كلمات محفوظة وتصريحات مكررة من وزير النقل الحالي المهندس علاء فهمي أو سابقه عقب تولي المسئولية, وهي تطوير مزلقانات القطارات التي تتسبب في كوارث وضحايا وإحلال التطور التكنولوجي بدلا من العنصر البشري. ولكنها تظل تصريحات للاستهلاك المحلي ومغازلة الرأي العام حتي يأتي الوزير اللاحق ونستمع منه أيضا نفس التصريحات ونزيف الدماء والأشلاء لايتوقف خاصة بمنطقة جنوبالجيزة وحتي العياط ليظل الحادث الأخير شاهدا علي وحشية القطار ومسئولية القائمين علي السكة الحديد وعلي قتل هذين الطفلين بالإهمال عندما توقف جرس الإنذار وغاب عامل المزلقان ليتحول جسدا الصغيرين إلي أشلاء حاول الأب أن يلملمهما. المأساة شهدها مزلقان السكة الحديد بأبوالنمرس السبت الماضي عندما كان محمود سيد عبد الباقي(40 سنة) يزور شقيقته التي لاتبعد عن سكنه سوي ثلاثة كيلو مترات ولم يعلم أن طائر الموت في انتظار نجليه هناك, وأن هذه الزيارة سوف تكون الأخيرة بعد أن أطاح بهم القطار حيث تقيم الأ سرة بمساكن مملوكة بالسكة الحديد لايفصلها عن قضبان القطار سوي متر واحد وليس بينهما أي فاصل مما يجعل حياة هؤلاء السكان عرضة للموت في أي لحظة فهذه المنطقة لايكاد يمر أسبوع إلا وتشهد سقوط ضحايا من الأطفال والكبار حتي إن الدواب والأبقار لم تسلم من الموت في ظل الرقابة المفقودة, وعلي الرغم من حوادث القطارات المستمرة وخروج المسئولين عقب كل حادث بوعود وكلمات تعطي الأمل فإنها سرعان ما تتحول إلي سراب لا أساس له وحملنا السكان رسالة إلي وزير النقل بالنظر إليهم لإنقاذ حياتهم وأطفالهم, ثم اتجهنا بعد ذلك إلي منزل الضحيتين وكانت المفاجأة أن الأسرة غادرته منذ موت طفليها ولم يبق فيه إلا شقيقته الكبري التي تقيم فيه بمفردها وأقامت أسرة الضحيتين في منزل آخر بإحدي الحارات الضيقة بمنطقة منيل شيحة والتي لاتبعد عن مكان الحادث سوي ثلاثة كيلو مترات وفي منزل بسيط من أربعة طوابق يستأجر والد الطفلين شقة به وقد خيم عليها الحزن والصمت الأب المكلوم موظف بسيط بإحدي الشركات الخاصة في مجال طباعة شرائط الكاسيت, ملامح وجهه تنطق بحجم آلامه وعلي الرغم من حزنه الشديد وبساطة حاله فإنه حاول إخفاء فجيعته, ولكن دموعه كانت تخذله وسرعان ما تساقطت علي وجهه علي الرغم من محاولته التماسك أمام زوجته وطفلته الصغيرة اللتين شاهدتا الحادث أمام أعينهن فأصيبت الزوجة بالانهيار وسقطت مغشيا عليها حتي ظن الجميع أنها فارقت الحياة فهي لاتصدق كأم موت فلذتي كبدها بهذه الطريقة أمام عينيها وطفلة صغيرة لم تتجاوز عامها الخامس تري شقيقيها يتحولان إلي أشلاء وهي لاتدرك أن هذا هو الموت وإذ كانت لاتدرك ذلك وتتمني عودة شقيقيها للهو معهما كما كانا دائما وبعد هذا الفاصل من الدموع بدأ محمود يلملم أطراف الحديث فقال: تربينا أنا واخوتي في هذه المساكن التابعة لهيئة السكك