حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    رئيس «مصر العليا»: يجب مواجهة النمو المتزايد في الطلب على الطاقة الكهربائية    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    غارات إسرائيلية تستهدف محيط مخيم النصيرات في غزة    معين الشعباني: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    وسام أبو علي: نسعى للتتويج باللقب في جولة الإياب أمام الترجي    نجم الأهلي السابق: الزمالك يستطيع حصد لقب كأس الكونفدرالية    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    الأرصاد تكشف موعد انخفاض الموجة الحارة    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سامح يسرى يحتفل بزفاف ابنته ورقصه رومانسية تجمعهما (صور)    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    «الداحلية» تكشف تفاصيل قيام قائدي السيارات بأداء حركات استعراضية بموكب زفاف بطريق «إسماعيلية الصحراوي»    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    قفزة جديدة ب160 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    مدرسة ناصر للتربية الفكرية بدمنهور تحصدون المراكز الأولى في المسابقة الرياضية    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يتعمد منع إعادة المحتجزين فى غزة    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    ماجد منير: موقف مصر واضح من القضية الفلسطينية وأهداف نتنياهو لن تتحقق    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    تزامناً مع الموجة الحارة.. نصائح من الصحة للمواطنين لمواجهة ارتفاع الحرارة    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الهبوط والعصب الحائر.. جمال شعبان يتحدث عن الضغط المنخفض    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    «غانتس» يمهل نتنياهو حتى 10 يونيو لتحديد استراتيجية واضحة للحرب.. ورئيس الحكومة يرد: هذه هزيمة إسرائيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    تونس.. ضبط 6 عناصر تكفيرية مطلوبين لدى الجهات الأمنية والقضائية    مسلم يطرح أحدث أغاني ألبومه الجديد «اتقابلنا» (تعرف على كلماتها)    «فايزة» سيدة صناعة «الأكياب» تكشف أسرار المهنة: «المغزل» أهم أداة فى العمل    حدث بالفن| حفل زفاف ابنة الفنان سامح يسري ونجوم الفن في عزاء زوجة أحمد عدوية وإصابة مخرج بجلطة    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    إعادة محاكمة المتهمين في قضية "أحداث مجلس الوزراء" اليوم    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
الخطوة الأولي في سيناء
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 11 - 2010

كانت الطائرة قد أخذت في التراجع قبل أن يستقر حالها علي الممر وتتسارع سرعتها وتنطلق نحو السماء الصافية في يوم خريف شمسه ساطعة ولكن نسيمه خفيف يؤذن بأن الصيف قد ذهب إلي غير رجعة. فقد وصل شهر أكتوبر إلي نهايته علي أية حال‏.‏ وأشرعت البصر من النافذة حيث بدت القاهرة علي حالها التي أعرفها في كل رحلة ككتلة أسمنتية هائلة تتراوح حالتها بين البريق والهوان حتي ذابت مدنها وجاءت الصحراء الشرقية علي اتساعها وامتدادها وجدبها من البشر والعمران‏.‏ ولم تكن الرحلة من القاهرة إلي العريش طويلة‏,‏ ولكن إثارتها جاءت من ذلك العبور من العاصمة الكبري إلي الصحراء إلي قناة السويس وبحيراتها ثم الوصول إلي الصحراء علي الجانب الشرقي في سيناء‏,‏ وبعد العبور علي الجبال والقفار جاء المطار صغيرا وخاويا لا يبدو عليه ازدحام في الوصول أو المغادرة‏.‏
