تمر في هذه الأيام ذكري ميلاد عباس العقاد دون أن يتحرك أحد, لم يتذكره تلميذه الأول أنيس منصور الذي اعتدنا أن يذكر به, وبحثنا في كل شيء من حولنا لعله يذكرنا بعباس العقاد فلم نجد شيئا وكأن هذا الرجل ولد وعاش ثم مات في بلد آخر غير مصر. تذكرت بيت أديب فرنسا فيكتور هوجو صاحب قصة البؤساء, وتخيلت للحظة أن يكون العقاد فرنسيا, ربما لعرفوا أنه مؤلف106 كتب وليس فقط مؤلف قصة سارة بحسب الانكلوبيديا الفرنسية الشهيرة.. في هذا البيت أقصد فيكتور هوجو كان الناقد الراحل سامي خشبة يتحسر علي العقاد وطه حسين وأحمد لطفي السيد( أبو الليبرالية) الذي ولد في قرية برقين ولا يتذكره أحد, وكان يرحمه الله يجوس بين أوراق كتبها فيكتور هوجو بنفسه شاعر فرنسا العظيم وأوراق كتبها آخرون عنه.. ويحوقل وكأنه كان يتذكر نفسه, وأن أحدا ممن تعلم علي يديه يمكن أن يتذكره! وعندما ذهبت إلي أسوان مسقط رأس عباس العقاد لعلي أجد أحدا يتذكره هناك لم أجد. وعندما وجدت مكتبة عامة باسم العقاد انفرجت أساريري وظننت أني سأجد ضالتي, والتقيت بالسيدة زينب مدني مسئولة الثقافة في أسوان وسألتها عن العقاد ففتحت لي مكتبا كبيرا يوجد في ناحية منه سرير ودولاب وبعض بقايا من ملابس وحذاء أكل الزمن عليه وشرب! وقالت والحزن يعتصرها: هذا كل ما تركه أهل العقاد عن عملاق الأدب العربي!. أخذت أحملق في الفضاء من حولي وتذكرت الوعود التي قطعها محافظ أسوان الحالي علي نفسه والأمسيات التي لا تنتهي عن العقاد ومؤلفاته ال..106 كما تذكرت تمثاله الذي ينام قرير العين في حقل البرسيم وتألمت.. ثم سألت نفسي: لماذا نفعل ذلك مع قادة الفكر, ولماذا كل هذا العقوق لعباس العقاد؟ يعد محافظ أسوان ولا يفعل شيئا وعندما ذهبت إلي مقبرته لم أجده, وإنما وجدث جثمان الشيخ تيجاني الذي كان يتردد عليه. ما كل هذا النحس الذي يلازم عباس العقاد وأقرانه؟! عندما سألت في باريس صديقنا علي صاحب مكتبة المنار فوجدت مؤلفات سيد قطب, وأبي الأعلي المودودي,.. أما مؤلفات عباس العقاد وطه حسين وأقرانهما فتعلوهما الأتربة.. ولاشيء هناك غير الكتابات الاسلامية القديمة مثل مؤلفات أبو حامد الغزالي, وابن رشد.. أما المؤلفات التي شكلت وجدان كل المصريين والعرب مثل عبقريات العقاد فلا أحد يطبعها أو يعرضها في مكتبة من المكتبات! سألت عن عباس العقاد طلبة كلية الدراسات الاسلامية في مصر فأجابني أحدهم علي استحياء وقال: عباس العقاد هو الشارع الشهير الموجود في مدينة نصر! ثم لا شيء بعد ذلك.. في مصر تتحول قامة كبيرة مثل قامة عباس العقاد الي مجرد اسم شارع ما هذا الهراء! كنت في جامعة السوربون أعد أطروحة للدكتوراه عن عباس العقاد وأهديت نسخة من الرسالة الأطروحة إلي الناقد رجاء النقاش رحمه الله وبعد أن قرأ الاهداء وهو: إلي طه حسين فولتير مصر تفحصني مليا بعينيه ثم قال لي: لو كان عباس العقاد حيا لما جرؤ أحد أن يهدي اطروحة تحمل اسمه إلي طه حسين في اشارة للخلافات التي كانت قائمة بين ما كان يسمي بالطحاسنة وبين ما كان يسمي بالعقاديين. ولو كان رجاء النقاش حيا رحم الله الجميع لحدثته قائلا: إن العقوق الذي يمارسه العقاديون اليوم.. لهو أشد مضاضة علي النفس من وقع الحسام المهند!! تأتي ذكري الرجل وتنقضي دون أن يتحرك أحد.. لقد أشار الأديب جمال الغيطاني عافاه الله في( أخبار الأدب) إلي ما هو أكثر حزنا من ذلك, فالذكري الخامسة لعميد الرواية العربية( نجيب محفوظ) قد حلت دون أن يدري بها أحد وأضيف إلي ذلك ذكريات لعدد من قادة الفكر والرأي دون أن يتذكرهم أحد ويبدو أنهم يعرفون ذلك. فالسنبلاوين لا تذكر أم كلثوم, وقرية الحلوات لا تذكر عبدالحليم حافظ, هل صفة النسيان هذه هي التي جعلت الدكتور محمد صبري( السوربوني) يمزق حوارا كان أجراه معه الدكتور غالي شكري وقال له: لماذا هذا الحوار.. إن كل ما سيفعله الناس أنهم سينسونني قال ذلك الدكتور صبري السوربوني ثم زم شفتيه وراح في صمت عميق, السؤال الآن: لماذا تنسي مصر قادتها وقاماتها ولا يحتفي بهم أحد. في زمن العقاد وربما بعده بوقت قصير كان كتاب( عبقرية عمر) مقررا علي طلبة الثانوية لقد فعلت ذلك وزارة التربية والتعليم ربما خوفا من العقاد أو بطش تلاميذه( عندما كان له تلاميذ). إن مصر ياقوم تتفنن في تجاهل قاماتها الكبيرة وعباس العقاد خير مثال علي ذلك. فماذا نحن فاعلون؟! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي