رحم الله شاعر العربية الفحل أبا الطيب المتنبي, فقد أثار في داليته العصماء هذا الاستفهام, بمناسبة العيد في جو مشحون بالأماني المتناقضة إلا أمانيه في أن تكون له إمارة سياسية كإمارته للشعر فقال. عيد بأية حال عدت ياعيد.. بما مضي أم لأمر فيك تجديد وأعتقد أن كل إنسان واع بالحياة وحقائق الوجود يختزن في نفسه مثل هذا الاستفهام فليس نمط الحياة الجامد إلا نوعا من الموت الرخيص, وهو في ذاته يتناقض مع الدلالة اللغوية لمفهوم الحياة. من ثم كان التجدد وتغير الأحوال الي الأحسن دليلا علي نشاط الانسان وحيويته وتحقيقا لمعني إنسانيته وإلا كان صنو الجمادات التي لاحياة فيها ولاروح ومنازع التجديد عند الانسان الحيوي تأخذ أشكالا متفاوتة يظهر منها شكلان واضحان أولهما: يؤكد ذاتية الناشط وأنانيته بحيث لاترتوي حيويته ولاتتغذي إلا علي حساب الأخرين, وهذا النوع من البشر مخالف لطبيعته السوية, لأن الانسان مدني بطبعه كما هو معروف. وثانيهما: يؤكد فاعلية الانسان كعضو في جماعة, تشاركه المعني الانساني النبيل لحياة البشر, فيعمل علي تقدمه ورقيه, ويزاول نشاطه كأن الانسانية كلها قد اجتمعت فيه, أو كأنه مسئول عنها جميعها. ولايتوافر هذا إلا لذوي العزائم القوية والنزعات السوية. والشكل الأول من الشكلين الآنفين يحدوه غرور كاذب بأنه وحده صانع حياته, مستقلا عن أي مدد خارجي, وبالضرورة يعبر عن منطقه بما قاله قارون عن أمواله إنما أوتيته علي علم عندي, والنتيجة المترتبة علي هذا الموقف الشاذ هو اقصاء جميع التصورات الأخري المتعلقة بحقائق الحياة وطبيعة الوجود. والدين حين يسوق هذا النموذج من البشر إنما يستنهض العقول والألباب كي تقيس وتجتهد حتي تتوافر علي العلة التي من أجلها سيقت قصة هؤلاء. من ثم نري عاقبة قارون الخسف به وبداره, ولم تكن له فئة تنصره من دون الله, كما كانت عاقبة فرعون الغرق. وإذا كان الشر كله قد استجمع أطرافه في الغرور والطغيان كما رأينا, فإن سنة الله تعالي في الحياة لاتتبدل ولاتتخلف, ومشاهد نهاية هذين الرجلين في القرآن الكريم ينبغي أن تقرأ بتدبر لكل من يريد أن يظل محتفظا بانسانيته. وأما الشكل الثاني وهو يمثل الصورة الصحيحة للانسان الصحيح, فهو النموذج الذي انطوي علي عقل راجح وإرادة قوية وعزيمة ماضية, فلم يستوقفه من الحياة أشكالها وزخارفها ولكنه نفذ الي صميمها فأدرك دوره في الوجود وقدره في الحياة وبين هذين الشكلين نري أشكالا أخري تتفاوت قربا وبعدا من أيهما ليتأكد لنا جميعا أن الحياة الحقيقية هي التي تتسم بالتجديد والتغيير, لأنها لاتعدو أن تكون نهرا له منبع ومصب, وأما أمتي الاسلامية التي أضناها صقيع الجمود وأشقاها الخلاف فحسبها أنها تصنف الآن ضمن دول العالمالثالث المتخلف علي الرغم من أنها تملك الكثير من المقومات المادية المتجلية فيما يستقر في أرضها من بترول ومعادن الخ وليست أن أساس قوتها هو تلك العقيدة الرابطة الجامعة التي غزت القلوب والعقول والأفئدة في أول أمرها فهوت إليها وأشربت حبها فصنعت منها خير أمة أخرجت للناس. وأما بلادي مصر فمازلت أومن بأن دورها الطليعي في قيادة أمتها هو موجود ولكن بشكل كامن, في ضمائر وعقول المخلصين من أبنائها, ويوم تتوافر المناسبات الكافية فإن المكنون سيظهر, وكأن الذي قال: أري تحت الرماد وميض نار, يتحدث عنا. وفي نهاية حديثي بهذه المناسبة أزعم أن العيد السعيد يحمل معه من الجديد الكثير, وحسب هذه المقالة أن تكون تنبيها لكل منا, حتي يعرف دوره في هذه الحياة.