جامعة قناة السويس تصنف من أفضل 6.5% جامعة عالميًا وفقًا لتصنيف CWUR 2024    التعليم تنظم فعالية "دور معلمة رياض الأطفال في رفع وعي طفل"    أسعار اللحوم البلدي والضاني اليوم الخميس 16-5-2024 في الأسواق ومحال الجزارة في المنيا    محافظ المنيا: توريد 225 ألف طن قمح إلى الصوامع منذ بداية موسم الحصاد    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    ميناء دمياط يستقبل سفينة على متنها 5 آلاف طن قمح قادمة من روسيا    «المشاط» تناقش مع «الأوروبي لإعادة الإعمار» آفاق الاستثمار الخاص ضمن برنامج «نُوَفّي»    «الصحة الفلسطينية»: ارتفاع عدد ضحايا العدوان على غزة إلى 35 ألف شهيد    بيان روسي صيني مشترك: الولايات المتحدة تضع أمن مجموعات ضيقة فوق الاستقرار الإقليمي    بوتين: نعتزم تقديم دعم فعال للجهود السياسية للشركاء العرب لحل تناقضات الشرق الأوسط    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    أوكرانيا تشن هجوما جديدا على مطار عسكري في القرم    أبو الغيط: نقدر مواقف جوتيريش الصلبة والواضحة خلال العدوان على غزة    كولر يحسم حيرة دفاع الأهلي أمام الترجي    أليجري يلمح إلى رحيله عن يوفنتوس    فريق وبديل.. الغيابات تعصف ب الاتحاد في مواجهة الخليج بدوري روشن    تراجع دور بيلينجهام في ريال مدريد بسبب مبابي    " أخر مسمار في نعشه".. تصريح صادم من ميدو عن حسام حسن    بطولة العالم للإسكواش 2024.. 3 مصريين يتأهلون لنصف النهائي    محافظ بني سويف يتابع ترتيبات عقد امتحان طلاب الشهادة الإعدادية قبل انطلاقها السبت المقبل    انتظار مبارك: قرب عيد الأضحى 2024 وتفاعل المسلمين    أزهرية الإسكندرية تنفي نشوب حريق بمبناها: النيران نشبت في زراعات بجوار المبنى    "حط إيده في التيشيرت".. سائق "دي دي" يحاول ممارسة الشذوذ مع طالب أثناء توصيله    ضبط عاطل انتحل صفة موظف في الكهرباء    وفاه الشيخ السيد الصواف قارئ الإذاعة المصرية.. وأسرة الراحل: الدفن والعزاء بمسقط رأسه    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    لهذا السبب.. ياسمين عبد العزيز تتصدر تريند "جوجل"    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان مشروع إنشاء مستشفى منفلوط المركزي    أمن المنافذ يحكم السيطرة لمكافحة الجريمة: وهذه أبرز الضبطيات في 24 ساع    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ منظومة النقل الذكى على الطرق السريعة (ITS)    التحقيق مع عاطل لحيازته مخدر الآيس في منشأة القناطر    التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في الارتقاء بتصنيف الجامعات والمراكز البحثية دوليًا    وزير الخارجية اليمني: هجمات الحوثيين لم تضر سوى باليمن وشعبه وأشقائهم العرب    رئيس جامعة قناة السويس يُكلف شريف فاروق بالعمل أمينًا عامًا    إطلاق التيار الكهربائي وتشغيل محطة الصرف الصحي بأراضي "بيت الوطن" بالقاهرة الجديدة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    القوات البحرية المصرية والبريطانية تنفذان التدريب البحري المشترك "مدافع الإسكندرية"    "الرعاية الصحية": حل 100% من شكاوى المنتفعين لأول مرة    الولايات المتحدة.. تراجع الوفيات بجرعات المخدرات الزائدة لأول مرة منذ جائحة كورونا    «مترو الأنفاق» يُعلن انتطام حركة القطارات بالخط الثاني    