يحين موعد زراعة القمح في منتصف شهر نوفمبر من كل عام ويمتد حتي نهاية ديسمبر طبقا للتوصيات الخاصة بالموعد الامثل للزراعة, والذي يزيد من المحصول كما ونوعا. علي الرغم من توصية جميع الخبراء المصريين والدوليين بأن ما تتمتع به مصر من مناخ يرشحها لكي تكون اكبر بلد متخصص في إنتاج تقاوي مختلف انواع الحاصلات الحقلية والخضراوات والزهور بما يزيد كثيرا من عائد المزارعين وهو ما دفع بلدين مهمين مثل باكستان وبنجلاديش للاعتماد كليا علي تقاوي البرسيم المصري والذي تستوردان كامل احتياجاتهما منه من مصر. وبالمثل فان دولة صغيرة المساحة مثل اسرائيل قد فطنت الي هذا الامر مبكرا وتخصصت في انتاج العديد من أنواع التقاوي خاصة الزهور وتقاوي الخضراوات. في مصر يعتمد انتاج تقاوي الحاصلات الحقلية الرئيسية مثل القمح والقطن والبرسيم والارز علي مركز البحوث الزراعية بشكل اساسي ومعه بعض المشاركات المحدودة من الجامعات المصرية, بينما يفضل القطاع الخاص العمل فقط في انتاج بعض انواع تقاوي الحاصلات الزراعية الخاصة باصناف الهجين( مثل الذرة) غير القابلة لإعادة الزراعة مرة اخري حتي يضمنوا عدم قيام المزارعين بزراعة هذه الاصناف دون شرائها منهم, كما يفضل القطاع الخاص استيراد تقاوي اصناف الخضراوات من الخارج ليبيعوها للمزارعين بالبذرة الواحدة او بالكيلوجرام باسعار تترواح بين ضعفين الي ثلاثة اضعاف اسعار استيرادها خاصة تقاوي الطمام والكنتالوب والخيار والفلفل والزهور والبطاطس نتيجة لعدم وجود نظم للتسعير او لتحديد حد اقصي للربح علي مثل هذه الواردات لحرص الدولة علي تشجيع القطاع الخاص علي المشاركة في الانشطة الاقتصادية للبلاد واستغلالا للتعليمات الخاصة بعدم إستيراد القطاع الحكومي أو قطاع الاعمال العام لمثل هذه الصنوف المهمة تاركين هذا الامر برمته للقطاع الخاص فقط حتي لو توافق ذلك مع استغلال الفئة الافقر والأولي بالرعاية وهم الفلاحون. العديد من الاضرار تحدث نتيجة لترك هذا الامر كاملا للقطاع الخاص مثل استيرادهم لتقاوي الطماطم من بلاد باردة لأصناف لا تتحمل درجات حرارة اكثر من53 درجة مئوية خلال موسم الصيف الحار, والذي تصل فيه درجات الحرارة في الموجات الحارة في مصر الي54 درجة مئوية, وبالتالي يدفع الفلاح والدولة الثمن في انهيار المحصول وصرخات المستهلكين من ارتفاع الاسعار وذلك بسبب عدم دعم الدولة لقطاع انتاج التقاوي بمراكز البحوث الزراعية وتوفير ما يلزمهم من اموال لانتاج صنوف الطماطم والخضراوات التي تتوافق مع المناخ المصري والشرق اوسطي بشكل عام, بما يمكن مصر من احتكار اسواق التقاوي في المنطقة العربية والآسيوية والافريقية. وبالعودة الي ازمة تقاوي القمح المستعرة هذه الايام والتي ناقشناها علي مستوي الخبراء المتخصصين في لجنة الزراعة والري بالمجالس القومية المتخصصة تبين انخفاض كمية تقاوي القمح المنتجة هذا العام من مركز البحوث الزراعية بنسبة05% عن مثيلاتها في العام الماضي واصبح ما هو متوافر من مثل هذه التقاوي المعتمدة عالية المحصول والمقاومة للعديد من الاصابات المرضية