عايش بطولات القوات المسلحة من خلال عمله فى إدارة المخابرات الحربية، والتحق بفرع المعلومات وتخصص فى جمع المعلومات عن إسرائيل، كلفه اللواء عز الدين مختار نائب مدير المخابرات آنذاك بصياغة بيانات الحرب ومراعاة الدقة حتى لا تتكرر بيانات 67. إنه المحلل الاستراتيجى والكاتب الصحفى الكبير الاستاذ مرسى عطاالله رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس تحرير الأهرام المسائى السابق الذى كشف لنا أن اللواء طيار حسنى مبارك اشترك فى خطة الخداع المصرية يوم 5 أكتوبر بإعلانه السفر إلى ليبيا مع باقى قيادات القوات الجوية تفاصيل كثيرة فى الحوار التالى.. *فى البداية ماذا يوجد فى ذاكرة الكاتب الصحفى الكبير الاستاذ مرسى عطاالله عن حرب أكتوبر؟. **قبل الحديث عن حرب أكتوبر لابد من الرجوع بالذاكرة إلى أعقاب نكسة 67، والتى لفتت نظر القيادة العامة للقوات المسلحة إلى تجنيد المؤهلات العليا وبالتحديد ما دون الثلاثين لاستيعاب تكنولوجيا الأسلحة الحديثة والحرب الالكترونية القادمة، بهدف محاولة جادة لرد الاعتبار للعسكرية المصرية بعد هزيمة 67، فتم استدعاء كل حملة المؤهلات للانخراط فى سلك الجندية، ومن هنا فقد تم إلحاقى فى 68 بالقوات الجوية إدارة التوجيه المعنوى حتى ديسمبر 68 ثم جرى إلحاقى بإدارة المخابرات الحربية ولحسن الحظ عملت فى مكتب مدير المخابرات آنذاك الفريق محمد صادق، والذى أصبح فيما بعد وزيراً للحربية، ثم التحقت بفرع المعلومات لمتابعة ما يدور فى المجتمع الإسرائيلى، مما أعطانى فرصة الاطلاع عن قرب بما كان يغيب عنى، بالإضافة إلى تنمية ملكة الاستنباط والتحليل والإدراك السياسى، ولذلك سيظل فضل القوات المسلحة المصرية ديناً فى عنقى إلى آخر يوم فى حياتى. *هل توجد علاقة بين الاستاذ مرسى عطاالله وصياغة البيانات العسكرية فى حرب أكتوبر؟. **هذا السؤال له ذكريات جميلة ولا يمكن محوها من الذاكرة فمع أننى كنت بفرع المعلومات قسم إسرائيل بإدارة المخابرات الحربية، إلا أنه قد تم تكليفى بصفة مدنية فى أغسطس عام 1973 بالانتقال إلى مقر المتحدث العسكرى الرسمى فى المخابرات الحربية اللواء عز الدين مختار ومعنا العميد عبدالحميد شداد، حيث وضعنا آنذاك أسس وقواعد جديدة للمتحدث العسكرى الرسمى حتى لا يتكرر ما حدث فى 67. بدأنا بروفات البيانات العسكرية المتوقعة فى حالة هجوم الإسرائيليين على الجبهة المصرية، ورد القوات المسلحة المصرية عليهم، وتم عرض هذه البروفات على القيادات العليا، وبعد الموافقة عليها تم حفظها فى شكل مسودات فى خزانة حديدية بمقر المتحدث الرسمى حتى الساعة الواحدة من يوم 6 أكتوبر، بعدها تم فتح الخزينة إلى أن حانت ساعة الصفر حيث تمت إذاعة البيان الأول، والرد عليه بالبيان الثانى، ويتذكر الاستاذ مرسى عطاالله أن هذين البيانين لم يفتتحا ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، لأنهما كان عبارة عن مسودات محفوظة فى إدارة المخابرات وليست بيانات عسكرية نهائية. *ولكن كيف كانت تتم إذاعة