كتبت : مروي محمد إبراهيم عاشت الأرض الألمانية حرة, عاشت أوروبا في وحدة وحرية.. أجزاء من النشيد الوطني الألماني هتف بها المستشار الأسبق هيلموت كول في10 نوفمبر عام1989 مؤكدا أن سقوط حائط برلين ما هو إلا خطوة من أجل الوحدة والعدالة والحرية. وعلي الرغم من الدهشة التي سيطرت علي قادة أوروبا وربما الرفض أيضا-لم يكد يمر العام لتحتفل ألمانيا بشطريها بسقوط الستار الحديدي الفاصل بين جمهوريتي ألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطية في3 أكتوبر.1990 ليسجل التاريخ لكول أنه القوة الدافعة لتوحيد ألمانيا وربما قارة أوروبا أيضا. ولد كول عام1930 في ولاية راينلاند-بالاتيتيت الألمانية, حيث درس في جامعة فرانكفورت وعمل لفترة في مجال الصناعات الكيمياوية, قبل أن يقتحم الحياة السياسية وهو في ال29من عمره ليصعد بسرعة كبيرة بين مناصب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ, إلي أن نجح في قيادة الحزب عام.1973 ولكنه لم يكتف بذلك فقد ظل حلم السلطة وشغل منصب المستشار يراوده. وشارك في أول انتخابات عامة له عام1976, وعلي الرغم من هزيمته أمام منافسه آنذاك هلموت شميدت زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي إلا أنه نجح في الانضمام للبرلمان في جمهورية ألمانيا الفيدرالية. وتمكن كول أخيرا من الصعود للسلطة عام1983 إثر سقوط حكومة شميدت بعد فشلها في اقتراع بالثقة. وسارع المستشار الجديد لتشكيل تحالف مع الأحرار الديمقراطيين. واتسمت سياساته بالحرص علي إعلاء شأن الفرد والحد من تدخل الحكومة في شئونه, معربا عن ثقته في قدرة شعبه علي تحمل مسئولية مستقبله والتحكم فيه بنفسه. كما خفض ميزانية النفقات وحرص علي تقديم كل الدعم لحلف الأطلنطي. ولكن يبدو أن هذه السياسات فشلت في علاج أزمة البطالة مما أدي إلي تراجع شعبيته بشدة خلال حقبة الثمانينات, إلا أن التوحيد بين شطري ألمانيا كان الحافز وراء فوزه في انتخابات.1990 ولم يدم هذا التأثير طويلا, فقد كانت الأزمات الاقتصادية والأعباء المالية وراء هزيمته عام1998 لصالح جيرهارد شرودر زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي; ليتنحي بعدها أيضا عن زعامة المحافظين الألمان. ولكن كول تمكن منذ بداية صعوده للسلطة في تكريس كل جهده من أجل هدف واحد وهو توحيد ألمانيا, وطمأنة العالم الأوروبي وعلي رأسهم رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارجريت ثاتشر والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران- إلي أن ألمانياالجديدة ستعمل علي خير الجميع وأنه ليس هناك ما يستدعي الخوف من هذه القوة الجديدة. فقد كان طموحه يتجاوز حدود بلاده بكثير. واعتبر ألمانيا بمثابة حافز كيميائي فريد لوحدة القارة العجوز, والعمل من أجل خلق أوروبا قوية ومتماسكة. ليبدأ رسم مستقبل القارة بأكملها من خلال إبرام معاهدة ماستريخت عام1992 بالتعاون مع فرانسوا ميتران, ليضعا سويا أسس العملة الأوروبية الموحدة اليورو. ولكن هذا الحظ لم يدم طويلا. ليرتطم كول بصخرة النهاية بعد نحو16 عاما في الحكم, ليصبح بطل أسوأ فضيحة مالية تواجهها ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, حيث واجهته اتهامات بالحصول علي أكثر من مليوني مارك ألماني كتبرعات سرية للحزب في بداية التسعينات إلا أنه رفض بشدة الكشف عن أسماء المتبرعين, مما ألقي بحزبه في كارثة حقيقية ودفع كول للتخلي عن الرئاسة الشرفية للحزب. ولكن تم إسقاط الاتهامات بعد دفعه لغرامة مالية كبيرة. ولم تكن هذه آخر الأزمات في حياة كول, فقد انتحرت زوجته عام2001 بعد معاناتها لأعوام طويلة من الحساسية المفرطة للضوء, ليتزوج عام2005 من زوجته الحالية. وبعد حياة حافلة بالإنجازات يقبع كول حاليا بعد بلوغه سن ال80 في منزله علي ضفة نهر الراين عاجزا عن المشاركة في أي احتفالات عامة.