للأديب الكبير يوسف الشاروني مكانة سامقة علي خارطة الابداع العربي, اذ اعطي علي امتداد ستة عقود بسخاء عصارة فكره وقلبه, فاستحق ان يلقي عمله التكريم اللائق بمكانته, ليس علي مستوي العالم العربي فقط. وانما ايضا غير الناطقين بالعربية, حتي ان باحثة انجليزية نالت درجة الدكتوراة من جامعة لندن عن دراستها لقصصه. إلا أن كاتبنا الكبير يحس ببعض التكدير علي المستوي المحلي مع اعترافه بالتقدير الكبير وقد تفضل فأسر لنا ببعض مايشجيه وبعض ما يفخر به: * ألم تتوقع حصولكم علي جائزة ملتقي القصة القصيرة الذي عقد اخيرا, وانت اكبر المعمرين من مبدعي القصة القصيرة وتتميز بغزارة الانتاج( خمسة وخمسون كتابا) وتنوعه( ابداعا ونقدا) وتميزه( الوحيد في مصر الحاصل علي الجائزتين التشجيعيتين في القصة القصيرة عام1969 والنقد الأدبي عام1978 فضلا عن الجائزة التقديرية في الأدب عام2000 والعويس الثقافية عام2007 ؟ ** اعتقد انني فوق هذه الجائزة فأنا أكبر عمرا من يوسف ادريس, فتاريخ ميلاده عام1927 وتاريخ ميلادي1924, ولئن كان يوسف إدريس قد كتب إلي جانب القصة القصيرة الرواية والمسرحية والمقالة الأدبية السياسية, فانني كنت أكثر اخلاصا للقصة القصيرة حيث لم أمارسها ابداعا فقط بل ونقدا ورعاية لأدبائها الموهوبين عن طريق نادي القصة الذي تشرفني رئاسته فعليا وشرفيا منذ عام2000 بتزكية من نجيب محفوظ رئيسه الأسبق, وذلك بنشاطه الثلاثي: اقامة ندوات اسبوعية لمناقشة الابداعات القصصية ونشرها رواية أو مجموعة قصصية أو نقدا أدبيا ثم إقامة مسابقات سنوية في هذه المجالات الثلاثة. * ذكرت لي قبيل بداية هذا الحديث ما أطلقت عليه التكدير في مشوارك الأدبي؟ ** هل تصدق انه بعد هذا المشوار في عامي الخامس والثمانين والذي بلغ ستين عاما من الإبداع وستين كتابا يوجد مخطوطان راقدان بالهيئة العامة لقصور الثقافة منذ رئاسة الدكتور أحمد نوار هما مبدعون في احتفال أدبي والطبعة الثانية للمجموعة القصصية الزحام التي فازت بجائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عام1969 مضافا إليها مختارات من الدراسات التي نشرت عنها, وكان ابننا الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة خلفا للدكتور نوار قد وعدني عندما تولي رئاسة الهيئة بنشر الكتابين وللأسف مضي عامان علي توليه رئاسة الهيئة ولاحس ولا خبر. المجلس الأعلي للثقافة هو الجهة التي اتعامل معها بسلاسة بفضل إشراف الدكتور عماد أبو غازي الذي دفع إلي المطبعة أخيرا كتاب دراسات في ادب يوسف الشاروني للأديب المجتهد المتميز مصطفي بيومي. * بعد هذا الجانب السلبي الذي نتوقعه لكاتب في حجمك هل تذكر لنا بعض الجوانب الايجابية التي تقيم توازنا معه؟ ** مرة أخري سأبدأ من الآخر, ففي ملتقي القصة القصيرة سعدت بأن يقدم أ.