لايغطي اكثر من51% فقط من المساحات المقترحة لزراعة القمح هذا العام والمقدرة بنحو3 ملايين فدان, وذلك بالمقارنة بنسبة تغطية تصل الي03% في العام الماضي وما قبله. السبب في هذا هو التخلي عن دعم مراكز البحوث الزراعية لتغطية ما يحدث احيانا من انخفاض مفاجئ لاسعار القمح وما عاني منه هذا القطاع الحيوي في العام قبل الماضي, حيث تم تسعير تسلم القمح من المزارعين بمبلغ083 جنيها للاردب(051 كجم) وباسعار تزيد02% عن هذا السعر للتسلم من المربين المتعاقد معهم علي إكثار التقاوي المعتمدة والخاصة بوزارة الزراعة, ولكن انخفاض الاسعار العالمية للقمح وتسعيرها في مصر بسعر042 جنيها فقط للاردب في الموسم الماضي ادي الي تكبد جهاز انتاج التقاوي لخسارة كبيرة نتيجة للإصرار علي بيع التقاوي بالاسعار المتعاقد عليها مع المربين, وبالتالي عزوف المزارعين عن شرائها بمثل هذه الاسعار وعدم تدخل بنك التنمية والائتمان الزراعي او وزارتي المالية والزراعة لدعم الفرق في السعر وتعويض قطاع التقاوي عن هذه الخسارة بما عرضهم للمساءلة القانونية والادارية دون ذنب منهم, وكانت النتيجة قيام قطاع التقاوي بالاكثار في نصف المساحة المعتادة من قبل تقليل لخسارة جديدة متوقعة ولإحساسهم بانهم وحدهم وسط الميدان دون دعم او رعاية ولكن مساءلة وعقاب فقط, بعد ان اصبح قطاع الزراعة هو القطاع الأول في رفع الدعم عن جميع مستلزماته من الاسمدة والتقاوي والمبيدات علي الرغم من كونه القطاع الافقر والأولي بالرعاية, الدعم عن باقي قطاعات الانشطة الاخري للدولة. ينبغي ألا تمر ازمة نقص التقاوي المعتمدة دون حساب لان هذا الامر سيؤدي الي انخفاض المحصول المتوقع من القمح هذا الموسم بنسبة02% علي الاقل وهو الفرق بين محصول التقاوي المعتمدة ومحصول تقاوي مأخوذة من محصول العام الماضي, أو من محال العلافة ونحن احوج الي تحقيق زيادة في المحصول وليس الي تحقيق خسارة متعمدة ومخطط لها, كما يجب التخطيط من الآن لرفع انتاج التقاوي المعتمدة من الاصناف المصرية للقمح عالية الانتاجية لنصل بها الي نسبة تغطية05% في العام المقبل ثم الي تغطية كاملة في المستقبل ونقوم بتصدير الاصناف المصرية المقاومة للاصابة بالصدأ العدو الأول للقمح حاليا ومستقبلا الي مختلف البلدان المجاورة ليكون انتاج التقاوي احد مصادر الدخل المهمة في الاقتصاد المصري, وللحد من التوسع المطرد لزراعة البرسيم الاعلي ربحية علي حساب القمح مع التوسع في الامر لنصل الي انتاج مختلف صنوف تقاوي الخضراوات والزهور استغلالا لمناخ لا يتوافر في بلاد اخري وتقليص الانخفاض في إنتاجية الخضراوات نتيجة لاستيراد تقاويها من بلدان المناخ البارد, مع دعم قطاع انتاج تقاوي القطن والارز والبرسيم والذرة وفول الصويا وعباد الشمس. من المتوقع ان يشهد عام1102 ارتفاع اسعار القمح في البورصات العالمية الي آفاق كبيرة مستنزفا مبالغ كبيرة من اقتصادياتنا واقتصاديات الدول العربية, ولو كنا انفقنا نصفها فقط علي انتاج واستنباط الاصناف الجديدة عالية الانتاجية, لكان ذلك افضل كثيرا للاقتصاد المصري والعربي.