أسعار الدواجن اليوم الأحد 26 مايو    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 26-5-2024 في البنوك    ترامب يجدد وعوده بوقف النزاع في أوكرانيا    الدفاعات الروسية تسقط 7 مسيرات أوكرانية في مقاطعة كورسك    "سيب غيرك ياكل يا اهلي".. أستون فيلا يهنئ المادر الأحمر على طريقته الخاصة    «الأرصاد»: طقس الأحد شديد الحرارة نهارا.. والعظمى بالقاهرة 36 درجة    طلاب الدبلومات الفنية يبدأون امتحان اللغة الإنجليزية باليوم الثاني    سر تصدر أحمد العوضي للتريند.. تفاصيل    سعر الدولار أمام الجنيه في تعاملات اليوم الأحد 26-5-2024 بالبنك المركزي بعد تثبيت الفائدة    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    تطورات جديدة في قضية سفاح التجمع، العثور على مقاطع مع سيدات أخرى، وفحص بلاغات التغيب والجثث المجهولة    اليوم.. النطق بالحكم في طعن زوج المذيعة أميرة شنب على حبسه    اليوم.. محاكمة المتهم بإنهاء حياة موظفة لسرقتها فى حدائق القبة    شروط وضوابط جديدة للحصول على شقق الإسكان الاجتماعي.. تفاصيل تحديث قواعد برنامج "سكن لكل المصريين"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 26-5-2024    أدعية الطواف السبعة حول الكعبة وحكم مس البيت.. «الإفتاء» توضح    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 26 مايو    متى تنتهي خطة تخفيف الأحمال؟ وزير المالية حسم الأمر    وزير الرياضة: جمهور الأهلي والزمالك هم الأبطال.. واعتذر عن شكل التنظيم بالنهائي    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    نقع الأرز ل4 ساعات يخفض مستويات السكر في الدم    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    عاجل.. زلزال بقوة 6،3 درجات يضرب جزر فانواتو    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني عبر موقع بوابة التعليم الاساسي    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    وزير البترول: وزارة الكهرباء تتخلف عن سداد فواتير الوقود ب 120 مليار سنويا    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    واجب وطني.. ميدو يطالب الأهلي بترك محمد الشناوي للزمالك    المقاولون العرب يهنئ الأهلي على فوزه بدوري أبطال أفريقيا    "هرب من الكاميرات".. ماذا فعل محمود الخطيب عقب تتويج الأهلي بدروي أبطال إفريقيا (بالصور)    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الدلو    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    وزير الرياضة ل"قصواء": اعتذرنا عما حدث فى تنظيم نهائى الكونفدرالية    سلوى عثمان تنهار بالبكاء: «لحظة بشعة إنك تشوف أبوك وهو بيموت»    رابطة النقاد الرياضيين تُثمن تصريحات الشناوي بتأكيد احترامه للصحافة المصرية    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    غدًا.. نتائج صفوف النقل عبر الموقع الإلكتروني ب«تعليم الجيزة»    نيابة مركز الفيوم تصرح بدفن جثة الطفلة حبيبة قتلها أبيها انتقاماً من والدتها بالفيوم    مشابهًا لكوكبنا.. كوكب Gliese 12 b قد يكون صالحا للحياة    حزب المصريين: الرئيس السيسي يتبع الشفافية التامة منذ توليه السلطة    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث.. وما يجب فعله للوقاية    العلاقة المشتركة بين سرطان الرئة وتعاطي التبغ    ياسر عبدالعزيز: الخوف هو السبب الرئيسي في إخفاق الإعلام الغربي مؤخرا    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    بيرسي تاو يُهادي جماهير الأهلي بعد التتويج بدوري أبطال أفريقيا (فيديو)    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي «طنطا» و«مدينة السادات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية سد‏..‏ وحكاية شعب

