شباب المصريين بالخارج مهنئا الأقباط: سنظل نسيجا واحدا في وجه أعداء الوطن    صوامع الشرقية تستقبل 423 ألف طن قمح    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة للإسماعيلية للعام المالي الحالي    الجيش الإسرائيلي يفرض حظر نشر على حادث كرم أبو سالم    أخبار الأهلي: موقف كولر من عودة محمد شريف    رونالدو: الهدف رقم 900؟ لا أركض وراء الأرقام القياسية ... 66 هاتريك أغلبها بعد سن الثلاثين، رونالدو يواصل إحراج ليونيل ميسي    «قطار الموت» ينهي حياة فتاة داخل مدينة ملاهي بأكتوبر    الجد الأعظم للمصريين، رحلة رمسيس الثاني من اكتشافه إلى وصوله للمتحف الكبير (فيديو)    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الاثنين 6-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    نتنياهو: إسرائيل لن توافق على مطالب حماس وسنواصل الحرب    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    روسيا تسيطر على بلدة أوتشيريتينو في دونيتسك بأوكرانيا    زعيم المعارضة البريطانية يدعو سوناك لإجراء انتخابات عامة عقب خسارة حزبه في الانتخابات المحلية    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 34 ألفًا و683 شخصًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    حمدي فتحي: مستمر مع الوكرة.. وأتمنى التتويج بالمزيد من البطولات    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    بين القبيلة والدولة الوطنية    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    «الداخلية» في خدمة «مُسِنّة» لاستخراج بطاقة الرقم القومي بمنزلها في الجيزة    التعليم: نتائج امتحانات صفوف النقل والاعدادية مسؤلية المدارس والمديريات    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    «سلامة الغذاء»: تصدير نحو 280 ألف طن من المنتجات الزراعية.. والبطاطس في الصدارة    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    «الإسكان» تنظم ورش عمل مكثفة للمديريات حول تطبيق التصالح بمخالفات البناء وتقنين أوضاعها    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث تعزيز التعاون مع ممثل «يونيسف في مصر» لتدريب الكوادر    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    "الرعاية الصحية" بأسوان تنظم يوما رياضيا للتوعية بقصور عضلة القلب    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    «التعليم»: المراجعات النهائية ل الإعدادية والثانوية تشهد إقبالا كبيرًا.. ومفاجآت «ليلة الامتحان»    «منتجي الدواجن»: انخفاضات جديدة في أسعار البيض أكتوبر المقبل    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    «الدفاع المدني الفلسطيني»: 120 شهيدا تحت الأنقاض في محيط مجمع الشفاء بغزة    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محمود البنا حكما لمباراة الزمالك وسموحة في الدوري    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارج دائرة الضوء
