يا إلهي! ما هذه الروعة البصرية والإبداعية والثقافية.. مصر بعيون أهم فنان ينتمي إلي الفن الفيكتوري في القرن التاسع عشر. هذا رجل عشق مصر.. فبادلته عشقا.. فقدم روحه في لوحات تصور عظمة هذا البلد وثراءه وعمقه وحضارته. عمل بديع يحلق عقلي وإحساسي معه وأنا أقلبه صفحة صفحة مصر أمس.. واليوم رسومات تطبع علي الحجر مع يوميات للفنان البريطاني ديفيد روبرتس. هذا الفنان الذي كان لديه ولع خاص برسم الطبيعة, الذي ولد عام1796 في ستوك بريدج بالقرب من أدنبرة في بيئة بالغة التواضع, الذي قضي طفولته في فقر مدقع لم يمنعه من أن يطور وعيه بالفن. سافر عبر كل أرجاء أوروبا.. ذهب إلي المغرب.. بعدها كانت الرحلة العظيمة.. اتجه إلي مصر في سبتمبر..1838 زار سيناء, والبتراء, والقدسوفلسطين, وسواحل لبنان وبعلبك.. رسوماته التي أبدعها قام بطباعتها علي الحجر البلجيكي لوي هاج, وتمت طباعتها في لندن من خلال فرانسيس جراهام مون, وهو ما أدي إلي ذيوع صيت ديفيد روبرتس. هذا الكتاب يحتوي علي رسوماته لمصر والنوبة التي نشرت أول مرة بين عامي1846 و1849 التي تحتوي علي المعابد الفرعونية العظيمة ومساجد القاهرة العامرة. يبدأ الكتاب بافتتاحية تحتوي علي مشهد عظيم لوالي مصر محمد علي جالسا يحيط به وقوفا الكتبة ورجال الدولة والخدم.. هو يدخن الشيشة أو النارجيلة بالتعبير الشامي, ويجلس أمامه من بعيد ديفيد روبرتس واثنان من الأوروبيين في لقاء استغرق20 دقيقة رسمه روبرتس من الذاكرة, حيث لم يكن معه قلم أو كراسة للرسم.. لقاء رتبه يوم16 مايو1839 قنصل بريطانيا في القاهرة الكولونيل كامبل خلال رحلة العودة لروبرتس من بيروت. الفنان البريطاني لم يتوافر له المال الكافي لكي يقضي وقتا طويلا في مصر فخطط رحلته بحيث يقوم بها علي عجل, إذ كان يعلم أن رسوماته تتوقف عليها شهرته في بريطانيا وأوروبا, لذا بمجرد أن وطأت قدماه الإسكندرية اتجه فورا إلي القاهرة, ومنها مباشرة إلي أبو سمبل, أبحر في نهر النيل دون توقف اللهم إلا إذا كانت هناك ضرورة لذلك. حينما وصل إلي أبوسمبل تواصلت أنفاسه وهو يعمل إلي أن انتهي من رسوماته.. اتخذ طريق العودة في هدوء.. لذا لم يتوقف أبدا في أي مكان آخر.. وصل إلي القاهرة حيث أقام وقتا طويلا خصصه لرسم لوحاته العظيمة عن العمارة الإسلامية.. قضي هناك أسابيع أطول مما توقع.. وأعطي آثار مصر الإسلامية كل الاهتمام الذي منحه لمصر الفرعونية في أبوسمبل. كتب فابيو بوربون مقدمة مختصرة موجزة عن أعمال الفنان.. عن الرحلة.. عن كيفية تصنيف أعماله وتقديمها مرة أخري إلي القاريء. يبدأ الكتاب في فصله الأول بحياة الفنان تم أعماله ثم رحلاته.. فنان بالفطرة.. علم نفسه أصول الرسم.. لم يتلق توجيها إلا من مصمم ديكور مناكف.. عصبي وسلطوي, تم اقتراح اسمه علي عائلته ذات الأصول المتواضعة, وهو جافين بيوجو. في يوم من الأيام أعطي روبرتس جنيها لكي يدفعه بالنيابة عنه لأحد التجار, فقام برسم الجنيه طبق الأصل.. عثرت الأم علي الجنيه المزيف.. أصابها الرعب من أنها قد قامت بتربية لص إلي أن اكتشفت موهبته الأصيلة. قام روبرتس بعد ذلك برحلته التاريخية إلي مصر.. ذهب إلي أبو سمبل وعاد منها ومعه أكثر