طارق الشيخ مثل كل صباح.. جلست شيماء أمام جهاز الكمبيوتر للتواصل مع المعارف والأصدقاء عبر شبكة الإنترنت, بينما ذهب والدها لدفع فاتورة التليفون قبل التوجه الي البنك لسحب مبلغ من حسابه الشخصي تلبية لاحتياجات الأسرة وجلس شقيقها ليطلع علي اخبار كليته واستقبال احدث المحاضرات عبر بريده الإلكتروني.. وفجأة توقف كل شئ..فقد توقفت خدمة الإنترنت في المدينة نتيجة انتشار فيروس إلكتروني أدي لتعطل الخدمة. واذا كانت الحياة العملية لتلك الأسرة الصغيرة قد تأزمت نتيجة عطل محدود بخدمة الإنترنت, فإن الأمر يبدو أكثر خطورة ورعبا اذا تعلق الأمر بالمؤسسات والدول والأقاليم. فقد سادت حالة من القلق عندما اذيعت انباء عن تسلل فيروس ستاكس نت الي إيران وقيامه باقتفاء اثر برنامج خاص طورته شركة سيمنز الالمانية للتحكم في أنابيب ومنصات البترول البحرية ومحطات الكهرباء وغيرها من المنشآت الصناعية, وسط تكهنات بنجاح الفيروس في التسلل الي مفاعل بوشهر النووي الإيراني. وكان الجديد ان الفيروس لا يكتفي بشل نظام معلوماتي فقط بل يهدف الي تدمير المنشآت فعليا...وانه قد هاجم عددا من الدول هي ايران واندونيسيا والهند والولاياتالمتحدة واستراليا وبريطانيا وماليزيا وباكستان. وعلي الرغم من اكتشاف الفيروس في روسياالبيضاء منذ شهر يونيو الماضي, فإن نبأ هجوم الفيروس اذيع بكثافة عبر وسائل إعلام غربية في نهايات شهر سبتمبر متزامنا مع استعدادات كانت تجري لشحن قلب مفاعل بوشهر بالوقود النووي في اوائل شهر اكتوبر2010! واثار الدافع وراء تحديد ايران ومفاعلها كهدف رئيسي للفيروس بالإضافة للتكنولوجيا المتقدمة والمعقدة التي استخدمت في انتاجه وبثه داخل المنشآت الصناعية الي توجيه اصابع الاتهام لقوي خارجية. وردت ايران بالكشف عن حقائق جديدة فقد نشرت وكالة ارناالإيرانية تحليلا اكد ان ايران تتابع الفيروس ونشاطه منذ شهور سابقة علي الإعلان عنه وانه اصاب بالفعل اجهزة شخصية خاصة بالعاملين في المفاعل, ولكنه لم ينجح في تخريب المفاعل ذاته, وان الهدف من بث الفيروس لم يكن توجيه ضربة او إلحاق خساره ما بل كان يحاول تجميع معلومات حول الانظمة التي تتحكم بالنشاط الصناعي وارسال تلك المعلومات عبر الانترنت الي الجهات التي قامت بتصميمه وبثه..اي انه باختصار كان يقوم بمهمة تجسس صناعي. واكد الإيرانيون انهم اقتفوا اثر ما بثه الفيروس وحددوا الكمبيوتر المسئول عن استقبال ما يبثه الفيروس من معلومات وسربوا معلومات, مغلوطة للمهاجمين ونجحوا في جمع معلومات عن الجهات المعاديه التي تقوم بجمع المعلومات الا انهم لم يعلنوا عن هوية تلك الجهات..