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 09 - 2010

الفوضي العارمة كلنا شركاء فيها‏..‏ الإصلاح الجذري يبدأ من المدرسة إن أردنا الإصلاح‏!‏ **‏ تركنا ظواهر كثيرة غريبة خطيرة ظهرت في المجتمع دون أن نتوقف أمامها أو حتي نستشعر خطورتها ظنا منا أن إهمالنا لها والإصرار علي نسيانها يعني رحيلها‏..‏ والحقيقة أنها لم ترحل وبقيت وكثرت ورسخت وقويت لدرجة جعلت المهمومين بهموم الوطن لا يعرفون يقينا حجم ما ينهش في جسد الوطن من أمراض اجتماعية واقتصادية ونفسية بل ورياضية‏...‏
مهمومون‏..‏ بظاهرة اختفاء الرحمة من القلوب وغياب التسامح عن العقول وتفشي حمي الانتقام ولذة الإيذاء وجميعها حولت علاقات البشر إلي صراع مادي هائل الكل فيه يضع يديه في جيوب الآخر سعيا لأكبر كسب بأي صورة دون أدني اعتبار لحقوق الآخرين‏...‏
فاصل صغير لأجل ملاحظة عابرة‏...‏
الفوضي العارمة التي نحن فيها نحن من صنعها لأننا نحن من أغفل ظواهرها في بداياتها‏...‏
لو أننا استشعرنا خطر التغير الحاد في فكر ومزاج مجتمع وصل فيه الحال لأن يكون قرار القتل أقرب وأسهل من إشعال سيجارة‏!.‏
مجتمع لم يعد يندهش أو يستغرب أو يمتعض أو حتي يرفض ما يحدث له ومعه وحوله نتيجة تدن أخلاقي أظن أنه لا يوجد علي الأرض ما هو أدني منه‏!.‏ مجتمع لم يعد له أي رد فعل تجاه كوارث لم نسمع عنها يوما مثل أن يقتل شاب والدته لأجل فلوس أو أن تقتل أم طفلها لأجل أن يخلو لها الجو للزواج‏!.‏ مجتمع تغيرت سلوكياته بصورة مفزعة‏!.‏
ذات يوم في هذا المجتمع الذي تدمرت أغلب سلوكياته تم بيع أكثر من خمسة ملايين شريط كاسيت لواحد ظهر في عالم الغناء قبل سبع أو ثماني سنوات والشريط الذي باع خمسة ملايين‏..‏ لا علاقة له بالفن الذي تسيدنا عرشه سنين طويلة‏!.‏ لا موسيقي ولا كلمات ولا أداء ولا أي شيء علي الإطلاق‏..‏ ورغم هذا اشتراه خمسة ملايين والرقم هائل في سوق الكاسيت وقتها‏..‏ والشريط يسمعه عشرة علي الأقل بما يعني أن‏50‏ مليونا سمعوا الشريط الذي اشتراه خمسة ملايين مواطن‏...‏
عندما يحدث هذا في البلد الذي أنجب فطاحل الشعراء والذي قدم أساطير فن الغناء وعظماء الموسيقي‏..‏ عندما تتوقف آذاننا وعقولنا وقلوبنا وعيوننا عن معرفة الفارق بين الطيب والغث‏..‏ وعندما يحدث هذا التحول الفجائي في الذوق العام لمجتمع‏..‏ كان لابد من دراسة عاجلة لظاهرة خطيرة تضرب الوطن‏..‏ دراسة يكلف بها علماء الاجتماع وعلماء التربية وعلماء النفس‏..‏ لأجل أن يعرفوا من الذي جعل ملايين يشترون شريطا لا علاقة له بالفن ليسمعوه‏...‏
بالتأكيد لو أننا نأخذ الأمور علي محمل الجد‏..‏ لعرفنا وقتها أن الواقعة ظاهرة خطيرة ولابد من دراستها لأجل أن يعرف علماؤنا الأسباب التي جعلت الشعب الذي خرج منه أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وناجي وشوقي وحسين السيد ومرسي جميل عزيز والأبنودي والموجي وبكر وبليغ وعظماء غيرهم كثيرون في الغناء وفي الشعر وفي الموسيقي‏...‏