لم يكن صباح يوم السبت‏(‏ التاسع من يناير الحالي‏)‏ صباحا عاديا‏,‏ بل كان‏,‏ عن حق‏,‏ صباح عزة وحرية وكرامة‏,‏ في هذا اليوم كنا‏,‏ وجمع غفير من شيوخ وشباب وفتيان من أغلب محافظات مصر. نقف باحترام وإجلال أمام حسد مصر العالي الذي كان قد أتم في هذا اليوم عيده الخمسيني‏,‏ وكانت المفاجأة أننا وجدناه‏,‏ بعد كل هذه السنين‏,‏ كما وصفه المهندس إبراهيم أبو زيد رئيس هيئة السد العالي‏,‏ وكما تحدث عنه منذ أيام قليلة‏:‏ السد العالي ليس له عمر افتراضي فكل الأرصاد والمتابعات الدورية التي تدرس تأثير عوامل الزمن عليه منذ إنشائه وحتي الآن تؤكد أنه بني كما لو كان بالأمس‏,‏ وأنه في كامل قوته‏.‏
ما رأيته من حال السد وكل ما حوله من الجسم الهائل للسد وللأنفاق والبوابات والتوربينات والبحيرة‏,‏ وما قرأته من توصيف لحال السد الآن من الرجل المسئول عنه بقدر ما أسعدني وأعاد تجديد مشاعر عزة وحرية وكرامة عاشها جيلي مع كل يوم من معارك السد منذ إعلان مشروعه حتي إتمام إنشاءاته‏,‏ بقدر ما وضعني وجها لوجه أمام معادلة ملحمة تحدي بناء السد وبالتحديد طرفي هذه المعادلة‏:‏ السد وبناة السد‏.‏
فإذا كان السد معجزة‏,‏ واعترف العالم‏,‏ عن جدارة‏,‏ بأنه مشروع القرن العشرين‏,‏ أي أهم المشروعات التنموية التي شهدها القرن العشرون‏,‏ فإن بناة السد هم أيضا معجزة‏,‏ لأنهم من شيد معجزة السد‏,‏ ومن خاضوا معاركه‏,‏ ولذلك فرض السؤال التالي نفسه‏:‏ إذا كان حال السد العالي الآن يؤكد أنه كما لو كان بني بالأمس وأنه في كامل قوته‏,‏ فهل بناة السد هم أيضا علي حالهم الذي كانوا عليه يوم أن خاضوا معاركه وواجهوا تحدياته‏,‏ مازالوا هم أيضا في كامل فتوتهم وقوتهم وقدرتهم علي التحدي وتحمل مصاعبه ومخاطره‏,‏ هل مازالوا علي جدارتهم ومكانتهم التي كانوا عليها يوم أن خاطبوا العالم كله بصوت رجل واحد‏,‏ ورفضوا كل الضغوط‏,‏ وخاضوا المعارك التي فرضت عليهم وقالوا حنبني السد‏,‏ أم ماذا حل بهم وماذا جري لهم وماذا أصابهم؟
السؤال كان قد فرض نفسه علي الندوة التي عقدت بنادي المحامين في أسوان ليلة التاسع من يناير الحالي ضمن احتفالات العيد الخمسيني للسد‏,‏ والاحتفاء ببناة السد وتكريمهم‏,‏ ولكنه طرح بشكل آخر علي هامش حوار أكثر تشويقا حول السد وأسطورته وحكايته وحكاية شعبه وأيهما أولي بأن يكون الحكاية هل السد هو الحكاية أم الشعب الذي بني السد هو الحكاية؟
إن من يتعرف علي السد كسد سوف يصل إلي يقين بأنه أسطورة وليس فقط حكاية‏,‏ فهو بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني يتجاوز حجمه ثلاثة أهرامات مثل هرم خوفو‏,‏ طوله عند القمة‏3820‏ مترا‏,‏ وأقصي ارتفاع له‏111‏ مترا‏,‏ وعرض قاعدته‏980‏ مترا‏,‏ أما عرضه عند قمته التي هي طريق السد فهو‏40‏ مترا‏,‏ أي أنه هو الآخر يأخذ شكل الهرم‏,‏ أو هو مجموعة أهرامات متلاصقة‏.‏ أما بحيرة ناصر‏(‏ بحيرة السد‏)‏ فتصل سعتها إلي‏164‏ مليار متر مكعب‏,‏ ويوجد بالسد ستة أنفاق لتمرير المياه والتحكم فيها‏,‏ أما عدد الوحدات الكهربائية‏(‏ التوربينات‏)‏ فيصل إلي‏12‏ وحدة قوة كل وحدة‏175000‏ كيلووات‏.‏
هذا السد الضخم والعالي بلغت تكلفته الاجمالية وقت التنفيذ‏400‏ مليون جنيه ولو أردنا بناءه اليوم وسيتكلف‏18‏ مليار جنيه‏(‏ حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي‏),‏ أي أن هذا السد العالي الذي أصبح معجزة القرن العشرين لم يكلف مصر أكثر من تكلفة بناء عدد محدد جدا من القري السياحية في الساحل الشمالي التي يزورها أصحابها شهرا أو شهرين علي مدي السنة‏.‏
