«سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    إيران: تحديد يوم 28 يونيو المقبل موعدا لانتخاب رئيس جديد للبلاد    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال الإسرائيلى على عدة مناطق بقطاع غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    حسين لبيب: زيزو سيجدد عقده.. وصبحى وعواد مستمران مع الزمالك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدى مقلقة ويجرى أشعة غدا وشيكابالا يحتاج أسبوعين    منتخب مصر يكتسح بوروندى ويتأهل لدور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله "فيديو"    الأرصاد: الموجة الحارة مستمرة حتى الخميس    الداخلية: ضبط سائق بمنظومة نقل خاصة تحرش ب"عميلة"    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    وزير الصحة لا مساس بحقوق العاملين بالمنشآت الصحية في ظل القانون الجديد    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    حلو الكلام.. دموع على ضريح القلب    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    مصدر ليلا كورة: اتجاه في الأهلي لتجديد عقد علي معلول    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    كيفية الاستفادة من شات جي بي تي في الحياة اليومية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    خريطة تلاوات إذاعة القرآن الكريم اليوم الثلاثاء    أحمد حلمي لمنتقدي منى زكي بسبب السيرة الذاتية ل أم كلثوم: اظهر وبان يا قمر    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    نشأت الديهي: قرار الجنائية الدولية بالقبض على نتنياهو سابقة تاريخية    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    خفض الفائدة.. خبير اقتصادي يكشف توقعاته لاجتماع البنك المركزي    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    بعد تعاقده على «الإسترليني».. نشاط مكثف للفنان محمد هنيدي في السينما    أفلام صيف 2024..عرض خاص لأبطال بنقدر ظروفك الليلة    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    حقيقة ما تم تداوله على "الفيس بوك" بتعدي شخص على آخر وسرقة هاتفه المحمول بالقاهرة    جهاز تنمية القاهرة الجديدة يؤكد متابعة منظومة النقل الداخلي للحد من التكدس    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لدغة الثعبان‏!‏

كانت الكاميرا الديجيتال تدور في يد مصممة الأزياء الإيطالية سيلفانا إنتريوتي‏..‏ لتلقط صورة بانورامية للدنيا كلها عندما تلتقي علي غير موعد في بقعة واحدة وفي وقت واحد‏..‏ زوار من كل لون وملة ولغة وبلد‏..‏ داخل خان الخليلي يتمتعون بالجلوس علي مقهي الفيشاوي الشهير في حي الحسين‏..‏ والتقاط الصور التذكارية‏,‏ حيث يختلط الأسمر بالأبيض‏,‏ والأصفر بالأشقر في لوحة جماعية تجمع بين البرانيط والطواقي والجلباب والبنطلون‏..‏ الجمال والعراقة‏..‏ الرقة والحدة‏..‏ الأصالة والصياعة‏..‏ خفة الظل وخفة اليد‏..‏ ذلك كله وسط هالة ضبابية يختلط فيها دخان الشيشة بعبق البخور ومذاق العرقسوس بلذيذ التمر هندي‏..‏ تظللها شمسية مزوقة منمقة غزلتها أيدي أرباب فن الخيامية‏..‏ ومعشقات الزجاج الملون‏..‏ الذي يلون ويظلل كل من يمر تحته بألوان من البهجة وخدر الشمس الناعسة‏..‏
وكما سقط نيزك من السماء في زمان لا نعرفه بأرض مصر صنع حفرة هائلة في قلب سخونة ووحشة رمال الصحراء الغربية‏..‏ اسمها الآن منخفض القطارة‏.‏
اقتحم المشهد الخليلي‏..‏ آخر مشهد في حياتنا وفي تراثنا من عصر ألف ليلة وليلة‏..‏ كأنه جواد جامح بلا زمام وبلا لجام‏..‏ شاب في عز شبابه ورونقه وبهاه ولكنه مصفر الوجه‏,‏ يترنح يمنة ويسرة‏..‏ متعثر الخطوات‏..‏ مستند علي حائط مرة‏..‏ وعلي كرسي مقهي مرة‏,‏ وعلي من يصادفه من بني البشر زائرا أو بائعا أو شحاذه أراري تشحت بالدولار تلك التي دفعته بيدها دفعة قوية وهي تنهره‏..‏ هو أنا ناقصاك إنت كمان‏!‏