يعرف علماء الاجتماع والنفس والتربية الأسباب التي جعلت نفس الشعب يتحول‏180‏ درجة عن الشعر وعن الموسيقي وعن الطرب‏...‏ وينجذب وينشغل بكل ما هو مسخ وتافه‏...‏
يكتشف علماء الاجتماع والتربية والنفس أن الإقبال علي الأعمال الهايفة‏..‏ ربما رفض لواقع أو انتقام من حاضر أو أن الذوق العام انحدر بشدة بالغة وأن الكلام الهايف والأداء النشاز والتخلف الموسيقي أصبح غاية المراد بالنسبة للذوق العام‏!‏
بالتأكيد لو أننا نفعل ما تفعله الأمم المتقدمة‏..‏ بأن نستشعر الخطر من أي ظاهرة سلبية تأخذ في الشيوع ما كان هذا حالنا‏!.‏
أمريكا وقت الرئيس كارتر لم تندهش ولاياتها عندما أطلق رئيسها مقولته الشهيرة‏:‏ أمة في خطر‏..‏ والخطر وقتها الذي رصدته الإدارة الأمريكية وأعلنه الرئيس‏..‏ هو نظام التعليم‏!.‏ نعم‏..‏ وجدوا أن المنهج التعليمي الذي يتلقاه الطالب الأمريكي يأخذ الأمة إلي منحني الخطر لأن الدراسات التي أجريت بالمقارنة لما هو موجود في دول العالم المتقدم‏..‏ أكدت أن هذا النظام التعليمي يتراجع بالنسبة لمعدلات التقدم وهذا يضع الأمة في خطر‏!.‏
إن كانت أمة أمريكا في خطر بسبب نظامها التعليمي‏..‏ يبقي عليه العوض ومنه العوض في أمتنا والله يرحمنا من‏50‏ سنة علي الأقل‏!‏
الأخطاء كثرت وتراكمت والظواهر السلبية انتشرت لأننا لم نحاول مرة أن نعرف سببا لمشكلة لأننا مهمومون بالتغطية علي المشكلة ومشغولون بإيجاد مخرج للمتسببين فيها وكل تفكيرنا محصور في إيجاد كبش فداء نذبحه لننهي الأزمة‏...‏
كل همنا تبرير الأخطاء وليس البحث عن أسباب الأخطاء والنتيجة الدائمة تكرار الأخطاء‏...‏
التبرير ضمن تكرار الأخطاء التي تحولت إلي خطايا وفي وجودها وشيوعها تتراجع القيم والمبادئ والأخلاق وتكمن وتخمد في الصدور أمام مد الأنامالية والفردية والمصالح الشخصية‏...‏
الشهامة والرجولة وجدعنة ولاد البلد السمة المميزة للمصريين‏..‏ اختفت بعدما أصبح كل واحد شعاره ولسان حاله‏:‏ أنا مالي‏...‏
الأنامالية التي تركناها تجتاح المجتمع طمست كل جميل داخلنا‏!.‏
زمان لو أي امرأة في شارع أو داخل بيت أو حتي فوق جبل‏..‏ لو أنها استغاثت‏..‏ فستجد في لحظتها من ينقذها حتي لو فقد عمره لأن هذه المرأة التي لا يعرفها يراها أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته‏..‏ والشهامة والمروءة والرجولة والجدعنة أن ينقذها ومستحيل أن يسمع استغاثتها ولا يغيثها‏...‏
تركنا السلبيات تكبر وتنمو وتتضخم إلي أن أصبحت القمامة مثلا تطاول هامتنا في مناطق كثيرة والسبب الأساسي نحن‏,‏ لأن كل واحد منا يعتقد أن أي مكان خارج نطاق شقته أو بيته أو قصره‏..‏ أي مكان بخلاف ما يملكه لا يعنيه‏..‏ شارعا كان أو حديقة أو مبني أو مترو أو طريقا‏..‏ أي مكان لا أمتلكه لا يعنيني‏..‏ مفهوم مدمر وظاهرة خطيرة لم تكن موجودة وقت كانت الأسرة مع المدرسة والمجتمع يشكلون فريقا يرسخ كل ما هو جميل في عقول وقلوب أطفالنا‏..‏ والكراسة المدرسية علي غلافها الأخير كل ما هو جميل علي شكل نصائح أو إرشادات تذكر ولا أقول تعلم‏...‏