الحديدية وحيث كان والدي يعمل بالإدارة الهندسية للسكة الحديد وعشنا بها أجمل أيام حياتنا وانطلق كل منا لحياته ولم يبق بهذا السكن سوي شقيقتي الكبري التي كانت بمثابة والدتنا فهي التي ربتنا بعد وفاة والدتي لذا فإنني أعتبرها كأمي وبحكم أنني أقرب أشقائي لها في السكن فأقضي ثلاثة أيام في سكني وثلاثة أيام عندها حتي لا أتركها تعيش وحيدة وهي دائما تحتضن أبنائي وتعاملهم كأبنائها وتعيد معهم الكرة وتتذكر معهم تربيتها لي خاصة أنها لم تنجب أطفالا. ويوم الحادث المشئوم كنت أنا وأسرتي عند شقيقتي كالمعتاد وخرجت لأشتري بعض احتياجات المنزل حيث إن المسافة بين مسكن السكك الحديدية والمحال بعيدة ولا تستطيع شقيقتي قطع هذا الطريق فهي كبيرة السن ومريضة وتركت أبنائي وزوجتي وأختي في المنزل يلعبون ويلهون كالمعتاد وكنا نحرص دائما علي غلق الباب عليهم خوفا من خروجهم حيث إن القضبان لاتبعد عن المسكن سوي بضعة أمتار ولكن القدر لايمنع الحذر فقد خرج طفلانا ليلعبا ويمرحا فهذه كانت فسحتهما الوحيدة ولتكتمل المآساة وتدخل شقيقتي للحظات ولاتعلم أن هذه اللحظات هي النهاية الحزينة لطفلينا فتخرج علي صراخ ابنتي التي كانت تلهو معهم ولكن القطار كان قد أطاح بهم لتخرج زوجتي وتري المأساة حتي فقدت صوتها من شدة الصراخ والعويل فطفليها اللذان حملتهما بين أحشائها قد ضاعا في ثوان, وعدت أنا لأجد مشهدا مآساويا لم أر مثله من قبل ولداي اللذان تركتهما يملآن الدنيا فرحا وسعادة وقد تحولا إلي أشلاء فظللت احتضن ماتبقي منهما ثم حضر أقاربي والشرطة والنيابة لتعاين الحادث وتنقل أشلاء الجثتين إلي المشرحة لنبدأ رحلة أكثر صعوبة حيث انتظرنا ساعات الطبيب الشرعي حتي أتي الظلام وبعد رحلة طويلة من الإجراءات دفنت فلذات كبدي وأنا أشعر أنني أدفن جزءا من جسدي ورحت أصرخ كلما دخلت إلي حجرتهما وفي كل لحظة أشعر أنهما سوف يخرجان علي كما اعتادا ولكن الحزن الشديد جعلني أكاد أفقد عقلي ولكن سرعان ما أقول لنفسي أن ذلك هو قضاء الله وهو أرحم بهم مني وأدعو الله أن يبارك في طفلتي الصغيرة ندي فقد كان القدر رحيما بي عندما تركها دون أن يموت الثلاثة مرة واحدة. وهنا التقطت الطفلة ندي طرف الحديث وهي شاهد العيان الوحيد في الواقعة المفجعة فقالت كنت ألعب مع كريم ويوسف وفجأة حضر قطار مسرع وفوجئت بهواء شديد يطرحنا نحن الثلاثة أرضا وعلي الرغم من سعادتي بهذا الهواء فإنني لم أعلم إلا بعد لحظات أنه سوف يقتل شقيقي تحت عجلات القطار فشاهدت شقيقي وهما يموتان فانطلقت لأنادي عليهما كريم.. يوسف وصرخت لتحضر أمي وظلت تصرخ وهنا علمت أنني لن أراهما إلي الأبد وظلت الطفلة تبكي والأب, أما الأم فلم تستطع أن تحدث ولو لكلمة واحدة لتعبر عن آلامها وأحزنها إلا بكلمة واحدة وهي طفلاي في الجنة فهما شهيدان, والقضية سوف تقيد ضد مجهول علي الرغم من أن الفاعل معلوم!