لم يتجاوز الزمن كله بين امتطاء الطائرة والهبوط منها أربعين دقيقة‏,‏ ولكن ما كان فيها إلا تدافع تلك الأفكار والأحاسيس والذكريات‏,‏ بل وما جاء من معارك فكرية حول عمران الأرض والدفاع عنها‏.‏ ولا أدري لماذا تداعي إلي الذهن ما تساءل عنه محمود تيمور فيما أذكر منذ وقت بعيد حينما شرع بصره من طاقة الطائرة عن ماهية الوطن‏;‏ أو كما قال في عجب وهل الدنيا علي رحبها واتساع بقاعها إلا مثلك بر وبحر؟ لماذا تبدو إذن قطعة بعينها‏,‏ هي في هذه الحالة مصر لها من الجاذبية والهوي‏,‏ أرضا وماء‏,‏ أكثر من غيرها في أرض الله الواسعة؟ ولم يكن السؤال جديدا بالمرة بل إنه كان مطروحا منذ بدأت السفر الذي جعلني أعبر أمريكا من شاطئها الأطلنطي إلي شاطئها الباسفيكي‏,‏ والمكسيك من العاصمة شرقا إلي أكابولكو غربا‏,‏ وعبر الدنيا كلها إلي الصين واليابان‏,‏ وما بين الشرق والغرب والدول والأمم والشعوب الكثيرة ظل لهذه البقعة من البر والبحر شوق وشجن خاص لا يذوب ربما إلا ساعة الرحيل عن الدنيا‏.‏
وللحق فإن الشجن هذه المرة كان مختلطا بكثير من التاريخ والذكريات‏,‏ ولم يكن عبور اليم بالطائرة إلا باعثا لذكري العبور العظيم الذي كنت من شاهديه‏.‏
ولكن ما جاء إلي الذهن أكثر‏,‏ فقد كانت تلك الأيام العصيبة التي أعقبت هزيمة أو نكسة لا فرق يونيو‏1967‏ عندما خرجنا في فبراير‏1968‏ نطالب بالمساءلة عن الهزيمة‏,‏ ونعبر عن تصميمنا علي الحرب‏.‏ ولم يمض عام حتي كانت حرب الاستنزاف جارية هنا تماما علي مسار الطائرة في أشكال ضربات مستمرة للمدفعية‏,‏ وغارات للقوات الخاصة‏,‏ ونوبات من الاقتحام والهجوم التي كان الهدف منها رفع تكلفة الاحتلال علي العدو الإسرائيلي‏.‏
ولا أدري من كانت فكرته في تلك الأيام أن يذهب الطلبة في الجامعة إلي الخطوط الأمامية لكي يشاهدوا بأنفسهم الحالة القتالية والروح المعنوية للجيش المصري الذي يستعد للحظة الحاسمة‏.‏ وهكذا ذهبنا في صمت بليغ إلي حافة قناة السويس لكي نشاهد ليس فقط استعداد قواتنا بل أيضا نقاط العدو الحصينة علي الطرف الآخر‏,‏ ولكي نستمع لعدد من المحاضرات من ضباط مدربين كان فيهم من التصميم والإرادة ما يكفي لكي يقتنع المتمردون من الطلبة أن يوم الحساب مع إسرائيل قادم لا شك فيه‏.‏ ولكن لفت نظري من بين ما استمعت إليه ما جاء علي لسان واحد من ضباط القوات الخاصة الذين عبروا القناة ذهابا وإيابا تحت وابل النيران وطغيان الخطر‏:‏ علينا أن نتذكر بعد كل ذلك‏,‏ وسوف ينتهي كل ذلك‏(‏ وكان يقصد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء‏)‏ إن عاجلا أو آجلا‏,‏ أهل سيناء الذين أصبح لهم لدي كل المصريين دين كبير في أعناقهم نتيجة ما قاموا به من جهد لمقاومة إسرائيل‏,‏ وجمع المعلومات عن قواتها وتسهيل عمليات الاستنزاف إزاءها‏,‏ إلي آخر ما بات معروفا من جهاد‏.‏ وفي الحقيقة لم يكن في ذلك إباحة لسر‏,‏ فقد كنا نعرف بوجود جبهة تحرير سيناء‏,‏ وكنا نعرف أن مصريا من كان لن يألو جهدا في المساهمة في المعركة الكبري‏,‏ ولكن الوصية التي جاءت من ضابطنا كان لها معني خاص حيث كانت الكلمات تعكس تجربة خاصة اختلطت فيها المعلومات مع القتال والاستشهاد في حزمة واحدة صافية ونقية من المصريين عندما يكونون في أحسن أحوالهم‏.‏