تذكر أطفالنا بالسلوكيات الإيجابية وبالنظافة الشخصية والنظافة العامة والطفل الصغير من نعومة أظفاره وجد من يرشده وفي كل لحظة وفي كل مكان‏..‏ يذكره بأن نظافة الإنسان الشخصية مطلوبة ونظافة المكان مطلوبة والمكان هو البيت وهو الشارع وهو المدرسة وهو المستشفي وهو المتحف وهو السينما وهو كل مكان حولنا‏..‏ هذا المكان نظافته مسئوليتنا في المقام الأول وقبل مسئولية عامل النظافة‏..‏
مسئوليتنا بأن يكف كل واحد منا عن أذي هذا المكان‏..‏ بألا يرمي فيه شيئا ولا يدمر منه شيئا ولو كلنا لم نرم في الشوارع مخلفاتنا‏..‏ لأصبحت الشوارع نظيفة والمواصلات نظيفة وأماكن الخدمات نظيفة‏..‏ لأننا جميعا ببساطة‏..‏ كل واحد منا يقول دائما لنفسه إن الشارع مسئوليتي والمترو مسئوليتي والمستشفي العام أو الخاص الذي أذهب إليه مسئوليتي‏...‏
مسئوليتي أن أمتنع عن إيذاء المكان بالنظافة وحسن الاستخدام والرأفة في الاستخدام لأنني أملك هذا المكان‏...‏
تركنا الأخطاء الصغيرة تكبر والظواهر السلبية تنمو وتنتشر إلي أن أفلتت الأمور في مجالات كثيرة أظنها تحتاج الآن إلي جهود مخلصة كبيرة لأجل وقف المد الشيطاني المدمر وإيقافه إنجاز لابد منه لأنه أول خطوة علي طريق الإصلاح‏...‏
الأخطاء التي أخذتنا ووقعنا فيها كثيرة وأنا شخصيا لا أعرف تحديدا من أين نبدأ لأجل إصلاحها‏.‏
‏...‏ نبدأ من المدرسة الموجود فيها‏15‏ مليونا و‏200‏ ألف طالب وطالبة في التعليم قبل الجامعي‏...‏
المؤكد أنها أفضل بداية خاصة أننا نتسلم الصغار صفحة بيضاء في سن السادسة وبالإمكان تقويم ما يكون قد علق في عقول ووجدان هؤلاء الصغار من سلبيات‏!.‏ المؤكد أن المدرسة‏..‏ البداية الصحيحة في المكان الصحيح لأنه لا توجد في مصر هيئة أو مؤسسة أو أي شيء تحت يديه هذا العدد الهائل وأمام عينيه ملايين يعرف كل شيء عنها وهنا يظهر لنا أن المدرسة هي المؤسسة الأهم علي الإطلاق في بناء المواطن الصالح علميا وبدنيا وصحيا ونفسيا واجتماعيا وأخلاقيا وإن صلحت المدرسة انصلح حال أي بلد وليس بلدنا فقط‏...‏
المدرسة‏..‏ في كل الدنيا ونحن من هذه الدنيا حتي‏50‏ سنة مضت‏..‏ المدرسة تبني أساس المواطن الصالح بالوسائل التربوية التي هي في كل العالم المتقدم أهم من العملية التعليمية‏..‏ لأنه سهل جدا أن تكسب الطفل أي لغة وتعلمه الحساب والتاريخ والطبيعة والكيمياء‏..‏ سهل جدا ذلك‏..‏ ولكن‏!‏
صعب جدا ومهم جدا أن نعرف موهبة هذا الطفل لأنه هو أصلا لا يعرف أنه موهوب ولابد أن يمارس كل الأنشطة التربوية خلال مرحلة التعليم الأولي حتي نعرف ويعرف من الممارسة موهبته هذه في أي مجال‏..‏ لابد أن نصبر عليه لأن الله سبحانه وتعالي لم يحرم مخلوقا من سمة تميزه‏..‏ وعندما تعرف المدرسة ويعرف الطفل هو موهوب في ماذا‏..‏ وقتها تكون المدرسة أشبه بمن عثر علي كنز لأن الموهبة في أي مجال تفرق كثيرا وتبتعد بصاحبها كثيرا عمن لا يملكون موهبة في هذا المجال‏...‏
