إذا كنا جادين في بلوغ حلم الديمقراطية الكاملة فإن علينا أن ندرك- كنقطة بداية أن الديمقراطية عنوان أساسي من عناوين العمل المنظم, وبالتالي فإن الديمقراطية أبعد ما تكون عن أي شكل من أشكال الممارسة التي تعود إلي الفوضي. إن الديمقراطية قد تتنوع أشكالها ولكن أسلوب تعاطيها في كل دول العالم له مصدران أساسيان لا يجوز الخروج عنهما, فالمصدر الأول هو القانون والمصدر الثاني هو الممارسات واسعة الانتشار والتقاليد المتبعة علي مدي أزمان طويلة. والديمقراطية لا تبيح لأحد- مهما كان موقعه أو مكانته أن يتجاوز القواعد المرعية في الممارسة أو أن يغير واحدة منها... فقط يمكن تفسير القانون قياسا علي السوابق البرلمانية والديمقراطية المتبعة منذ زمن طويل! وفضلا عن كل ذلك فإن المبدأ الأساسي من مباديء الديمقراطية هو أن قرار الأغلبية يمثل القانون الأساسي لكل مجتمع يقوم علي المساواة في الحقوق.. وهذا القانون الديمقراطي إذا لم يتم احترامه فلن يتبقي هناك سوي قانون القوة الذي يفتح أبواب الفوضي علي مصاريعها!. والشعوب الحرة هي التي تدرك أهمية القانون الديمقراطي.. ومن الأقوال الشائعة عن سر رسوخ الديمقراطية في دول بعينها أنها تضع هذا القانون كأحد مناهج التعليم الأساسي ليتعلمه الأطفال منذ نشأتهم مع تعلمهم حروف الهجاء. إن أبسط قواعد الديمقراطية التي نتنادي عليها جميعا, هو الالتزام بالحق المطلق في إبداء الرأي, بشرط أن يتوازي مع ذلك التزام مماثل بقواعد الديمقراطية التي توجب الانصياع في النهاية لرأي الغالبية. ولأننا علي أعتاب مرحلة دقيقة في تاريخ الوطن فإنه ينبغي أن يتكاتف الجميع من أجل أن تكون مرحلة إنعاش وتنشيط الممارسة الديمقراطية بشكل عام, والحياة الحزبية بشكل خاص, وتوسيع دور المجتمع المدني لكي يكون مجتمعا قادرا علي إنتاج وإطلاق الأفكار والمبادرات الخلاقة, المستندة إلي ثقافة مستنيرة تضيء المشاعل باتجاه رسم خريطة طريق لمستقبل أفضل لمصر. ولكي يكون الحديث عن تصويب الممارسة الديمقراطية حديثا جادا, فإن علي جميع الفرقاء في الساحة السياسية أن يدركوا أن الديمقراطية, بمفهومها الصحيح والشامل, ليست عملا ديكوريا نتزين به, إنما هو خيار المصلحة الوطنية العليا, ومن ثم ينبغي أن ينبع تعاطينا للممارسة الديمقراطية من إرادة داخلية ترتكز إلي خصوصياتنا الثقافية والسلوكية ولا تتعاطي مع أي أجندات خارجية. ثم أقول في النهاية وبكل وضوح: إن المسألة أكبر وأشمل وأعمق من مجرد السجال والجدل وتسجيل المزيد من المواقف والمزايدات, فالمصلحة العليا للوطن ترتهن أساسا بمدي القدرة علي تضييق وسد الفجوة بين النخب السياسية المعارضة والأغلبية المنتخبة, ومن لا يقدر علي الإسهام في ردم وسد هذه الفجوة لا يحق له أن يتشدق بمفردات الديمقراطية! .. وغدا نواصل الحديث
خير الكلام: ** ليس أعظم من كريم المال سوي كريم النصح! [email protected]