د. نبيل حداد بجامعة اليرموك بإربد الأردن بحثا للملتقي بعنوان ثنائية الخوف والشجاعة ليوسف الشاروني: مغامرة مبكرة في الشكل القصصي. قراءة سينمائية, وفي الوقت نفسه اتصل بي تليفونيا الروائي العراقي الكبير عبد المجيد الربيعي من تونس يعلن انه نشر بحثا عن ابداعي سيرسله لي بالبريد وفي الوقت الذي اعلن فيه ملتقي القصة القصيرة جائزته كان يزورني في بيتي باحث هندي شاب يعد رسالة دكتوراة عن مشواري الابداعي. بينما اتصل بي ابننا الفنان هشام منجل لإعداد برنامج عن مشواري بالقناة السادسة بطنطا, ويحدد لي موعدا لزيارتي مع فريقه للتسجيل. * تلك حدوته تقديرك من آخرها, لكننا نعرف انك لاقيت تقديرا من شرق العالم وغربه هل تذكر لنا بعض هذه المواقف؟ ** منذ ثلث قرن( عام1971) كنت ضيفا في برلينالغربية مع الصديق الدكتور عبد الغفار مكاوي بدعوة من احدي الهيئات الثقافيةDAD, ولما كانت الهيئة تنشر بعض ابداعات مدعويها من الأدباء بعد ترجمتها إلي الألمانية, فقد تقدمنا إلي المسئول عن النشر ببعض قصصنا المترجمة إلي الألمانية للنشر, فوعدنا بالرد بعد أسبوعين لكنه اتصل بنا صباح اليوم التالي وأبلغنا أنه لم ينم حتي قرأ قصصنا التي شدته, ودعانا لتوقيع عقد الكتاب الذي صدر وعليه صورتنا عبد الغفار وأنا. وفي عام1994 اتصلت بي كيت فكتوريا ماكدونالد وانيلز وكيلة معهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن وقتئذ تطلب مني تحديد موعد معي لأنها تعد رسالة عن ابداعي القصصي الذي قرأته, فرأت انه جدير بإعداد رسالتها للدكتوراه عنه وبعد عدة لقاءات في القاهرة حصلت علي الدكتوراه وترجمها الصديق محمد الحديدي إلي العربية وصدرت ضمن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة عام2001 بعنوان مدركات النفس والآخر في قصص يوسف الشاروني وذلك بفضل ترحيب الدكتور جابر عصفور المشرف علي المشروع. * هذا عن حضورك كمبدع في الغرب فماذا عن حضورك في الشرق؟ ** في خريف عام1996 قمت بزيارة الصين بدعوة من الصديق المستعرب جيكون تشونغ رئيس الرابطة الصينية للدراسات العربية والأستاذ بقسم الدراسات الشرقية بجامعة بكين وأحد مترجمي قصصي إلي الصينية, وكان من بين برنامج الرحلة أن أزور مدينة شنغهاي كبري مواني الصين وبها كلية للغة العربية, وهناك زارني بالفندق شابان يقومان بتدريس اللغة العربية بهذه الكلية, وفي اثناء وداعهما سمعت أحدهما يلقي شفاهة فقرة باللغة العربية من قصتي( آخر العنقود) فلما أبديت له دهشتي أجابني انه علي استعداد أن اسمع منه قصصا أخري لي يحفظها. وفي صيف1999 كنت في زيارة دمشق انا والصديق المبدع محمد جبريل وقد دبر لنا اتحاد الكتاب السوريين زيارة إلي القنيطرة حيث خط التماس في هضبة الجولان مع المحتل الاسرائيلي واثناء هبوطنا من السيارة التي كانت تقلنا فوجئت بما لم اتوقعه في هذا المكان, فقد صاح الضابط السوري الشاب: الاستاذ يوسف الشاروني أنا من عشاقك الخمسة( اشارة إلي احدي مجموعاتي القصصية) واصر ان يستضيفنا بما قدمه لنا من فاكهته البرية, ثم احضر كاميرا صغيرة ونادي علي احد جنوده ليلتقط صورة لثلاثتنا: الضابط السوري ومحمد جبريل وانا, وارسل نسختين لي منها فيما بعد, أعطيت واحدة منها لمحمد جبريل واحتفظ بالأخري في البومي. تلك بعض مباهج التقدير التي تعينني علي ما ألقاه من تكدير.