عندما تكتشف المدرسة المواهب الموجودة في أطفالنا الصغار‏..‏ تصبح العملية التعليمية ذات نفسها سهلة جدا علي الطفل وعلي المدرسة‏..‏ لأنه وجد نفسه في موهبته والمدرسة تربط بذكاء بين تفوقه في موهبته وتفوقه في التحصيل العلمي وهنا يصبح هذا الطفل متفوقا تعليميا ومتفوقا رياضيا إن كانت موهبته رياضية‏,‏ وموسيقية إن كانت في الموسيقي‏,‏ وفنية إن كانت في الرسم‏..‏ المهم أن الموهبة باتت نجاحا ومحرضا علي النجاح وهنا يأتي الدور التربوي للمدرسة في ترسيخ القيم والمبادئ والولاء والانتماء والنظام والالتزام‏..‏ وكل هذه السمات يتم طبعها في وجدان وعقول أطفالنا وشبابنا من خلال الأنشطة التربوية وليس بواسطة المناهج‏...‏
طابور الصباح الذي كان أهم من حصص اليوم كله‏..‏ هذا الطابور فيه يتم التعرف علي الانتماء‏..‏ يتعرف الطالب الصغير منذ نعومة أظفاره علي حب وطن والانتماء لوطن‏...‏
الوطن الذي لا يعرف الطفل شيئا عنه ولا حتي يعرف معني الكلمة‏..‏كلمة وطن‏..‏ هذا الوطن يتعرف عليه الطالب أول ما يتعرف من خلال العلم‏..‏ علم الوطن‏..‏ الذي يتم رفعه وسط حالة تنبه ويقظة واحترام وتقديس من أصغر طالب وحتي ناظر المدرسة‏...‏
هذا المشهد المهيب الذي تبدأ به المدرسة يومها‏..‏ يطبع في عقل الطالب وقلبه أول معني للانتماء‏..‏ الانتماء لوطن من خلال علم الوطن الذي لا يجرؤ مخلوق علي رمش جفنه أثناء رفع العلم أو تحية الوطن‏!.‏
الانتماء للوطن لا يتم تعليمه في حصة حساب أو حصة إنجليزي‏..‏ يتسلل إلينا ويدخل قلوبنا ويترسخ في عقولنا في النشاط ومن خلال النشاط التربوي‏...‏
والرياضة تعد النشاط التربوي الأهم ومن خلالها وحدها يمكن خلق المواطن الصالح القادر بدنيا وصحيا ونفسيا علي أفضل إنتاج وعلي حماية حدود وطن وعلي وجود مجتمع مستقر بعلاقات اجتماعية سوية بين أفراده‏...‏
الرياضة هي النشاط التربوي الوحيد الذي يتعلم منه الصغار أن الانتصار يتحقق بالحب والتعاون والاحترام وإنكار الذات‏...‏ ويتعلم التواضع عند الفوز والثقة عند الخسارة‏...‏ يتعلم أن الكبرياء والزهو عند الفوز يعميه عن معرفة أسباب النجاح ليمسك عليها‏...‏ يتعلم ألا ينهار عند الخسارة حتي يعرف أسباب الفشل لضمان عدم تكراره‏...‏
الرياضة هي النشاط التربوي الأهم لأنه ما من عضلة تقوي إلا بالنشاط البدني ولا ضمان لسلامة العمود الفقري إلا بالنشاط البدني ولا لياقة بدنية ولا لياقة صحية ولا لياقة نفسية ولا إحساس بالثقة إلا بالنشاط البدني‏.‏
معني الكلام أن المدرسة هي المؤسسة الأهم في بناء حاضر ومستقبل أي وطن‏..‏ وهذه المكانة المميزة الخطيرة للمدرسة جعلت دول العالم المتقدم تضع المدرسة في مقدمة وعلي رأس اهتماماتها‏..‏ ماديا ومعنويا وكل شيء‏!.‏
