اللواء طيار: حسن فريد صقر اشترك في حرب أكتوبر.. وكان قائد سرب مقاتلات تتولى توفير الحماية لطائراتنا أثناء تنفيذ الهجوم على القواعد الإسرائيلية.. وأثناء رجوعها لقواعدها بالأراضى المصرية يطالب شعب مصر فى القطاع المدنى وبصفة خاصة شبابها ألا تكون ذكرى أكتوبر بالنسبة لهم مجرد احتفالات. وإنما يجب أن يستفيدوا من تلك الذكري بأهم الدروس التي تنفعهم في الحياة العملية.. وهي أهمية الإخلاص والتفاني في العمل من أجل تحقيق النجاح وقهر أي صعاب, وأن يكون هدفهم هو الوفاء والاخلاص من أجل تقدم بلدنا مصر. وهذا كان شعار الجيش المصري في حرب اكتوبر73 من أكبر قائد إلي أصغر جندي.. فهدفنا هو التضحية بأغلي ما نملك وهي النفس من أجل تحقيق النصر واستعادة الكرامة المصرية أمام العالم. استعادة الذكريات ويتذكر اللواء طيار حسن صقر الحياة التي كان يعيشها المصريون قبل حرب اكتوبر وفترة ما بعد67 وحرب الاستنزاف.. فلم تكن هناك أي امكانيات لتسهيل الحياة.. فلا توجد أماكن مريحة للنوم أو توفير الطعام بمستويات وأنواع معينة, ويؤكد قائلا: إن هذا لم يكن يشغل تفكيرنا.. ماذا نأكل أو نشرب, بل حتي وسائل المواصلات لم تكن مريحة ومتوافرة, كما الآن.. فقد كنا نركب الأتوبيسات العامة أثناء ذهابنا من منازلنا لوحداتنا العسكرية ونعاني مثل بقية المصريين, وهذا لم يضعف عزيمتنا أو يشغل بالنا, فقد كان تفكيرنا مشغول بشيء واحد فقط وهو التدريب الجاد الشاق حتي الأسرة لم تكن تشغل تفكيرنا.. هل احتياجاتهم متوافرة أو ينقصهم شيء ونحن كطيارين في ظل وجود اشتباكات مستمرة لم نكن نعرف.. هل سنعود لهم أم لا. حرب الاستنزاف.. والتحدي الحقيقي ويشير اللواء حسن صقر إلي أن نكسة67 كانت هي الوقود والحافز الرئيسي لجميع الطيارين خلال مرحلة حرب الاستنزاف والتي اعتبرناها فرصة حقيقية للاشتباك مع العدو لمعرفة امكانياته وقدراته والتدريب الراقي والشاق انتظارا للحظة الحاسمة التي نثأر فيها لبلدنا وشعبنا. فقد كانت هذه المرحلة بالنسبة لنا فرصة ثمينة للارتقاء بمستوي طيارينا وزيادة عددهم ورفع كفاءة سلاحنا الجوي, كما أن هذه الاشتباكات مع طائرات العدو خلق لنا كفاءات عالية وأعطانا صورة حقيقية عن مستوي السلاح الجوي للعدو, والذي كان يتباهي بقواته الجوية والتي يعتبرها قوة الردع الرئيسية له في أي معركة, وقد انعكس ذلك علي طيارينا, فكانوا يتنافسون ويتبارون للدخول في اشتباكات مع العدو لدرجة أننا عندما كنا نخرج في طلعات تدريبية كنا نتمني أن تقابلنا طائرات العدو والذي فوجئ بمستوي طيارينا الذين وصلوا لمرحلة الاحتراف في الاشتباكات الجوية. أكبر نزهة.. جوية ويسترجع اللواء حسن صقر ذكرياته عن دور القوات الجوية في اكتوبر73 فيؤكد أنها كانت نزهة جوية.. فهي كانت أسهل بكثير من الاشتباكات التي كنا نخوضها خلال حرب الاستنزاف والتي كانت لها الفضل في رفع روحنا المعنوية وثقتنا بأنفسنا بعدما تعرفنا علي قدرات العدو الجوية بشكل مباشر خاصة قدرات طياريه الذين كانوا لا يعتمدون في أي مواجهة خلال الاشتباكات. ويدل علي ذلك عودة جميع طيارينا الذين قاموا بالهجمة الجوية الأولي إلي قواعدهم بعد تنفيذهم كافة المهام التي كلفوا بها وأصابوا جميع الأهداف بدقة عالية. ويتذكر.. كيف كان سربه الجوي المكلف