وكانت هذه القصة هي ما بدأت به حديثي إلي طلبة وطالبات وأساتذة جامعة سيناء الفتية‏,‏ خاصة وقد أتي إلي محاضرتي شيوخ المجاهدين‏,‏ وأعضاء في مجلسي الشعب والشوري‏,‏ والمجلس المحلي لمدينة العريش‏,‏ وأهل همة ونفوذ في المجتمع المدني‏.‏ كانت الرحلة التي قطعتها منذ الصباح وزرت فيها مشروعات للتنمية في الحسنة ونخل ووسط سيناء حتي الوصول مع المساء للجامعة‏;‏ كلها تقول إن الدين في أعناقنا لم يوف ولم يدفع‏,‏ بل إن القصص التي ما باتت تأتي وتذهب كان فيها الكثير مما يحبط‏.‏ ولولا جهود شرحها المحافظ القدير اللواء مراد موافي والدكتور حسن راتب رئيس مؤسسة تنمية سيناء لبدا الأمر كله باعثا علي اليأس‏,‏ وعلي مدي ما يقرب من ثلاثة عقود من التحرير فإن وعودنا بتنمية سيناء‏,‏ والأكثر استعدادنا لدفع الدين في أعناقنا‏,‏ كان محدودا وغير كاف‏.‏
ومن المدهش أن ما جري لم يكن بسبب قصور في النظر‏,‏ فمنذ التحاقي عضوا بمجلس الشوري وجدت عشرات التقارير والدراسات لدي المجالس التشريعية والمتخصصة والحكومة التي قالت كلها بضرورة تنمية سيناء‏,‏ وكان الإلحاح علي ذلك يزيد في يوم التحرير‏25‏ إبريل من كل عام‏,‏ وعندما تأتي ذكري معركة العبور في السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان كل سنة‏.‏ ولكن الإلحاح الأكبر الذي كان يأتي كل يوم من الكتلة السكانية الأعظم إلحاحا في القاهرة والدلتا وأخيرا الصعيد كان يعني إما تأجيل مشروعات سيناء أو غض البصر عنها وانتظارها إلي يوم آخر‏.‏ وكان معني ذلك القبول بمخاطرة كبري لوجود فراغ إستراتيجي يغري بالعدوان وهو ما بدأ يظهر بالفعل في أشكال مختلفة من التهديد قد يأخذ أشكالا إجرامية لتهريب المخدرات والبشر‏,‏ وحفر أنفاق تنقل السلاح ذهابا وإيابا عبر حدود مصر الدولية‏,‏ وعمليات إرهابية جرت في طابا وشرم الشيخ ودهب‏,‏ واقتحام ما يقرب من‏700‏ ألف فلسطيني للأراضي المصرية‏.‏
ولكن الخطر الاستراتيجي الأكبر سوف يظل إسرائيل خاصة طبقا للحالة التي تعيش عليها الآن‏,‏ وشرحنا لها في مقال سابق بعنوان أكتوبر‏2010‏ حيث انتهي معسكر السلام ولم يبق إلا معسكر مجنون بغرور القوة وصلافتها‏.‏ هذا الموضوع ربما نعود له في يوم آخر‏,‏ ولكن ما يعنينا هنا أن التوازن الإستراتيجي الشامل مع إسرائيل يمكنه أن يتعرض للاختلال ما لم نتخذ خطوات جسورة للتعمير الشامل لشبه جزيرة سيناء خاصة في منطقتي الوسط والشمال‏,‏ حيث يفيد ذلك عناصر القوة المصرية من ناحيتين‏:‏ الأولي أنه سوف يكون أسرع الطرق لزيادة الثروة الاقتصادية لمصر والمصريين‏;‏ والثانية أنه سوف يكون السبيل الأساسي لإقامة مانع سكاني هائل يصعب علي أي قوة عسكرية تخطيه فضلا عن اجتياحه أو اختراقه‏.‏ لقد انتهي الوقت الذي كانت تمثل فيه الصحراء ورمالها ومضايقها مانعا طبيعيا أمام الغدر والعدوان الخارجي نتيجة التقدم التكنولوجي والقدرة علي نقل القوات الميكانيكية السريعة والقوة الكبيرة والهائلة للنيران‏.‏ وعلي العكس فإن الصحراء الواسعة الفارغة من أهلها تعطي قدرة كبيرة علي المناورة‏,‏ والنقل السريع للقوات‏,‏ ومن ثم فإنها تتحول من مانع إلي معبر تتحرك فيه القوات‏,‏ دون عائق أو مانع‏.‏ كل ذلك لا يمكن مواجهته إلا بكتلة سكانية كبيرة وهادرة وديناميكية‏,‏ ومن حسن الطالع أن حالة الخفة السكانية التي تعيشها سيناء تجعل التنمية أكثر سهولة بكثير من الوادي‏,‏ حيث الضغوط الكبري الداعية إلي الحصول علي العائد الآن وليس استثماره من جديد لتحقيق التراكم المطلوب لقفزة تنموية‏.‏
