عندما سألت طالبا جامعيا عن عباس العقاد لم يعرف عنه سوي أنه اسم شارع كبير بمدينة نصر! والمسئول عن هذه العورة الثقافية في التكوين العقلي لهذا الشاب هو نحن.. فالعقاد. ذلك الرجل الذي شغل الدنيا ردحا من الزمن لايذكره أحد, حتي تلاميذه وهم كثر قد صرخوا وصرخوا ثم أعياهم الصراخ وأحبطتهم النتيجة وانتشروا في الأرض لا يلوون علي شيء. ولست أدري لماذا نصر علي تجهيل الأجيال لهذا العقل الكبير الذي علم نفسه بنفسه وكان مثالا في العصامية وشرف الكلمة ولماذا نميز في التعامل حتي بعد الموت بين طه حسين وعباس العقاد؟ فالأول منزله تحول الي مركز ثقافي كبير يديره بنجاح صديقنا الاستاذ محمد نوار, بينما بيت العقاد بمصر الجديدة لا نعرف له أثرا, خصوصا بعد أن انفض الناس وانشغلوا بأمورهم الحياتية ومات من تلاميذ وأقارب العقاد من مات. وتمثال طه حسين يشق سماء مصر وتحديدا محافظة الجيزة التي عاش فيها, بينما تمثال العقاد وهو تمثال نصفي متواضع رفع من مكانه بجوار مبني الاذاعة والتليفزيون بمدينة أسوان وألقي به أرضا علي شاطيء النيل في مزارع لايعرف أحد عنوانا لها.. وبيت العقاد بمدينة أسوان تاه وسط الزحام وكتبنا أكثر من مرة, وكتب قبلنا تلميذه الأول الكاتب الكبير أنيس منصور صارخا ان العقاد لا يستحق منا كل هذا الإهمال لكن لا حياة لمن تنادي.. واشهد ان اللواء مصطفي السيد المحافظ الحالي كان قد وعدني هاتفيا بأن كل مظاهر هذا الإهمال لابد أن ترفع وأن يعاد الاعتبار لهذا العقل المصري الكبير في مدينته التي لقنته دروس الانفتاح والليبرالية والتسامح صغيرا, لكن يبدو أن كارثة السيول قد شغلت المحافظ وضاع العقاد مع ماضاع في السيول, واليوم تهب علينا ذكري العقاد في شهر مارس دون أن تتحرك وزارة الثقافة وكأن العقاد كان تاجرا أو نادلا ومن ثم فهو من رعايا وزارة التجارة والتموين وليس الثقافة.. هل هي لعنة الفراعنة قد اصابت هذا الرجل الذي لم يؤمن قط بالتشاؤم مذهبا فسكن في صحراء مصر الجديدة ولم يزعجه ان رقم منزله كان رقم13 الذي كان يتشاءم منه البعض, وأصر علي أن يضع ضمن مقتنياته الشخصية التي لاندري أين ذهبت الآن! تمثالا صغيرا لطائر البومة الذي يستطير منه الكثيرون.. قد لا تكون لعنة تلك التي اصابت العقاد بعد موته, لكن المؤكد ان أهماله الصارخ بهذه الطريقة هو سلوك غير حضاري يجب ان تبرأ منه مصر.