تعرضت أنظمة التحكم الصناعية في مفاعل بوشهر في إيران لهجمات فيروس ستاكس نت في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي, وذلك قبيل أيام قليلة من افتتاحه في أكتوبر الحالي, وبلغت نسبة الإصابة في إيران وحدها60% من الهجمات, بينما اصيبت عدة دول أخري بنسب أقل كإندونيسيا والهند والولاياتالمتحدة واستراليا وبريطانيا وماليزيا وباكستان, وتسبب ذلك في ابطاء العمل في مفاعل بوشهر لشهرين علي الأقل, وقد اتهمت اسرائيل بأنها وراء تلك الهجمات الالكترونية, الأمر الذي كشف عن نشاط استخباري اسرائيلي عبر الانترنت. ساحة أخري للصراع أثارت رغبة إيران في أن تصبح قوة إقليمية مالكة للقدرات النووية حفيظة الولاياتالمتحدة واسرائيل وبعض القوي الغربية, تحت مشاعر القلق من وجود أبعاد عسكرية للبرنامج النووي لديها ومن ثم فقد قامت الولاياتالمتحدة وإسرائيل بالعمل علي إعاقة هذا البرنامج سواء عبر التهديد باستخدام القوة العسكرية لتدميره, او بالعمل علي تخريبه وتعطيله واجهاض تقدمه, وفي سبيل ذلك فرضت الولاياتالمتحدة العقوبات الاقتصادية, ومنعت تصدير التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بالمحطات النووية, والضغط علي الدول المتعاونة مع ايران نوويا, مع قيام الأجهزة الاستخباراتية لدي اسرائيل والولاياتالمتحدة بالتجسس علي البرنامج النووي الايراني, والسعي لاغتيال أو اختطاف علماء الطاقة النووية. وشهد الصراع بين إيران وإسرائيل والولاياتالمتحدة تطورا آخر بالانتقال إلي استخدام قدرات الحرب الالكترونية, والتي كان منها قطع الكابلات البحرية المزودة لخدمة الانترنت أو استخدام هجمات إنكار الخدمة أو استخدام الفيروسات وغيرها, كما دمرت المخابرات المركزية الامريكية والموساد الاسرائيلي خطوط الكهرباء لإحدي المنشآت النووية الايرانية باستخدام جهاز مهرب للذبذبات الكهرومغناطيسية. ثم تم شن هجمات فيروس ستاكس نت علي محطة بوشهر النووية لتخريب البرنامج النووي لإيران. وفي السياق ذاته كانت سوريا الحليفة لإيران قد تعرضت هي الأخري لهجوم عبر الانترنت استهدف تعطيل أجهزة الرادار الارضية والبطاريات المضادة للطائرات قبل ضرب مفاعل نووي مزعوم بها عام2007, وقد قامت سوريا في العام الماضي بإعدام علي عشتاري بتهمة التجسس لصالح إسرائيل بعد إدخاله لمعدات اتصال ملوثة بفيروس تجسس في أحد المشاريع العسكرية السرية, بما ادي الي إجهاض المشروع. هجمات فيروس ستاكس نت ضد منشأه بوشهر النووية جاءت في هذا الاطار باعتبارها الحدث الأكثر تقدما في إطار استخدام الفيروسات كأسلحة إلكترونية, وجاءت تلك الهجمات أقرب لاعتبارها عملا إرهابيا كونها هدفت لبث الرعب والخوف, خاصة في ظل عدم توافر معرفة واضحة بمصدر الهجوم, ولا بكيفية حدوث الاختراق الذي أتي بصورة فجائية, ولم يميز بين ما هو مدني أو عسكري, فضلا عن أن هذه الهجمات لم يتطلب تنفيذها سوي وقت زمني قصير, وهي أقل تكلفة من أي سلاح تقليدي آخر, وقد تكون نشيطة او كامنة في انتظار من ينشطها أو أن تعمل تلقائيا. وبذلك عد الفيروس الالكتروني- كالفيروس البيولوجي- سلاحا جديدا يستخدم في معركة مفتوحة وميدان معركة غير معروف المعالم وتكون آثاره عشوائية. ومن ثم إن إصابة دول إخري بجانب إيران لا تعني أنها مشكلة عامة, بل إن الأمر يرجع لطبيعة شبكة الإنترنت المفتوحة علي المصادر من الدول المختلفة أو لتشابه التطبيقات التي يمكن استغلال الثغرات الأمنية بها لشن الهجمات, أو إنها تأتي في اطار التغطية علي الحادث. وكشفت هجمات ستاكس نت عن أن من يقف وراءها جهة عالية التنظيم, ودولة لها قدرات في مجال الحرب الالكترونية, حيث أصابت علي نحو خاص الشبكات الالكترونية الداخلية لمفاعل بوشهر وما يزيد علي30 ألف كمبيوتر, وتمكن من قام بتلك الهجمات من معرفة أسرار برنامج سيمينز للتحكم الصناعي, الأمر الذي مكنه من اختراق برنامج الويندوز المشغل له, أو بقيام اسرائيل بتجنيد أحد العملاء داخل المفاعل بزرع بطاقة ذاكرة ملوثة بالفيروس ليصيب الوحدة المركزية التي يتم من خلالها تشغيل المفاعل ومراقبة سير العمليات ومراقبتها الكترونيا, وأدت الإصابة لتعطل العمل بداخل المفاعل وإمكانية إرسال بياناته للخارج ويستغرق