المدرسة هناك كيان خارج أي خلاف وعبث سياسي لأن حاضر ومستقبل وطن قائم علي المدرسة التي تبني المواطن الصالح بالأنشطة التربوية والمواد الدراسية‏..‏
طيب‏..‏ أين هي المدرسة المصرية من هذه الحدوتة؟‏.‏
أنا شخصيا لا أعرف أين وصل موقعها من هذه الأمور وإن كنت أدرك أن المدرسة المصرية فقدت دورها التربوي من نصف قرن تقريبا‏..‏ من يوم بدأت الحرب علي الأنشطة التربوية لأجل استئصالها من المدرسة في مصر‏...‏
وبالفعل قتلوها والمدرسة اقتصر دورها علي تعليم المواد الدراسية وبقي منهجها بدون تطوير وتقريبا هي المدرسة الوحيدة في العالم التي تقوم مناهجها ونحن في الألفية الثالثة علي الحفظ والتلقين والعالم كله من منتصف القرن الماضي نسف هذا الحفظ وذلك التلقين ومكانهما أصبح المنهج التعليمي قائما علي البحث والمعرفة‏...‏
وليس هذا فقط إنما امتد العبث ليطول أقدس مهنة‏...‏
نظرة الإجلال والاحترام والتبجيل التي عاشت سنين طويلة تحتضن وتحمي مهنة التدريس‏..‏ هذه النظرة تحولت إلي النقيض ومقولة من علمني حرفا صرت له عبدا اندهست والمعلم الذي انكتب فيه شعر يصفه بأنه كاد أن يكون رسولا‏..‏هذا المعلم استباحوا دمه‏..‏ وبين يوم وليلة أصبح المدرس هو الشخصية المضحكة التي يزنقونها في أي عمل سينمائي لأجل إضحاك الناس عليها‏...‏
استباحوا دم المعلم وبدلا من الحفاظ علي مكانه ومكانته وهيبته تركوه فريسة يتم نهش جسدها من السينما تارة ومن الإعلام أخري ومن نظرة دونية لمجتمع تحولت أفكاره‏..‏ وأصبح تقويمه للبشر علي أساس ما في جيبه من فلوس وليس ما في عقله من علم أو ما في مهنته من رسالة‏..‏
تركنا المدرس فريسة لكادر مادي مهين ومناهج كبيرة كثيرة متخلفة وأعداد بشرية من الطلبة لا حصر لها ولا احترام للمدرسة عندها وهذه الأعداد الغفيرة تدفع مصروفات قليلة للإبقاء علي شعار مجانية التعليم مرفوعا رغم موته من زمان‏..‏ ولو أن الطالب الذي يدفع حاليا‏40‏ جنيها مصروفات دفع مائة جنيه في السنة‏..‏ لجمعنا مليارات يمكن بها تعديل الرواتب المهينة وإصلاح الرواتب سيقلل إلي حد كبير الدروس الخصوصية التي هي باقية ما بقيت هذه الرواتب الهزيلة وتلك المناهج المتخلفة‏...‏
خلاصة القول إن المدرسة المصرية في محنة حقيقية من نصف قرن ومشكلاتها أكبر من أن تحل بين سنة وأخري وليس بين يوم وليلة‏...‏
مشكلاتها أكبر من نقل ناظر ومعاقبة مدير أو أن نحملها لوزير‏...‏
مشكلات المدرسة المصرية يمكن أن نتصدي لها ويمكن أن يبدأ إصلاحها‏..‏ إذا ما امتلكنا شجاعة الاعتراف بكل الخطايا الماضية وأعدنا النظر في كل القرارات التي أوصلتنا إلي ما نحن عليه‏...‏
ونحن نستقبل سنة دراسية جديدة‏..‏
كل الاحترام والتقدير للمدرسة المصرية علي صمودها‏..‏ وشهادة حق لها بأنها آخر من يحاسب علي حالها‏...‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية

[email protected]
المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.