قمم جديدة حول الشرق الأوسط.. مبارك في باريس وواشنطن في منتصف الأسبوع المقبل خلال شهر رمضان المبارك داعما الفلسطينيين, فمصر لن تترك القضية الفلسطينية علي الإطلاق حتي تصل بالشعب الفلسطيني إلي الدولة وحق تقرير المصير, وسوف تعقد مباحثات جديدة مباشرة في حضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما أن باريس تستعد لتلعب الدور الوسيط الجديد بين العرب والفلسطينيين, وعينت مثل أمريكا وسيطا دائما للقضية العربية والفلسطينية.. وتستعد لمؤتمر دولي للمانحين للدولة الفلسطينيةالجديدة. الكثيرون متشائمون برغم أن الحركة أفضل من الجمود, والبعض يصادر نتائج المباحثات قبل أن تحدث!! والبعض الآخر يطالب بالمقاطعة, وكأنهم بهذا الأسلوب يكشفون إسرائيل ونيتانياهو أمام المجتمع الدولي مع أن مايحدث هو العكس تماما! فالهروب من المواجهة ومن المفاوضات من سمات الضعفاء أو الخائفين والذين لايعرفون كيف يحصلون علي حقوقهم فيتركونها للضياع والتآكل مع مرور السنين, فما يكشف إسرائيل ويعري سياسات اليمين المتطرف هو أن تضعه أمام الحقيقة وعلي طاولة المفاوضات. وما يكشفه صناع التطرف والإرهاب أمام الرأي العام في منطقتنا وفي العالم, ليس بالهروب أو الابتعاد عن المواجهة, ولكن بالوجود والمكاشفة ووضع الحقائق علي طاولة المفاوضات. إن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ليست وليدة اليوم, فهي الأطول حيث استمرت عقدين من الزمان, ولأنها ليست قضية إقليمية وتأثيراتها ليست علي منطقتنا وحدها, وتداعياتها علي السلم والأمن الدوليين كبيرة, فيجب أن تكون عيوننا علي الرأي العام العالمي, وعندما تغيب عن التفاوض فإن الذي يكسب هو اليمين في إسرائيل, ونيتانياهو كان يتطلع ومازال يأمل في أن يقوم الفلسطينيون والعرب بإفشال المفاوضات قبل أن تبدأ, فلقد تهرب في البداية من الاعتراف بالدولة الفلسطينية, بل وضرب عند بداية حكمه بالمفاوضات السابقة علي وجوده عرض الحائط,.. ثم أجبر داخليا وإقليميا وعالميا علي الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة بعد أن كان يرفضها في البداية. وكان تركيزه علي مزيد من الاستيطان في الضفة والقدس حتي يأكل ما تبقي للفلسطينيين من أرض, وينتظر بفارغ الصبر26 سبتمبر المقبل, وهو موعد انتهاء تجميد بناء المستوطنات, حتي ينطلق من جديد في هذا المجال. والرباعية الدولية عبر فرنسا ومعهم الأمريكيون يرفضون هذا المسار ويدعمون استمرار تجميد الاستيطان وصولا إلي حل الدولتين. وعندما عرف نيتانياهو أن الفلسطينيين والعرب قبلوا بالمفاوضات المباشرة أرجو أن يعرف العرب الذين لا يقبلون بالمفاوضات حقيقة فإنه تصبب عرقا, وائتلافه الحاكم أصبح مهزوزا وعلي شفا التفكك. ففي أول استطلاع رأي لحكومة نيتانياهو وقف أغلبية الوزراء ضد تجميد الاستيطان ما عدا وزراء حزب العمل ونحو4 وزراء من الليكود, وهدد ليبرمان وزير خارجيته بتفكيك الائتلاف إذا استمر تجميد الاستيطان. .......................................................... هذه هي إسرائيل من الداخل, فقرار الموافقة علي التفاوض المباشر يهز حكومتها الداخلية ويربك رئيس الوزراء نيتانياهو ووزراءه, وهذه حقيقة واضحة لا تقبل الجدل, وما يريح نيتانياهو وحكومته هو أن يرفض