وعند شعور الجهة المعادية بوصول الإيرانيين تم وقف الكمبيوتر المخصص لاستقبال المعلومات من الفيروس وأعلن نبأ انتشار الفيروس في وسائل الإعلام العالمية! ويأتي هذا الحادث ليدق نواقيس الخطر في الشرق الأوسط علي وجه الخصوص وفي انحاء العالم بشكل عام. فأصابع الشك تشير الي ان اسرائيل وربما الولاياتالمتحدة تقفان وراء الهجوم الفيروسي وساعدت الرسائل الدعائية التي بثتها اسرائيل من تزايد تلك الشكوك بعد اشارتها في اوقات سابقة الي امكانية اللجوء للخيار الإلكتروني والحرب المعلوماتية عند مهاجمة ايران.وفي حال تعرض ايران لهجوم معلوماتي الكتروني فإن الرد المتوقع سيكون عبر الفضاء الإلكتروني ايضا وقد يكون باستخدام تكنولوجيات اقل تقدما من نظيرتها الأمريكية والإسرائيلية الا انها ستكون فعالة وستضر بالعديد من الأطراف في الفضاء الإلكتروني بغض النظر عن علاقتها بالأزمة القائمة. فالحروب المعلوماتية تشمل ما تتعرض له شبكات الكمبيوتر من هجمات يمكن وصفها بالعمليات التي تستهدف تعطيل أو حجب أو إفساد أو تدمير المعلومات المحفوظة علي أجهزة الكمبيوتر وشبكاته أو تدمير الأجهزة والشبكات في حد ذاتها. ومن حيث الأهداف يمكن تقسيمها نظريا الي عسكرية وتتعلق بضرب البنية المعلوماتية العسكرية للطرف المعادي, والأخري بالمدنية وتشمل ضرب أهداف مدنية ذات طبيعة حيوية مؤثرة مثل البنوك والبورصة والمستشفيات والإتصالات. فالحرب غير العسكرية عبر الفضاء الإلكتروني في الشرق الأوسط ليست بالأمر الجديد حيث عرفتها المنطقة منذ عرقلة عملية السلام خلال عامي1999 و2000 وشهدت تبادل الهجمات بين مستخدمي الكمبيوتر من العرب والإسرائيليين علي المواقع الشخصية ومواقع بعض المؤسسات الحيوية مثل موقع البرلمان ووزارة الخارجية الإسرائيلية ورد اسرائيليون بضرب مواقع عربية كان من بينها مواقع الحكومة العراقية ورد احد العراقيين بالتسلل عبر الكمبيوتر الي اذاعة الجيش الإسرائيلي. وزادت حدة الهجمات المتبادلة خلال الأعوام الأخيرة خاصة اثناء حرب لبنان2006 وحرب غزة وواقعة اعتراض اسرائيل لقافلة الإغاثة التركية لغزة عام2010, وهي المواجهة التي طالت الف موقع اسرائيلي غير حكومي. اما المرحلة الأخطر والتي لم تطبق حتي الآن علي نطاق واسع سوي في غزو العراق وبدرجة اقل في حرب لبنان فتتمثل في خطر انتقال الهجمات الي مرحلة ضرب المنشآت العسكرية والبترولية واستخدام فيروسات لتعطيل محطات توليد الطاقة وحركة الملاحة الجوية.. او محاولة تخريب مفاعل نووي وهو ما يعني تعرض أطراف المواجهة لآثار كارثية مدمرة فعلية تتجاوز الفضاء الإليكتروني الي المستوي الإقليمي الفعلي. ..وبعيدا عن كل هذا الخوف والرعب اجتمعت أسرة شيماء في المساء لاستعراض أحداث ذلك اليوم الذي بدا مزعجا..لا اتصالات ولا أموال ولا محاضرات وتأخر في دفع الفواتير..وماهي الا ساعات حتي عادت شبكة الإنترنت للخدمة وانطلق افراد الأسرة في سعادة لتعويض ما فاتهم.. ولم تكن تلك الأسرة الصغيرة وما شهدته من احداث سوي جزء من مجتمع اوسع في مدينة اكبر بدولة كاملة تقع في منطقة غير مستقرة.. منطقة الشرق الأوسط.