تعتبر دعوة الرئيس الأمريكي أوباما يوم20 أغسطس الحالي للرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني لمراسم استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل يوم2 سبتمبر2010 خطوة هائلة علي طريق التوصل إلي سلام عادل ودائم في غضون عام بمنطقة الشرق الأوسط, ولعله من المفيد استعراض بعض المفاهيم الاستراتيجية التي ستحكم مسار هذه المفاوضات دوليا واقليميا قبيل الوصول إلي خلاصة استنتاجات ستنبثق منها مجموعة من التوصيات التي ستؤدي في حالة الأخذ بها إلي التأثير ايجابا علي النتائج النهائية للمفاوضات. فعلي المستوي الدولي معلوم أن العديد من مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية علي اتساع العالم قد اجمعت علي أن حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية سوف يؤدي تلقائيا إلي حل جميع المشكلات والازمات في الشرق الأوسط الذي تتصادم فيه مصالح دولية واقليمية عديدة بما فيها بؤر التوتر في العراق وأفغانستان والسودان والصومال واليمن بل لقد ربط بعضها بينها وبين حل أزمة البرنامج النووي الإيراني باعتبار أن إيران نجحت بصورة مدهشة في المزج بين المشكلات الاقليمية في الشرق الأوسط وبين الضغط علي الولاياتالمتحدة لتخفيف قبضتها الدولية عليها, فأمدت سوريا الطامحة لتحقيق أمنها القومي بانسحاب إسرائيل من الجولان التي مضي علي احتلالها نحو43 عاما بأنواع مختلفة من الصواريخ ارض ارض مع تخصيص جزء منها لحزب الله في جنوب لبنان وحركة حماس في غزة, بل زودتها بمصنع كامل لإنتاج صواريخ ارض ارض من طراز( م600) التي يبلغ مداها350 كيلومترا وتتصف بدقة التصويب ومن ثم يمكن القول بإن حل الدولتين في فلسطين والذي سيمتد منطقيا بآثاره إلي حل مشكلتي الجولان ومزارع شبعا في جنوب لبنان سوف يقلص إلي حد كبير من دور إيران الاقليمي ويجهض تخطيطها باعتبار فلسطين ولبنان والعراق خط دفاعها الأول في معركتها مع الغرب الأمر الذي سيفتح الباب علي مصراعيه لحل مشكلة الملف النووي الإيراني ذاته قبل أن تتعقد الأمور وتصل إلي حافة ميزان الرعب النووي. بالنسبة لإسرائيل فإن حكومتها تعاني من صعوبات داخلية بالغة نتيجة التعارض الخطير بين آراء المعارضة واليمين الإسرائيلي التي عبرت عنها تسيبني ليفني بأن حكومة بلدها مترهلة, فضلا عن خروجها من حرب جنوب لبنان عام2006 وحملة غزة عام2009 بجرائم حرب كبري آخرها حادث اسطول الحرية ومصرع عدد من ركابه, ناهيك عن المشكلات التي يتسبب فيها وزير خارجيتها ليبرمان الممنوع من آن تطأ قدمه أرض مصر والعاصمة واشنطن, ومن ثم فليس امام رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو سوي حلين لا ثالث لهما إما استقالة حكومته أو البدء في المفاوضات باعتبار أن الأمن ليس مطلقا في عصر الصواريخ. تأسيسا علي ما تقدم, كان لابد من الشروع في تنفيذ استراتيجية جديدة تعتمد علي خيار السلام قبل ان يتحول الشرق الأوسط إلي محرقة ستطول الجميع وأولهم إسرائيل, وذلك باعتبار ان توازن القوي العالمي يعتمد جزئيا علي التوازن الاقليمي بالشرق الأوسط ومن ثم فإن إقامة سلام بين العرب وإسرائيل سوف يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية معا, وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط يعد أفضل فرصة ستتاح لإسرائيل منذ اقامتها, فأسباب الحروب ونتائجها عادة ما تتصل بآمال ومخاوف الجنس البشري باكثر من اتصالها بأمور السياسة ومن ثم فإن الفرص مواتية الآن لتحقيق السلام في الشرق الأوسط, وهو ما يتطلب ارادة حديدية كما حدث ابان مباحثات كامب ديفيد الأولي, فلولا إصرار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر علي تخطي العقبات والعراقيل التي اثيرت أثناء المباحثات ما كان قد توصل إلي الاتفاقية التي قادت إلي معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في26 مارس عام1979. هناك مجموعة من الثوابت يجب مراعاتها لتحقيق انجاز مماثل في الوقت الراهن يمكن ايجازها فيما يلي: الوقوف بجانب المفاوض الفلسطيني في مواجهة إسرائيل وهو أمر يستلزم دعما عربيا علي أعلي مستوي لضمان استمرار التوقف عن بناء المستوطنات طوال فترة المفاوضات. ضمان اشراف الرئيس الأمريكي أوباما علي سير المفاوضات وتدخله شخصيا كلما اقتضي الأمر ذلك, مع تعيين لجنة توفيق من الرباعية الدولية لمعاونة جورج ميتشيل اثناء متابعته لسير المفاوضات. إن الاتفاق علي حدود الدولة الفلسطينية يجب أن يسبق الاتفاق علي الإجراءات الأمنية وليس العكس وإذا ما انتهت هذه الاشكالية فان حل مشكلات اللاجئين والمستوطنات والمياه والقدس سوف تصبح في تقديري أكثر سهولة ويسرا. لواء د.إبراهيم شكيب