البيان؟. **كنت على اتصال دائم مع الأستاذ طلعت خالد وكيل وزارة الإعلام آنذاك لتبليغ البيانات العسكرية بعد إعادتها من الجهات المختصة. *وهل التزمت الصحافة بالبيانات العسكرية؟. **وقعت وكالة أنباء الشرق الأوسط فى خطأ غير مقصود ونشرت خبراً كان من المفترض تسليمه لمطار القاهرة قالت فيه: من المتوقع رفع درجة الطوارئ والاستعداد لسفر الخبراء السوفيت، عندها صرح دايفيد إليعازر رئيس الأركان الإسرائيلى آنذاك بأن إسرائيل ستسحق كل من يفكر فى الهجوم عليها، وأنها تملك ذراعاً طويلة، وجيشاً لا يقهر. بعدها فوجئت باللواء عز الدين مختار يطلب منى إعداد رد لنفى ما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط، وخداع ديفيد إليعازر، وبعد كتابة الرد وعرضه واعتماده قابلت الاستاذ محمد حسنين هيكل لنشره فى عدد الجمعة، الموافق 5 أكتوبر خاصة أن النسخ الأولى من الأهرام كانت المخابرات الإسرائيلية تحصل عليها فى قبرص قبل وصولها القاهرة، وأكدت أن تصريحات ديفيد إليعازر غير صحيحة، ولا توجد أى نوايا للهجوم على إسرائيل، كما لايوجد تفكير لدى القيادة السياسية والعسكرية المصرية فى الدخول لحرب جديدة وكان ذلك الرد آخر لمسة فى خطة الخداع. ويضيف الاستاذ مرسى : كنت متابعاً جيداً لما يحدث فى قلب إسرائيل، وما يصدر عن قادتها وأتذكر أنه عندما أعلنا عن سقوط القنطرة شرق، وتدمير القوات الإسرائيلية، عن بكرة أبيها، نفى المتحدث الرسمى الإسرائيلى سقوطها فى أيدى القوات المسلحة المصرية، فقمنا بعرض القوات الإسرائيلية المدمر وسيطرة القوات المصرية عليها، وقلنا من خلال الإذاعة العبرية إن القيادات الإسرائيلية تضلل الشعب، وأن ما ذكره رئيس الأركان الإسرائيلى غير صحيح. *أستاذ مرسى.. ما الذى توقعته وحدث فى أكتوبر؟. **توقعت صمود المقاتل المصرى فى وجه آلة الحرب الإسرائيلية توقعت صموده فى كبريت، والقنطرة شرق، والمزرعة الصينية، وصبره 6 سنوات فى الخنادق وبسالة رجال القوات الخاصة خلف خطوط العدو، توقعت كفاءة ضباط الاتصال والاستطلاع وبراعة المخابرات الحربية فى فك الشفرات والرموز والتشويش الالكترونى والتحكم فى أجهزة القيادة والاتصال. توقعت هزيمة إسرائيل وتراجع دور (تسهال) المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فى ظل الغطرسة والوهم والتخبط الذى كان يعيش فيه قادة إسرائيل بعد حرب 67، توقعت بكاء ديان فى 8 أكتوبر وتساقط الفانتوم والسكاى هوك والمدرعات أمام صواريخ المشاة المصريين وهم يحملون الأربجيه والمولتيكا والستريلا، توقعت فشل مقياس ريختر فى رصد زلزال أكتوبر، كما توقعت كفاءة الطيار محمد حسنى مبارك فى إعادة بناء القوات الجوية وتعويض نقص الطيارين وإقلاع 240 طائرة من أكثر من 20 قاعدة وهجومها على أنظمة الصواريخ والرادارات فى أم مرجم وأم خشيب وكل سيناء فى وقت واحد، تأكدت من بطولة الطيارين المصريين فى الدفاع عن سماء الوطن والقدرة على المناورة والاشتباك والتفوق وقطع ذراع إسرائيل الطويلة، كما حدث يوم 14 أكتوبر فى معركة المنصورة.