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    يسري نصر الله يحكي تاريخ السينما في مهرجان الفيمتو آرت الدولي الثالث للأفلام القصيرة    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    حالات الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر في قانون العمل الجديد    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    نجم الترجي السابق ل«أهل مصر»: الأهلي مع كولر اختلف عن الجيل الذهبي    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    بوتين يصل إلى الصين في "زيارة دولة" تمتد ليومين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدود الدفاع عن التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 09 - 2010

تري كيف قامت الجماعات الدينية في بلادنا بتنشئة أبنائها عبر تاريخنا المصري منذ الفتح العربي عبورا بسقوط الخلافة الاسلامية وكارثة يونيو‏1967‏ وماتلاها؟ وهل العنصر الثابت في تلك التنشئة هو رفض الآخر أم القبول بوجوده؟ وهل طرأ تغير جوهري علي أساليب تلك التنشئة في الحقبة الأخيرة؟ أم أن مايبدو لنا من تغيرات إيجابية أو سلبية لايعدو أن تكون نوعا من المواءمة لأحداث مستجدة فرضت ضروراتها؟
أعرف أن الاجابة عن تلك الأسئلة عبء ثقيل ينوء به كاهل الفرد ويحتاج الي عصبة من أولي العزم من العلماء الوطنيين المتخصصين في علوم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والاقتصاد‏,‏ فضلا عن المتخصصين في تاريخ الكنيسة والأزهر‏,‏ وقبل كل ذلك أن تتاح لتلك العصبة مفاتيح الملفات القديمة والجديدة التي يغلفها الصمت بحجة عدم فتح الجراح حرصا علي الوحدة الوطنية‏.‏
إنني أقرب الي الاعتقاد من خلال استقراء تاريخنا القديم والمعاصر‏,‏ أن الامل بعيد في تحقيق تلك الأمنية وأنه حتي اذا ماتوافرت تلك العصبة من أولي العزم‏,‏ فإن الأبواب ستظل مغلقة علي ملفات المعلومات‏,‏ ولقد فكرت حقيقة في إغلاق الملف ونفض يدي من تلك القضية‏,‏ لكني آثرت أن أكمل إبراء ذمتي بطرح تصور شخصي لمنهج الاجابة عن تلك التساؤلات أعرف يقينا أن محاولة الاقتراب من الموضوع دون توافر معلومات موثقة كافية يكون محفوفا بمخاطر الخطأ والتحيز‏,‏ ولكني أثرت المخاطرة بطرح مايمكن أن يكون ورقة خلفية قد تصلح كمدخل لخطة عمل تناقشها تلك العصبة من أولي العزم من العلماء الوطنيين المتخصصين اذا ماأذن المولي سبحانه وتعالي وهو القادر علي كل شيء بفتح الابواب المعلوماتية الموصدة‏.‏
تري هل المرء ملزم بالدفاع عن تاريخ جماعته التي ينتمي اليها وتنقية صفحتها مهما شهد ذلك التاريخ من مظالم؟ هل علينا لكي ندافع مثلا عن تاريخنا الفرعوني ونفخر به أن يقتصر حديثنا علي مايحفل به التاريخ الفرعوني من منجزات علمية وحضارية باهرة دون أن نشير الي تأليه أجدادنا لحكامهم وممارستهم للاستعباد وهل انتماؤنا للتاريخ الاسلامي أو المسيحي يفرض علينا ان نركز علي روحانية الدين وسمو القيم التي نادت بها الاديان وأن نطمس علي تلك الدماء التي سالت في معارك بين بشر يحملون رايات دينية ويزعمون ان قتالهم انما هو دفاع عن التفسير الصحيح للعقيدة ؟ بعبارة أخري هل ثمة مايبرر تنزيه بشر عن الخطأ بل والخطيئة؟