قد يصعب علي غير المتخصصين أن يستفيض في الحديث عن معجزة السد في بنائه وفي تأمينه‏,‏ وفي فوائده‏,‏ تلك المعجزة التي تجعلها حكاية في ذاته‏,‏ لكن حتما ستبقي الحكاية ناقصة دون الوعي بالنصف الآخر للمعادلة أي حكاية الكفاح اللي ورا السد و حكاية الشعب اللي بني السد حكايتنا احنا‏,‏ احنا المصريين الذين بنينا السد والذين حفرنا قناة السويس‏,‏ والذين أممنا القناة‏,‏ ودافعنا عنها بدمائنا وأرواحنا كي نبني السد ليس فقط من أجل استخلاص مليون أو مليوني فدان من براثن الصحراء‏,‏ ولا لمجرد الحصول علي‏10‏ ملايين كيلووات من الكهرباء فحسب‏,‏ رغم الأهمية القصوي لهذا أو ذاك‏,‏ ولكن أيضا‏,‏ وهذا هو الأهم‏,‏ أن نبني سد العزة والحرية والكرامة‏,‏ من أجل أن نبني الأمل‏.‏
هذا هو المعني الذي أراد الزعيم جمال عبد الناصر أن يؤكده في خطابه الذي ألقاه في أسوان بمناسبة البدء في بناء السد العالي يوم‏9‏ يناير‏1960‏ بقوله‏:‏ إن الأهداف أيها الأخوة التي لا تحققها العزة والكرامة‏,‏ لا تساوي عناء الكفاح من أجلها‏,‏ فإن الطريق الذي نسلكه في غايتنا يجب أن يتناسب في جلاله مع هذه الغايات‏.‏ ولقد كان أعظم ما عزمه شعبنا العربي علي النجاح‏..‏ عزمه أن أختار أصعب الطرق‏,‏ لا لأنه أصعب الطرق‏,‏ ولكن لأنه أشرفها‏,‏ وأكثر استقامة‏,‏ وأكثرها اتساقا مع الهدف الذي نسعي إليه‏.‏ قيمته الكبري انه إرادة حررها أصحابها‏,‏ ثم كرموها‏,‏ ثم صمموا علي أن يسيروا في طريقها‏,‏ ثم صمموا علي أن يجعلوا هذه الحرية عاملة‏..‏ مستمرة‏,‏ وإنما توجهوا بها وتوجهت بهم ليكتبوا أروع صفحات في تاريخ كفاحهم‏,‏ يواجهوا عهد البناء ليعيدوا صنع حياتهم علي أساس يرتضونه بعد أن ظلوا طويلا في حياة فرضت عليهم فرضا من السيطرة الداخلية والسيطرة الخارجية‏.‏
عندما قال جمال عبد الناصر ذلك وأكده كان يضع المعالم الأساسية لأصل حكاية السد وحكاية الكفاح اللي ورا السد منذ أن قررت قيادة الثورة بناء السد ضمن مشروعاتها لتنمية مصر زراعيا وصناعيا‏,‏ وحتي إتمام بناء السد والمعارك الضارية التي خاضتها من أجل بنائه‏,‏ ابتداء من استرضاء الغرب للحصول علي دعمه للمشروع وتمويله‏,‏ إلي سحب الغرب وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي للإنشاء والتعمير عرض تمويل السد عقابا لمصر التي رفضت أن تنخرط في سياسة الأحلاف وأن تنجر إلي مشروعات التفاهم مع إسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه‏,‏ وردا علي توقيع مصر أول اتفاقية لكسر احتكار السلاح مع الاتحاد السوفيتي بعد الرفض الأمريكي لتسليح الجيش المصري ليكون مستعدا للرد علي الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية بعد الاعتداء الاسرائيلي علي قطاع غزة عام‏1955.‏
لقد كان قرار سحب تمويل بناء السد العالي أحد الحوافز المهمة لتؤمم مصر قناة السويس في‏26‏ يوليو عام‏1956,‏ وبعدها جاء العدوان الثلاثي‏(‏ البريطاني الفرنسي الاسرائيلي‏)‏ المخطط أمريكيا لاستعادة القناة ومعاقبة مصر علي تجرئها ضد السادة الكبار‏,‏ لكن الشعب المصري صمد ودافع عن قناته واستشهد الآلاف من أجل استعادتها كما استشهد مئات الآلاف في حفرها‏,‏ وليبني سد العزة والحرية والكرامة بسواعد عشرات الآلاف من الفلاحين والعمال والمهندسين والخبراء الذين استشهد المئات وربما الآلاف منهم خلال سنوات بناء السد ليكون شاهدا علي ملحمة شعب وقصة كفاح أمة ورمزا لإرادة صلبة من نوع نسيج هذا الشعب‏.‏
تحية إلي هذا الشعب‏..‏ إلي فلاحيه وعماله‏..‏ وكل بنائيه الشرفاء‏..‏ وإلي سدهم العالي الخالد بخلودهم‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.