الفلسطينيون التفاوض أو يقوموا بإفشاله حتي يفسحوا الطريق إلي مزيد من الاستيطان. والأخطر أنهم بهذا الأسلوب يكسبون الرأي العام داخليا وخارجيا ويحملون الفلسطينيين مسئولية الفشل بالهروب إلي الأمام والخوف اللعين. .......................................................... واستمرار الفلسطينيين في الاندفاع نحو السلام والتفاوض يكشف حكومة نيتانياهو وائتلافه مع ليبرمان. ويجب هنا أن أشير إلي موقف المعارضة الإسرائيلية بزعامه تسيبي ليفني من المباحثات المباشرة, فهي تتمني أن تنجح, بل أعلنت دعمها لرئيس الوزراء وحكومته. فالمعارضة الإسرائيلية لم تقف ضد حكومتها, وكنت أتمني من المعارضة الفلسطينية أن تتعلم من هذه الممارسة السياسية, وأن تدرك خطورة القضايا الوطنية الكبري وأن تدعم المفاوض الفلسطيني, ولكن معارضة حماس تظل علي منهجها نفسه المخرب للقضية الفلسطينية منذ انقلابها علي فتح, ومنذ الانقسام الخطير علي القضية الفلسطينية بين فتح وحماس. فالفصيل المعارض أو المنقسم حماس يطالب بالمقاطعة, بل إن خالد مشعل وفصيل جماعته بالخارج طلبا من مصر والأردن عدم الذهاب مع الفلسطينيين لدعمهم في جولة المفاوضات الجديدة, وكأنهم بهذا يقومون بعمل بطولي لحفظ حقوق القضية الفلسطينية, وهم يعرفون قبل غيرهم أن عدم ذهاب الفلسطينيين للمفاوضات الجديدة سيكون المبرر الموضوعي والحاسم لإسرائيل للدخول في أوسع مرحلة جديدة من الاستيطان, وأنه سيكون الصيغة المثلي التي تعطي الحياة للائتلاف اليميني للاستمرار في الحكم وضرب المصالح الفلسطينية أكبر ضربة في تاريخها كله بلا خوف من تأنيب ضمير سواء أمريكيا أو أوروبيا, أو من الرباعية الدولية أو حتي من الرأي العام العالمي, لأن المسئول الذي سيتحمل كامل المسئولية هو الذي تغيب عن مفاوضات دولية يرعاها الرئيس الامريكي! كما أن عدم ذهاب دولة كبري مثل مصر إلي فرنسا وأمريكا لدعم الفلسطينيين يضعف الموقف الفلسطيني ويظهره علي أنه موقف فردي غير مدعوم مصريا أو عربيا, ويعطي للإسرائيليين الفرصة كاملة للاستفراد بالفلسطينيين, وفق شروطهم المجحفة, كما أن دعما مصريا وأردنيا وعربيا عبر مشاركتهم يساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهته مع نيتانياهو علي التمسك بالثوابت الاساسية التي تضمن عدالة التسوية والسلام إذا حدثت. كما أن منهج حماس القائم علي رفض المفاوضات المباشرة مع إسرائيل لايتسم بالاستقامة السياسية, فخالد مشعل وجماعته مازالوا يهرولون نحو المفاوضات مع إسرائيل. وهم من يحمون الحدود في غزة مع إسرائيل بحثا عن رضاها, ورسالة مشعل إلي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر تحمل سمات سياسات الرئيس محمود عباس نفسها, فحماس تعترف بحل الدولتين وبالتفاوض وواجبها الوطني يفرض عليها طرح مواجهة نفسها بالحقيقة وعدم اللعب علي الأحبال أو الأوتار الحساسة, وأن تدعم المفاوض الفلسطيني حتي يصل إلي الحقوق المشروعة لشعبه ولاتتهمه جزافا بتقديم التنازلات خاصة أن سوابق المفاوض الفلسطيني تكشف عن صلابته في التفاوض, وصولا للحقوق, ودليل واضح علي أن الفلسطينيين لم يصلوا حتي الآن إلي الاتفاق, فمنذ أن بدأوا المسار التفاوضي في مؤتمر مدريد1991 وحتي مؤتمر أنابوليس في عام2007 تم إبرام الكثير