إصلاح ذلك التلف علي الأقل شهرين, ويعد بذلك عملا استخباراتيا في المقام الأول. ضرب إيران الكترونيا أتاحت شبكة الإنترنت تطورا هائلا في عمل أجهزة الاستخبارات الدولية سواء ما يتعلق بالأدوات والمهام أو بإدراك حجم الاخطار والمهددات وطرق جمع المعلومات, وقد استخدم الغرب الانترنت كوسيلة للمساعدة علي اسقاط النظام الايراني من الداخل بتوفير دعم خارجي للمعارضة والاحتجاجات, والتي وضحت ابان الانتخابات الرئاسية في يونيو عام2009, وقيام الشركات التكنولوجية الغربية بمساندة ذلك فنيا, خاصة مواقع نقل الصور والفيديو- كموقع تويتر- وتم توفير برمجيات متقدمة تستعصي علي الرقابة, وأدركت إيران بذلك خطر شبكة الانترنت علي أمنها فقامت بقطع الخدمة, وممارسة التشويش ومنع الرسائل النصية. واهتمت إسرائيل مبكرا باستخدامات الإنترنت في عالم التجسس, فقامت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي بتعريض مستودع للوقود شمال تل ابيب لهجوم الكتروني لكي يتم اتخاذ تدابير الحماية, وقامت بتأسيس مكتب المخابرات عبر الإنترنت عام2001 تحت قيادة ضابط المخابرات الإسرائيلية موشي أهارون بالتعاون مع ضابط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية, وتبنت إسرائيل عملية رصد الأفكار والدوافع وطريقة التفكير لدي زوار ومستخدمي الإنترنت لتحديد الأهداف والخطط, أو أي هجوم محتمل يفكر به طرف ما, ومتابعة الخلافات الداخلية التي تدور بين الجماعات والأفراد, لمعرفة اتجاهات التفكير ومعرفة المعتدلين والمتطرفين. وأسس جهاز المخابرات الشاباك والشرطة في اسرائيل وحدة خاصة تدعي رام لمواجهة حملات الغزو الإلكتروني والدفاع عن المواقع الاستراتيجية وتم التقدم في مشروع حرب الانترنت وتطبيقات استخدامه في الصراع مع الاعداء. وهناك وحدة تدعي8200 تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية, متخصصة في حروب الإنترنت, والتي من المرجح ان تكون مسئولة عن هجوم فيروس ستاكس نت لاختراق البرنامج النووي في محطة بوشهر للطاقة, وحمل إشارة توراتية هي كلمة ميرتوس في اشارة ل إستير التي يشن فيها اليهود حربا استباقية علي الفرس لتدميرهم. وتوجد عناصر تجذب إسرائيل إلي استهداف ايران إلكترونيا خاصة المنشآت النووية التي تعتمد في عملها علي نظم المعلومات المتقدمة, وقيام اسرائيل بشن هجمات ستاكس نت في اطار حرب نفسية ضد إيران للضغط علي موقفها بشأن التفاوض في ملفها النووي, كما أن بعد المنشآت النووية وتوزيعها علي كامل الأراضي الإيرانية يجعل من الصعب ضربها مرة واحدة بنجاح, كما تم تدمير المفاعل النووي العراقي, وهناك مسألة الخوف لدي اسرائيل من ردة فعل ايران علي أي ضربة عسكرية لها قد تدفع الأخيرة لنقل الحرب لداخل اسرائيل, او بفتح جبهة جنوب لبنان مرة أخري, أو بقدرة إيران علي ضرب القوات الامريكية في الخليج, فضلا عن عدم رؤية اسرائيل حماسا قويا لدي الولاياتالمتحدة لعمل عسكري ضد ايران بعد العراق وأفغانستان, ورغبة إسرائيل في اختبار مدي قدرة ايران علي شن الحرب الالكترونية. صراع ممتد كانت مسألة القيام بعمل تدميري أو تخريبي ضد منشآت حيوية ترتبط في عملها بشبكات الاتصال والمعلومات قد شهدت مرحلة اخري بعد تعرض استونيا في عام2007 لهجمات إلكترونية استهدفت شل بنياتها المعلوماتية بعد خلافها مع روسيا, وتم استخدام تلك الهجمات أيضا ابان الحرب الجورجية الروسية عام2008, وقد مثل هذان الحدثان نقلة نوعية أبرزت دور هجمات الفضاء الالكتروني في الحرب لأول مرة في التاريخ, وهو الأمر الذي دفع العديد من دول العالم للخوف من إمكانية تعرضها لمثل تلك الهجمات وتوظيفها عسكريا. وكشفت هجمات ستاكس نت عن صراع جديد بين إيران واعدائها يتحول من التهديد باستخدام القوة العسكرية التقليدية لنمط جديد من الحرب التي تدور معاركها عبر شاشات وشبكات الكمبيوتر, وتدار من بعيد ومن مكان غير معلوم, وهو ما دفع العديد من الدول لجعل تلك الأخطار تدخل ضمن استراتيجية الأمن القومي لديها, وإدخال الحرب عبر الإنترنت والشبكات ضمن أفرع الجيوش الحديثة, كما اصبحت دول عديدة تسعي بشكل حثيث لحماية نظم معلوماتها من الاختراق والتجسس وتطوير أدائها في عملية الهجوم والدفاع الالكتروني.