وتكتسب رؤية تعمير سيناء وجاهة خاصة مع الوضع في الاعتبار الموارد والإمكانيات الطبيعية التي تحظي بها سيناء‏,‏ والتي تجعل منها أحد أهم مناطق التنمية والاستثمار في مصر‏.‏ وكان ذلك هو ما كشفت عنه الخريطة الاستثمارية التي أعدتها هيئة الثروة المعدنية لاستكشاف أماكن المعادن والموارد التي تحتوي عليها سيناء والتي تمثلت في‏:‏ الكاولين الذي تصل احتياطاته إلي‏100‏ مليون طن ويمكن استخدامه في صناعة الخزف‏,‏ والرمال البيضاء التي تبلغ احتياطاتها مليارات الأطنان ويستعان بها في صناعة الزجاج والكريستال‏,‏ والمنجنيز الذي يوجد في منطقة أم بجمة‏,‏ والألبيتت الذي تصل احتياطاته إلي مليار ونصف المليار طن منها‏26‏ مليون طن احتياطات مؤكدة و‏811‏ مليونا احتياطات محتملة‏,‏ ويستخدم في صناعة السيراميك‏,‏ والطفلة الكربونية التي تبلغ احتياطاتها‏75‏ مليون طن في الكيلو متر المربع‏,‏ وتستخدم في صناعة الأسمنت ومحطات توليد الكهرباء‏,‏ والفحم الذي يوجد بمنجم المغارة والذي تقدر احتياطاته بحوالي‏27‏ مليون طن مؤكدة و‏52‏ مليون طن احتياطي جيولوجي‏.‏
كما كشفت الخريطة التي أعدتها هيئة الثروة المعدنية وجود ثلاثة عشر نوعا من الجرانيت‏,‏ وسبعة أنواع من الحجر الجيري‏,‏ بالإضافة إلي وجود خامات أخري مثل الجبس‏,‏ وكلورايد الصوديوم‏,‏ والبنتونيت الذي يستخدم في عمليات حفر آبار النفط والمياه الجوفية‏,‏ والنحاس‏,‏ والذهب‏,‏ والفضة‏,‏ والكبريت الذي يقدر حجم الاحتياطي في المنطقة التي يوجد بها بين العريش ورفح بنحو‏30‏ مليون طن‏,‏ ونظرا للأهمية الكبيرة التي يحظي بها‏,‏ تم طرح أول مزايدة عالمية للتنقيب عنه‏.‏ ورغم ذلك هناك تقديرات تشير إلي أنه لم يتم استغلال سوي‏1%‏ من ثروات سيناء التعدينية حتي الآن‏.‏ كما لم يتجاوز عدد المصانع الكبيرة في سيناء مصنعين وكليهما للأسمنت‏.‏ وأن أقصي ما تحقق هو السياحة بأبعادها المختلفة لدرجة أنه تم اختزال المشروعات المقامة في سيناء في الجوانب السياحية‏,‏ وأغلبها يتواجد في الجنوب‏.‏
المدهش في الأمر أنه بعد تحرير سيناء في‏25‏ أبريل عام‏1982‏ كانت هناك حاجة إلي‏12‏ عاما إضافية حتي تم إقرارالمشروع القومي لتعمير سيناء في‏14‏ أكتوبر‏1994,‏ الذي يعرف اختصارا باسم ممر التنمية‏,‏ وكان يستهدف إنشاء ترعة السلام التي تزرع‏400‏ ألف فدان في وسط سيناء‏,‏ وإقامة مجتمع عمراني جديد مكون من‏40‏ قرية علي جانبي الترعة‏,‏ واستيعاب حوالي‏5‏ ملايين نسمة‏,‏ بتكلفة قدرت في هذا الوقت بحوالي‏75‏ مليار جنيه‏.‏ وقد تمت إعادة رسم المشروع في سبتمبر‏2000‏ ليضم محافظات القناة بتكلفة تقديرية بلغت‏251.7‏ مليار جنيه منها‏69‏ مليار جنيه لشمال سيناء‏,‏ بحيث يسهم المشروع في توطين‏2.457‏ مليون نسمة بشمال سيناء وتوفير‏612‏ ألف فرصة عمل‏.‏ وارتفعت التكلفة الإجمالية إلي نحو‏154‏ مليار جنيه‏,‏ يشارك القطاع الخاص فيها بنسبة‏56%‏ وحتي نهاية عام‏2009,‏ تم تنفيذ بعض الأعمال والمشروعات التي تضمنها المشروع بتكلفة‏20.2‏ مليار جنيه‏,‏ ساهم القطاع الخاص فيها بنسبة تقدر بحوالي‏31%(6.4‏ مليار جنيه‏),‏ فيما ساهمت الحكومة بنسبة تقدر بنحو‏69%(13.846‏ مليار جنيه‏).‏
