في ظل الاحتفال العالمي بمكافحة الإدمان, نعقد مقارنة سريعة بين الثقافتين الإسلامية والغربية لنتبين دور كل منهما في مكافحة هذه الظاهرة المدمرة التي اجتاحت الغرب, وبدأت تتسلل إلي دول الشرق والمجتمعات الإسلامية. ويوضح الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الفلسفة الإسلامية أن موقف الثقافة من الخمر هو المفتاح الذي يوصد الباب في وجه الإدمان, أو يواربه, أو يفتحه علي مصراعيه, ففي الاسلام تعتبر الخمر رجسا من عمل الشيطان, والقرآن الكريم يأمر المسلمين باجتنابها فقال تعالي يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون وعلي هذا كان نصيب العالم الإسلامي من هذه المشكلة أقل كثيرا من غيره, بسبب مايحمله الدين الإسلامي من عقيدة وثقافة وتشريع يحول دون الوقوع في براثن هذا المرض الخطير. أما في الغرب فقد تضخمت هذه المشكلة في القرن الأخير, وظلت تتفاقم وتتفاقم معها مشكلات عديدة ناتجة عنها, كالاعتداء علي الأشخاص, والإخلال بالآداب, وهتك العرض, والقتل, حتي أصبحت واحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية والصحية. وقد أعلنت ادارة سلامة المرور في الولاياتالمتحدة عام1983 في احصائية لها أن عدد الأشخاص الذين قتلوا خلال عامين فقط في حوادث سيارات يقودها مخمورون أكثر من عدد ضحايا حرب فيتنام, وأن ثلاثة من الأمريكيين يقتلون, ويصاب ثمانون بجراح مختلفة, كل ساعة يوميا, وأن شخصا من كل شخصين سوف يتعرض خلال حياته لحادثة مروعة علي الأقل من السائقين المخمورين! ومعني هذا والكلام للدكتور أحمد عبد الرحمن أن السائقين المخمورين بأمريكا يقتلون نحو أكثر من ستة وعشرين ألفا كل عام, وأن نصف الشعب الأمريكي يتعرض لحادثة مروعة من قبل السائقين المخمورين. وحسب تقرير لمركز البحوث الجنائية الفرنسي فإن الخمر كانت سببا في66% من جنايات الاعتداء علي الأشخاص و56% من جنايات الاخلال بالآداب, و82% من جنايات العنف عامة, و53% من جرائم القتل, و57% من جرائم هتك العرض. ومعني هذا أن القضاء علي الإدمان يخفض معدلات هذه الضروب من الجريمة بهذه النسب الكبيرة, لهذا كانت نظرة الإسلام إلي الخمر من جانبين, وتحريمه للشرب لهدفين: فالخمر تذهب العقل, وإذا ذهب العقل عجز الانسان عن التحكم في غرائزه ودوافعه, وانتهك النظم والشرائع والقوانين لذلك كان تحريم شرب الخمر لذاته, وكان أيضا بمثابة تدبير وقائي ضد جرائم أخري, كما أن الجلد كحد لشرب الخمر عقوبة وتدبير وقائي في الوقت نفسه. هذا بالإضافة إلي أن المدمن يشكل عبئا ثقيلا علي أسرته وعلي مجتمعه, فالإدمان يؤدي إلي تدهور الشخصية, والاختلال العقلي, وتدهور السلوك الخلقي, كذلك قد تتعطل قدرة المدمن علي أداء وظيفته بسبب كثرة النسيان وبطء الفهم, وانعدام الفكر, وقصر مدي الانتباه, وتتبدد طموح المريض ويفتقد اهتمامه بمساعدة نفسه ويطلب من أسرته أن تعوله ثم سرعان مايصبح شخصا غير مسئول لايعتمد عليه. وتعظم مصيبة هذه الكارثة عندما يقع فيها الأطفال في الصغر, فإذا ما نشأ الأطفال علي تعاطي المخدرات, فإن إدمانهم لها في شبابهم ورجولتهم يصبح شبه مؤكد, كما أن خطورة هذه الظاهرة علي الصحة والأمن القومي أبعد وأعظم. من أجل ذلك كان تحريم الاسلام للخمر وما في حكمها, تحريما باتا قاطعا, قليلة وكثيرة, وسواء أدي إلي السكر وغياب الوعي أم لم يؤد إليه, والحكمة العظيمة من وراء ذلك هي منع المسلم من مجرد تذوق الخمر أو الاقتراب منها, لأن إباحة القليل ثم طلب التوقف عند حد معين أمر لاجدوي منه إذ إن الشارب يستدرج شيئا فشيئا, وتأسره العادة, وإذا به قد انتهي إلي الإدمان الحاد المزمن وهذا مايؤكد عظمة الإسلام في محاربة الإدمان والوقاية منه وإعجاز الثقافة الإسلامية وانتصارها علي غيرها من الثقافات الغربية التي يتباهي البعض بالأخذ منها والانتماء إليها!!