من100 لوحة.. في القاهرة التقي مع حنفي إسماعيل أفندي الذي اصطحبه في رحلته إلي القدس.. خلال أيام إقامته في القاهرة التقي اثنين من الرحالة الإنجليز هما جينز بيل, وجون كينيير, حيث خطط معهما للاتجاه إلي سيناء ومنها إلي البتراء وفلسطين. البتراء كانت تحيط بها هالة أسطورية بعد أن اكتشفها مستشرق سويسري هو يوهان لودفيج بركهارت.. وصل إلي الصخرة في6 مارس1839.. مكث هناك خمسة أيام في وقت كانت هناك حروب بين القبائل.. أنتج هناك14 لوحة ثم اتجه إلي فلسطين.. إلي القدس التي يرغب في رسم معالمها بشدة. تتوالي اللوحات العظيمة في الكتاب: ميناء الإسكندرية24 سبتمبر..1838 مشهد الميناء عقد لسانه عن الكلام.. هناك رأي ما لم يره في أي ميناء أوروبي.. كان مختلفا. مسلة كليوباترا في الإسكندرية: وهي واحدة من اثنتين عرفتا عند المصريين بهذا الاسم برغم أن تحتمس الثالث هو الذي أمر بتشييدهما أمام معبد آمون في هليوبوليس, حيث تم نقلهما بعد14 قرنا بأمر من أوغسطس لتزيين معبد تم تشييده في الإسكندرية تكريما ليوليوس قيصر. إحدي المسلتين التي رأهما ديفيد روبرتس في وقت زيارته تم نقلها إلي لندن, وتم نصبها في عام1869, أما المسلة الأخري فقد تم إهداؤها إلي الولاياتالمتحدة عام1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس هكذا أضاعت أسرة محمد علي آثار مصر الخالدة وبعثرتها في أرجاء المعمورة وتم نصب الثانية في سنترال بارك بنيويورك في22 يناير.1881 مشهد ساقية المياه القديمة في نكلا. بعد أن غادر قرية نكلا اتجه إلي الجيزة هو ورفاقه, حيث بدا منظر الأهرام وبعد عدة ساعات استقر المركب الذي استقلوه في ميناء بولاق بالقاهرة, بعد أن استقر في الفندق واتصل بالسفير البريطاني, بدأ زيارة المدينة حيث انبهر بمسجد السلطان حسن في الثالث من أكتوبر1838 اتجه إلي الأهرامات علي ظهر حمار من أول نظرة, ولم تبد الأهرامات ضخمة له, لكن حين اقترب هاله حجمها.. كان منبهرا أكثر بمنظر أبوالهول. مدخل مقبرة بني حسن. معبد دندرة ثم معبد الأقصر. اتجه روبرتس إلي معبد دندرة في19 أكتوبر وغادره في اليوم نفسه, توقف عن قرية القرنة.. استأجر بعض الحمير واتجه إلي البر الغربي.. خلال رحلة العودة عرض عليه بعض المصريين بعض المومياوات المحفوظة جيدا, وفي اليوم التالي اتجه إلي وادي الملوك. 9 نوفمبر1838 الوصول إلي معبد أبوسمبل الذي تم اكتشافه فقط من25 عاما في مارس1813 من خلال السويسري يوهان لودفيج بوركهارت, أما الإنجليزي ويليام جون بانكرز, والإيطالي جيوفاني فيناتي فحاولا دخول المعبد الصغير المهدي إلي هاتور والملكة نفرتاري عام1815, إلا أنهما لم يفلحا. أما القنصل دروفيتي جيوفاني باتيستا بيلزوني فقد نجح في دخول المعبد في الأول من أغسطس عام1817, وأتيحت الفرصة لروبرتس أن يرسم هذا الأثر العظيم. الكتاب رحلة مكثفة بالغة الإثارة لفنان بريطاني ارتبطت أعماله بمصر القرن التاسع عشر, وهو أحد أهم إصدارات دار نشر الجامعة الأمريكية أعد النص فابيو بوربون, وهو كاتب ذو خلفية كلاسيكية متخصص في تاريخ الحضارات. أما الصور فتعود إلي أنطونيو أتيني. صدرت أول طبعة من الكتاب في مصر العام الحالي.2010 [email protected]