لاحظ هنا الفترات الزمنية الطويلة ما بين كل خطوة وأخري‏,‏ ولاحظ هنا أيضا ضعف الإقبال من ناحية القطاع الخاص علي عمليات التنمية في سيناء رغم ربحيتها المؤكدة نتيجة عدم الوضوح الكافي لأوضاع الملكية في سيناء وقصره علي حق الانتفاع الذي لا يغل قروضا ولا يكون سوقا إذا ما تم استخدامه بشكل شامل‏.‏ وحتي تكون الأمور واضحة فإن أحدا لا يختلف علي ضرورة قصر الملكية علي المصريين‏;‏ أما أن يعجز شيخ من شيوخ المجاهدين عن امتلاك المنزل الذي عاش فيه آباؤه وأجداده فإن في ذلك تزيدا وضعف همة‏.‏ وظهر ذلك بشكل أكبر في المصير الذي آل إليه المشروع القومي لتنمية سيناء‏,‏ ومن بين‏400‏ ألفا فدان كان من المستهدف استصلاحها من خلال المشروع بالاعتماد علي مياه ترعة السلام‏,‏ تم استصلاح‏135‏ ألف فدان فقط في منطقة شرق البحريات‏,‏ و‏60‏ ألف علي ترعة السلام‏.‏ وفي مشهد من مشاهد التاريخ المصري وقف الرئيس مبارك في صورة لا تخرج من الذهن عندما بدأت المياه في التدفق من غرب القناة إلي شرقها بعد أن مرت أسفل قناة السويس في واحدة من أعظم المشروعات الهندسية التي عرفتها مصر‏.‏ وربما لم يكن يماثل هذه اللحظة في تاريخيتها وأهميتها للمستقبل المصري إلا تلك اللحظة التي وقف فيها الرئيس جمال عبد الناصر وهو يشهد تحويل نهر النيل أثناء إقامة مشروع السد العالي‏.‏ ومع ذلك فقد توقف المشروع‏,‏ وغاب عن الذاكرة المصرية وجوده‏,‏ وكأنه لم تنفق مئات الملايين من الدولارات علي الاستعداد والاستصلاح‏,‏ ولا جري وضع السحارات‏,‏ ولا عبرت مياه‏,‏ ولا جهزت أرض‏,‏ ولا ارتفعت توقعات شعب بأسره إلي عنان السماء‏.‏
وربما لا تزال الأماني ممكنة كما يقال‏,‏ فتبعا لما ذكره السيد محافظ شمال سيناء اللواء مراد محمد موافي في حوار ممتد طوال يوم الثلاثين من أكتوبر‏,‏ فإن هناك خمسة محاور أساسية لتعمير سيناء‏:‏ المحور الأول يتعلق بالتعمير الزراعي ويستهدف استصلاح‏275‏ ألف فدان علي مياه ترعة الشيخ جابر و‏70‏ ألف فدان علي المياه الجوفية والأمطار‏,‏ وتنمية‏300‏ ألف فدان مراعي طبيعية‏,‏ فضلا عن مضاعفة الإنتاج السمكي من سواحل البحر المتوسط‏,‏ أما المحور الثاني فيختص بالتعمير الصناعي‏.‏ والمحور الثالث يتعلق بالتعمير السياحي ويتم فيه استحداث مفهوم المنتجعات السياحية المتكاملة لخدمة أغراض السياحة الداخلية الراقية والسياحة العالمية‏.‏ ويتصل المحور الرابع بالتعمير التعديني من خلال إقامة مشروعات إنتاجية واستغلال خامات الأسمنت والرخام والخامات المحجرية بوسط سيناء‏.‏ أما المحور الأخير فيختص بالتنمية البشرية من خلال إنشاء‏11720‏ فصلا ابتدائيا و‏5940‏ فصل إعداديا‏,‏ و‏5040‏ فصل ثانوي‏,‏ وإقامة‏390‏ ألف وحدة سكنية في‏37‏ تجمعا عمرانيا جديدا‏,‏ فضلا عن ذلك ربط المناطق المحرومة بخطوط المياه النقية الرئيسية واستكمال مشروع الصرف الصحي بمدينة رفح والبدء في مشروع مدينة الشيخ زويد‏.‏
الخطط موجودة إذن وبكثرة‏,‏ والإيمان والعزيمة متوافرة بغزارة‏,‏ والدين في الأعناق هائل ويطلب السداد‏,‏ والحكمة الإستراتيجية ترفض التأجيل والانتظار‏,‏ ولكن من المؤسف أن يختفي الموضوع من المعركة الانتخابية الراهنة لمجلس الشعب بينما تحصل أسعار الطماطم علي نجومية ظاهرة‏.‏ هنا فإننا لا نقلل من قيمة كل القضايا المصرية المعروفة‏,‏ ولا نقلل من حجم الإنجازات التي تم وضعها موضع التطبيق‏,‏ ولكننا نري أن التاريخ لن يسامحنا إذا لم نعد للأمر عدته‏,‏ حيث إن ثمن ترك سيناء علي حالها دون ملايين من المصريين سوف يكون فادحا للغاية‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.