تشير الحقائق الموضوعية التاريخية إلي أنه يندر أن توجد جماعة بشرية لها تاريخ ممتد يخلو تاريخها من ممارسة الظلم وسفك الدماء وذلك بصرف النظر عن سمو ونقاء القيم الفكرية التي ترفع شعارتها تستوي في ذلك مذابح ستالين الشهيرة‏,‏ ومذابح الخمير الحمر في كمبوديا ومذابح العديد من الديكتاتوريات عبر التاريخ وماشهدته البشرية من حروب دامية تحمل أطهر الرايات الدينية الداعية للسلام والمحبة والتسامح‏.‏
لقد مارس المسلمون والمسيحيون كغيرهم من الجماعات عبر التاريخ العديد من المذابح سواء حيال المختلفين في المذهب أو في الدين او حتي حيال من يحيط الشك بسلامة عقيدتهم‏,‏ ولعلنا لسنا في حاجة للخوض تفصيلا في وقائع الفتنة الكبري أو عصر الشهداء أو وقائع محاكم التفتيش في العصور الوسطي‏,‏ أو حروب الفرنجة التي عرفت باسم الحروب الصليبية او حروب الثلاثين عاما‏.‏
لقد تفنن الجميع في ابتكار أساليب القتل والتعذيب من السيف الي دفن المرء حيا الي الحرق علي مرأي ومسمع من الناس الي الشواء في التنور الي قطع اليدين والرجلين واللسان والاذان وجدع الانف وسمل العينين والسلخ والكي‏,‏ وحرق الاقدام بالفحم المشتعل‏,‏ والتجويع التدريجي‏,‏ فضلا عن التمثيل بجثة المقتول‏.‏
المباديء إذن شيء وأفعال البشر شيء آخر‏,‏ فالبشر ليسوا أوفياء دائما لمبادئ دياناتهم وعقائدهم‏,‏ وتتباين الجماعات بعد ذلك ونتيجة لعوامل شتي من حيث موقفها مما يحمله تاريخها من مخاز أقدم عليها الاسلاف وأسلاف الأسلاف‏.‏ من الجماعات وأخشي أن نكون منهم من يحجم عن الاعتراف بتلك المخازي باعتباره يتيح الفرصة للأعداء لنهش الجماعة والتهجم عليها وإذلالها‏,‏ ومن ثم فلا سبيل سوي الانكار التام‏,‏ فاذا ماتعذر ذلك فلنلتمس الاعذار للطغاة والجلادين والظلمة والمعتدين مبررين ماأقدموا عليه من جرائم بأنهم كانوا مضطرين او لم يكونوا البادئين‏,‏ أو أنه لم يكن بد من وقوع تلك الجرائم التي تعد هينة اذا ماقورنت بما تحقق من انجازات حضارية وإنسانية كبري‏,‏ أو أن تلك الجرائم كانت سمة العصر ولم تكن مقصورة علي أسلافنا وحدهم‏.‏
ومن الجماعات من لايري بأسا في الاعتراف بما ارتكبه الاسلاف القدامي من جرائم‏,‏ معلنين للجميع أنهم براء من جرائمهم دون إنكار انتسابهم لهم‏.‏
لقد ارتكب اسلاف الامريكيين المعاصرين جرائم الإبادة العنصرية حيال السكان الاصليين وخاض الشماليون حربا ضروسا ضد الجنوبيين‏,‏ ومارس الجدود المباشرون وليس الاسلاف القدامي جريمة التمييز العنصري ضد السود‏,‏ ومارس جدود الالمان جرائم الابادة الجماعية‏,‏ ومارس اسلاف الاوروبيين‏,‏ كما اشرنا العديد من المذابح التي رفعت راية الصليب والتي مزقت اوروبا واشعلت أوار التعصب الديني والقومي‏,‏ لم يتنكر أي من هؤلاء لتاريخه ولم ينكره‏,‏ ولم يسع لتبريره بل صارحوا أنفسهم قبل غيرهم بما ارتكبه اجدادهم واسلافهم وأسلاف الاسلاف من مخاز وتبرأوا بملء أفواههم من تلك المخازي وكان إنجاز تلك المصارحة شرط ضروري للوصول الي ماتحقق من مصالحة مع النفس ومع الآخرين وعلي اساس من هذه المصالحة تضاءل الاحساس بالتهديد وأمكن بناء الثقة المتبادلة بين المواطنين واستطاعوا بناء الوحدة الوطنية دون خوف من تذويب او ابتلاع‏.‏
تري لماذا تباينت مواقف الجماعات من حدود الدفاع عن التاريخ؟ لا يتسع المقام لتفصيل‏,‏ ولكن أيا كانت الاجابة فإنه لابد لنا قبل الحديث عن الوحدة الوطنية أن ننجز مصارحة تاريخية متبادلة تكون بداية لمصالحة توحد الجميع في ظل دولة مدنية حقيقية‏.‏

المزيد من مقالات د. قدري حفني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.