أدان الجميع في مصر العمليات الإرهابية التي وقعت في الربع ساعة الأولي من العام الميلادي الجديد. وقد وقف الشعب المصري عن بكرة أبيه في مواجهة هذه العملية الإرهابية التي تستهدف النيل من أمن المصريين جميعا, وليس المسيحيين فقط. وباستقراء تاريخ العلاقة بين مسلمي مصر وأقباطها تبرز لنا حقيقة ملموسة مؤداها أنهما يمثلان دوما علي مر العصور نسيجا واحدا يتألف في لحمته وسداه من علاقات اجتماعية حميمة, وتفاعل حضاري وثيق ظهر جليا منذ بداية الفتح العربي الإسلامي لمصر. وعلي الرغم من أن هذا العمل الإجرامي الغاشم يرقي إلي درجة العدوان, فإن له بعض الايجابيات في ردود الفعل الرسمية والشعبية عليه. فعلي المستوي الرسمي, لأول مرة يقوم رئيس الجمهورية بإلقاء بيان, ليس فقط لإدانة الحادث, ولكن لتأكيد ملاحقة مرتكبيه, وأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تهديد يمس أمنها القومي. كما قام كل أعضاء الوزارة تقريبا بزيارة الكاتدرائية في العباسية لتقديم واجب العزاء لقداسة البابا, وللتأكيد أن الشعب المصري يقف صفا واحدا في مواجهة هذا العدوان. وقام وفد من الأجهزة الأمنية بزيارة الكاتدرائية لتهدئة المتظاهرين, وتأكيد أن ملاحقة منفذي هذه العملية الإرهابية واجب وطني, وأنها لن يهدأ لها بال إلا بعد تقديم الجناة للعدالة الناجزة. كما سمحت السلطات الأمنية للشباب الغاضب بالتظاهر أمام كنيسة القديسين, وفي الأماكن المختلفة من المحافظات المصرية. وعلي المستوي الشعبي, فقد وقف شطرا الأمة من مسلمين ومسيحيين في مواجهة الحادث وكأنهم يريدون أن يثبتوا للعالم وللإرهاب الأسود أنه لن يستطيع أحد أن ينال من وحدة هذا الوطن واستقراره, وعاد الجميع لشعار ثورة1919 ايعيش الهلال مع الصليبب. وكانت المظاهرات في القاهرة والإسكندرية يقف فيها المسلمون قبل المسيحيين في صف واحد, ولمواجهة الإرهاب ولضرب مثل للعالم أجمع بأن الشعب المصري يقف في مواجهة أية مخططات خارجية أو إرهابية. جاء رد فعل الأحزاب السياسية سريعا, بتأكيد أن العدوان يستهدف النيل من أمن مصر القومي, وأن جميع الأحزاب والتيارات السياسية تقف وقفة واحدة في مواجهة الإرهاب, وأكدت أن الشعب المصري كله سيوجد بداخل الكنائس يوم7 يناير لمواجهة الإرهاب. وقد قامت وسائل الإعلام المصرية ربما لأول مرة بدور إيجابي في وأد الفتنة مبكرا بتأكيد أن ما حدث هو عمل إرهابي استهدف الجميع, وليس الأقباط فقط, وأن هذا الحادث موجه للنيل من كل المصريين, وحاولت التهدئة علي جميع المستويات والتطرق بموضوعية شديدة لكل المشاكل التي تواجه الأقباط والحلول المقترحة لها. وعلي الرغم من ذلك كانت هناك بعض المحاولات من فضائيات دولية الصيد في الماء العكر لتأجيج الفتنة ومحاولة إظهار ما حدث علي أنه يهدف للتخلص من الأقباط, ومحاولة استقاء أفكارهم من الأزمان الغابرة لإخراج المسيحيين من مصر وتهجيرهم إلي بلدان غربية, وهذا كله عار تماما عن الصحة. كما وقف الجميع للتنديد بمحاولات بعض المصريين الاستقواء بالخارج, ومطالبتهم بعض القوي الدولية بالتدخل لمواجهة ما يطلقون عليه باضطهاد الأقباط في مصر. وأكد الأقباط قبل المسلمين أننا نعيش تحت مظلة وطن واحد, ولاتوجد تفرقة بين المسيحي والمسلم. وقد جاء رد فعل الكنيسة وقداسة البابا شنودة ليؤكد أنها عمليات إرهابية تستهدف أمن مصر, وأن الدور الوطني الذي قامت وتقوم به الكنيسة المصرية من أهم الخصائص التي ميزتها عن غيرها من الكنائس. هكذا كانت لمصر خصوصية في المسيحية والإسلام قبل دخوله مصر, وبعد الفتح العربي لها حتي إن الرسول صلي الله عليه وسلم أوصي بالأقباط وذلك قبل الفتح بسنوات, ولقد أظهرت هذه الأحداث أن المصريين جميعا صفا واحدا لا يستطيع أحد أن يفرقهم, حتي لو طالتهم أيدي الإرهاب الأسود, وأنهم قادرون علي دحره بتكاتفهم وتعاضدهم.