من الاتفاقيات وإجراء المئات من الجولات وكانت أمامهم فرص عديدة للوصول الي اتفاقيات نهائية لو كان في ذهن المفاوض العربي أو الفلسطيني تقديم تنازلات للإسرائيليين, ولكن هناك تصميما علي الوصول إلي الحقوق الفلسطينية كلها بما فيها القدس عاصمة للدولة المرتقبة وحدود1967 بلا تبادل إلا في أضيق المجالات وبنسب لاتتعدي2%, ودولة فلسطين كاملة السيادة بلا استيطان أو مستوطنين. .......................................................... ونعود إلي مفاوضات واشنطن فهي ليست سهلة لأسباب عديدة منها: * يعاني الشعب الفلسطيني حالة انقسام وضعف لم يسبق لها مثيل مقابل حكومة إسرائيلية يمينية تتمتع بدعم معظم القوي الإسرائيلية الرافضة لشروط السلام والشرعية الدولية. * وجود مايشبه الإجماع الفلسطيني علي عدم العودة إلي مفاوضات مباشرة في ظل عدم تلبية شروط الحد الأدني الفلسطيني, التي هي في الواقع متطلبات ضرورية لإنجاح عملية السلام. ولكن مصر لن تترك الفلسطينيين وحدهم, وسوف تدعمهم إلي أقصي مدي, وستقف معهم حتي تتوحد صفوفهم ويعود اتحادهم مرة أخري. مصر لم تتوقف ولن تتوقف عن مواصلة جهودها واتصالاتها المستمرة مع جميع الأطراف الأمريكية والأوروبية( الإقليمية والدولية) لإخراج عملية السلام من عثرتها والشروع في مفاوضات جادة تحقق سلاما طال انتظاره بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وتجيء رحلة الرئيس مبارك إلي أهم عاصمتين باريس وواشنطن تلعبان الدور الرئيسي لإحياء مسار السلام علي كل الجبهات, أولاها الجبهة الفلسطينية. بينما تخطط باريس لإحياء المسار التفاوضي بين سوريا وإسرائيل, وأن تدعم الفلسطينيين عبر زيادة المنح والمساعدات لتأهيل مؤسسات الدولة المرتقبة, وأن تحل ولو مؤقتا بديلا عن تركيا لأسباب الخلافات الحادة بينها وبين إسرائيل. .......................................................... وتتمثل الرؤية المصرية التي تدافع مصر عنها وأبلغتها لجميع الأطراف المعنية بما فيها إسرائيل في تأكيد الحاجة إلي مفاوضات مباشرة حقيقية وفعالة لأنها هي الطريق إلي التوصل لتسوية نهائية, وأن نجاح هذه المفاوضات يستند إلي مرجعيات واضحة ووفق جدول زمني, أي ليست مباحثات بلا نهاية أو أفق سياسي محدود, وعلي أساس أن هناك دولة لها حدود معروفة هي حدود1967 وإعادة إحياء المبادرة العربية للسلام واستخدامها لدعم المصالح الفلسطينية والسورية معا. وإذا نظرنا لمستقبل الجولة الجديدة للمفاوضات نجد أن هناك آمالا وتطلعات معقودة عليها, ولكنني أتوقف أمام رؤية محلل إسرائيلي اقتصادي اسمه بلوتسكر مازال يثق في الرئيس أوباما, وأنه يذهب إلي هدفه مباشرة, ويشبهه بأنه مثل الليزر لا يكسب المعركة من الجولة الأولي أو بنسبة ربح100%, ولكنه لا يفشل لأنه يعمل بدأب, وأن رهانه ليس علي كسب جولة المفاوضات الراهنة, ولكنه سيغير العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وسيغير خريطة العلاقات وقد يوقف الاستيطان ويعود بالفلسطينيين والإسرائيليين إلي الاتفاقيات العديدة التي وصلت في مراحلها الأخيرة بين عباس أولمرت إلي تحديد خرائط الدولة الفلسطينيةالجديدة. وحل جميع نقاط الخلاف المستعصية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.