بأعمال الحماية الجوية لطائرتنا المقاتلة يراقب الأهداف ويرصد تدميرها.. وكيف كان يتحدث مع زملائه بسرب الحماية الجوية, وهم يؤمنون عودة مقاتلتنا ويتمنون ظهور الطائرات الإسرائيلية لدرجة أننا زعلنا بشدة أننا قمنا بعملنا في توفير الحماية الجوية لمقاتلاتنا بدقة عالية, ولكننا لم نشتبك مع أي طائرات إسرائيلية, فقد كنا نسعي بشدة للاشتباك معهم لاسقاطهم فوق مواقعهم, ولكن كان عزاؤنا هو فرحتنا بتدمير أهداف العدو في العمق بدقة شديدة. طائراتنا تحولت إلي( سيارة) جوية ويستكمل اللواء حسن صقر ذكرياته بأن النجاح الذي حققته قواتنا الجوية في اكتوبر73 يرجع لفكر قادتنا العظام الذين أثبتوا أن الفرد هو اساس أي معركة, فرغم تفوق العدو الكمي والكيفي في قواته الجوية, فإن تدريباتنا الشاقة والراقية استطاعت أن ترفع من قدرات جميع أفراد قواتنا الجوية, مما مكنا من تعويض أي فارق لصالح العدو.. فمثلا عند قيامنا بالهجمة الجوية.. جميع طيارينا نزلوا إلي أقل ارتفاع منخفض لتفادي جميع دفاعات العدو حتي وصلوا إلي حوالي عشرة أمتار, فأصبحت الطائرات وكأنها سيارات تطير في الجو رغم خطورة هذا الارتفاع, ولكنها نجحت في الوصول لأهدافها وتدميرها بمهارة عالية وبدون أن تحدث أي حادثة. وكما يعلم الجميع فقد كان مخطط لنا القيام بضربة جوية ثانية, ولكنها لم تحدث لأن الضربة الأولي حققت جميع أهدافها بدقة عالية, وهذا دليل علي مهارة طيارينا. ويؤكد اللواء حسن صقر الذي يعتبر من القلائل الذين تدربوا علي السلاح الشرقي والغربي إن من أهم الدروس المستفادة من اكتوبر73 هو أن أي سلاح لا قيمة له ما لم يكن وراءه فرد مؤمن ومقتنع بقضيته ومدرب تدريب عال وهو ما أحدث الفارق بين قواتنا وقوات العدو.. فمثلا قبل حرب أكتوبر كان كل جيش يعمل حسابا لقدرات الطرف الآخر ومستوي الطائرات وعددها ومهارة الطيارين والجميع يعرف تفوق السلاح الجوي الإسرائيلي الذي كان العدو يتباهي به ويصفه( باليد الطولي).. لإسرائيل, ولكننا عملنا علي مفاجأته من خلال زيادة عدد طائراتنا والتدريب الراقي لجميع أفراد قواتنا الجوية.. فمثلا تجهيز الطائرة علي الأرض المفروض أن يتم في خلال ساعة, ولكننا استطعنا أن ننزل بالزمن إلي عشر دقائق فقط, وهو ما أدي إلي تكرار الطلعات الجوية للطائرة الواحدة, فتقليل العامل الزمني جعلنا نبدو وكأننا ضاعفنا عدد طائراتنا, فبدلا من أن تقوم الطائرة بأربع طلعات في اليوم كنا نقوم بحوالي سبع أو تسع طلعات في حين أن العدو كان لا يستطيع أن يقوم بأكثر من طلعتين لأن طائراته كانت تمكث في الجو فترة أطول من طائراتنا, فكانت تقوم بالهجوم في هجمات جوية كالأمواج بما حقق لنا تفوق في عدد الطائرات وهو ما أربك حسابات العدو الذي فوجيء بأن أعداد طائراتنا فاقت كل ترتيباته الحسابية التي خطط لها قبل المعركة, وهو ما أدي إلي تغيير فكرة وتكتيكات خلال الحرب بعد أن كان يظن أنه سيكرر ما حدث في67 من خلال القيام بضربة جوية شاملة لجميع المطارات والطائرات وإخراج سلاحنا الجوي من المعركة. ولكن رجال القوات الجوية الحقوا بالعدو خسائر فادحة مما أجبره بعد15 اكتوبر علي تعديل خطط قواته الجوية التي تراجعت عن القيام بأي عمليات هجومية لقواتنا, وتحولت إلي الدفاع داخل منطقة الحدود الأمامية لقواته.