ حق المواطنة‏',‏ يقوم علي أساس المساواة في الحقوق والواجبات‏,‏ دون النظر إلي الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخري‏,‏ فالاعتبار الوحيد هنا هو الإنسانية والمواطنة‏.‏
ولقد عرف الإسلام هذا الحق ورسخه منذ أربعة عشر قرنا‏,‏فحين هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي المدينة وجد فيها عقائد مختلفة وقبائل شتي‏,‏تشكلت بعد استقراره إلي فئات ثلاث في ذلك المجتمع الجديد‏,‏هم‏:‏المسلمون‏,‏واليهود‏,‏ والعرب المشركون‏,‏ ويتألف المسلمون من المهاجرين والأنصار الذين يتألفون بدورهم من الأوس والخزرج‏,‏ وهو ما يمثل نسيجا غريبا ومخالفا لتقاليد العرب وأعرافهم في ذلك الوقت في الجزيرة العربية‏.‏
وفي ظل ذلك التنوع أراد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يؤسس دولة قوية يسودها السلام والتعاون والمشاركة بين جميع أطيافها علي مختلف مشاربهم‏.‏
ومن هنا جاءت وثيقة المدينة كأول دستور للدولة المدنية في العالم‏,‏يحدد ملامح دولة الإسلام الجديدة‏,‏ولا يفرق بين مواطنيها من حيث الدين أو العرق أو الجنس‏,‏فأكد‏:'‏ أن أطراف الوثيقة عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم‏',‏ وحرصت الوثيقة علي أن يكون الدفاع عن حدود هذه الدولة مسئولية الجميع‏,‏مؤكدة روح المساواة والعدل والتعاون والتعايش السلمي بين أطرافها‏.‏
وكان من أبرز أسس هذه الوثيقة‏:'‏العدالة‏',‏وتمثلت في توافق الحقوق والواجبات وتناسقها‏,‏إذ تضمنت حقوق الأفراد جميعا في ممارسة الشعائر الدينية الخاصة‏,‏وحقوقهم في الأمن والحرية وصون أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودور عبادتهم‏.‏
وقد قامت وثيقة النبي صلي الله عليه وسلم بين أهل المدينة علي أربعة محاور‏:‏
الأول‏:‏الأمن الجماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة‏,‏ حيث قال صلي الله عليه وسلم‏:'‏أنه من خرج آمن‏,‏ ومن قعد آمن بالمدينة‏,‏ إلا من ظلم وأثم‏,‏ وأن الله جار لمن بر واتقي‏',‏ كما حفظ حق الجار في الأمن والحفاظ عليه كالمحافظة علي النفس‏,‏ حيث قال‏:'‏وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم‏'.‏
والمحور الثاني‏:‏ضمان حرية الاعتقاد والتعبد‏,‏ فقرر‏:'‏لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏,‏ مواليهم وأنفسهم‏,‏ إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ‏-‏أي يهلك‏-‏ إلا نفسه وأهل بيته‏'.‏
أما ثالث المحاور فهو‏:‏ضمان المساواة التامة لمواطني دولة المدينة في المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة‏,‏تحقيقا لمبدأ أصيل تقوم عليه الدول الحديثة في عالم اليوم‏,‏وهو مبدأ المواطنة الكاملة‏,‏ والذي لم يكن جليا حيئذ‏,‏ إلا أن دستور المدينة الذي وضعه المصطفي ضمن هذا الحق لكل ساكنيها‏,‏في وقت لم يكن العالم يعي معني كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته‏.‏
ورسخ المحور الرابع إقرار مبدأ المسئولية الفردية‏,‏وأصل هذه المسئولية الإعلان عن النظام‏,‏ وأخذ الموافقة عليه‏,‏وهو ما أكدته الوثيقة‏:'‏ أنه لا يكسب كاسب إلا علي نفسه‏,‏ وأن الله علي أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره‏,‏ وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم‏'.‏
وتعتبر صحيفة المدينة أول دستور ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين‏,‏حيث اعتمد الرسول صلي الله عليه وسلم في الوثيقة مبدأ المواطنة‏,‏ فوضعت فيها الحقوق والواجبات علي أساس المواطنة الكاملة التي يتساوي فيها المسلمون مع غيرهم من ساكني المدينة المنورة ومن حولها‏.‏ وفي ظل التنوع الديموغرافي الذي ساد المدينة حينذاك‏,‏ كان اليهود أبرز هذه الفئات‏;‏ولذا فقد ذكرهم الرسول في أكثر من بند من هذه الوثيقة‏,‏حيث أكد في الوثيقة أن اليهود من مواطني الدولة الإسلامية‏,‏ وعنصرا من عناصرها‏;‏ فقال في الصحيفة‏:'‏وإنه من تبعنا من يهود‏,‏ فإن له النصر والأسوة غير مظلومين‏,‏ ولا متناصر عليهم‏',‏ كذلك قال‏:'‏وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين‏'.‏
وفي هذا الدستور الحقوقي الأول من نوعه في التاريخ نري أن الإسلام قد عد الآخرين‏-‏خاصة أهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه‏-‏ مواطنين‏,‏ وأنهم أمة مع المؤمنين‏,‏ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم‏,‏ فاختلاف الدين ليس سببا للحرمان من مبدأ المواطنة‏.‏
إن هذه الوثيقة أول دستور مكتوب في التاريخ يعترف بحقوق المواطنة لجميع سكان الدولة باعتبارهم‏:'‏ أمة من دون الناس‏',‏ فهم جميعا شركاء في نظام سياسي واحد يضمن لهم حقوقا متساوية‏,‏ ويستظلون بحماية الدولة‏,‏ مقابل أدائهم واجباتهم في الدفاع عنها‏,‏ لذا فقد وقع علي هذه الوثيقة سكان المدينة كلهم‏,‏ ورضوا بها دستورا حاكما بينهم‏,‏ لما وجدوه بها من عدل ومساواة‏.‏
لقد شكلت وثيقة المدينة‏,‏ أو دستور المدينة بمصطلحاتنا الحالية‏,‏ ثورة في علاقة الأفراد بالمجتمع‏,‏ وما تفرضه تلك العلاقة من التزامات وواجبات‏,‏ فسبقت المدينة غيرها من مناطق العالم ومدنه في تحقيق دولة مدنية قوية‏,‏ تضمن حقوق المواطنة‏,‏ وتنمي شعور الهوية والانتماء لدي أفرادها‏,‏ وتنير العالم بنظامها المدني الحديث‏,‏ ودعوتها الدينية السامية‏,‏ فكانت بحق أنموذجا لدولة القيم والأخلاق والدستور والمواطنة‏.‏وإذا كانت تلك الوثيقة تدعو لهذه القيم الرفيعة مع أهل الكتاب من اليهود‏,‏ فكيف الظن بمن أوصانا الله تعالي بهم في قوله‏:(‏ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون‏)(‏المائدة‏:82)‏؟‏!‏

المزيد من مقالات د‏.‏ علي جمعة‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.