ليصطدم في النهاية بصديقتنا سيلفانا‏..‏ لتسقط من يدها الكاميرا ويكتمل المشهد الذي لم تسجله العدسة بسقوط الاثنين سيلفانا والجواد الجميل الجامح‏..‏ علي الأرض معا‏!‏
ألف يد امتدت في ثوان‏..‏ لانتزاع الإيطالية الشقراء من سقطتها‏..‏ ولا يد واحدة امتدت للشاب الجميل الأنيق التائه عن الدنيا والناس والملقي بين كراسي المقهي الشهير‏,‏ ومن حوله بقايا صينية بحالها من أكواب الخروب والكركديه‏..‏
زجاج متناثر اختلط بالمشاريب‏..‏ وانغرس بعضه أو كله في ظهر الفتي التائه عن الدنيا‏..‏الذي ظل في مكانه علي الأرض‏..‏ لم يتحرك إليه أحد ليأخذ بيده وينتشله من مستنقع الزجاج وبحيرة المشروبات المصرية الأصيلة‏..‏ حتي مددت يدي إليه وأوقفته‏..‏ وهو مازال تائها عن الدنيا وما فيها‏..‏ وإن كانت قدماه تهتزان بشدة من تحته‏..‏ حتي كاد يفلت من بين يدي ويسقط من جديد‏..‏ لولا أن تقدم اثنان من أولاد البلد الجدعان‏..‏ وأنقذاه من السقوط وحملاه حملا وأجلساه وهو شبه غائب عن الدنيا فوق مقعد في مقهي أفندينا في الممر الضيق المواجه تماما لمقهي الفيشاوي
تطبطب بائعة العقود الملونة علي كتف الفتي الجميل السارح في ملكوت الله وهي تقول له‏:‏ اسم الله علي أختك أحسن منك‏!‏
صاح معلم كبير بشنبه الأسود الذي يشبه عش الغراب‏:‏ الواد ده واخد سرنجة هيروين‏..‏ أقطع دراعي إذا ما كانشي ده حصل‏!‏
وقال صبيه وهو يصلح له نار الشيشة‏:‏ تلاقيه يا معلم بالعله كام حبة ماكستون فورت واللا شارب نفسين تلاتة بانجو‏!‏
يدفعه معلمه بمقدمة قدمه في كتفه‏:‏ يا واد يا ولعة‏..‏ دي موش وقعة بانجو واللا حبتين هباب‏..‏ دي وقعة سرنجة هيروين‏..‏ فاهم يا حمار طول عمرك حمار وحتفضل حمار ليوم القيامة‏!‏
ضيفتي سيلفانا بعد أن اطمأنت علي الكاميرا تهمس في أذني‏:‏ كل صور وقوع الولد في الكاميرا‏..‏ حتي واحنا واقعين علي الأرض كانت الكاميرا بتشتغل‏..‏ الولد ده واخد جرعة هيروين‏..‏ صدقني‏!‏
قلت لها‏:‏ زي ما قال المعلم شلاطة‏..‏ لكن عرفتي إزاي؟
قالت‏:‏ متعودين في نابولي علي المناظر دي‏..‏ شباب ضايع موش عارف يروح فين‏..‏
قلت لها‏:‏ لكن إيه اللي جاب الواد هنا بس‏..‏ وخد الحقنة دي فين؟
قالت الإيطالية بتاعة حواري نابولي‏:‏ موش لازم حقنة‏..‏ يمكن شم برشامة‏..‏ شم الجرعة كلها مرة واحدة‏!‏
قلت‏:‏ عشان كده تاه عن الدنيا بحالها‏!‏
قالت‏:‏ علي فكرة لازم تنقلوه إلي المستشفي فورا‏..‏ ممكن يطب ساكت‏!‏
قلت‏:‏ يعني يموت‏!‏
قالت‏:‏ ليس هذا بعيدا‏!‏
طبعا قام المشاهدون والمارة والمتطفلون والأرزقجية والهليبة بمهمة دس أيديهم في جيوبه وإخراج كل ما فيها‏..‏ بحجة البحث عن البطاقة التي تدلهم عنه وعن عنوانه ورقم تليفون أهله‏..‏ يعني الولد المسكين اتقلب بلغة أهل الحارة‏.‏
قال قائل من الذين قلبوه‏:‏ دا الواد طالب في الجامعة الأمريكية واسمه اعفوني من ذكر اسمه باين عليه ابن ناس‏..‏ بس ما لقناش في جيوبه إلا اثنين جنيه وشوية قروش ورخصة قيادة‏..‏ وبطاقة رقم قومي‏..‏ ده عنده واحد وعشرين سنة‏!‏
واحدة من البائعات تضرب صدرها بيدها وهي تقول‏:‏ يا حبة عيني ده لسه صغار‏!‏
حاول الشاب الضائع التائه أن يصلب طوله ويقوم من مكانه‏..‏ بمجرد أن خطا خطوتين اثنتين حتي سقط من جديد‏..‏ وهو يقول في كلمات متقطعة‏:‏ أنا‏..‏ أنا‏..‏ أنا فين‏..‏ موش شايف حاجة قدامي‏!‏
ليسقط من جديد لولا أن منعته أيدي شباب جدعان من السقوط علي الأرض وحملته مرة أخري إلي كرسيه علي المقهي‏..‏
قالت سيلفانا‏:‏ لازم تنقلوه المستشفي حالا‏..‏ ده يمكن يموت‏!‏
مرة أخري كما نزل نيزك صنع حفرة في قلب تيه صحراء بلا قرار‏..‏ قبل نحو مائة عام اسمها منخفض القطارة‏..‏ انفتح باب وسط الزحام دخلت منه امرأة غاية في الشياكة والأناقة تصحبها ابنتها الرقيقة الجميلة وهما يصرخان بمجرد أن وقع ناظريها علي الشاب الضائع السابح في ملكوته‏:‏ أدهم‏..‏ الحمد لله إن إحنا لاقيناك‏.‏
أحاطاه بذراعيهما وقلبيهما معا‏..‏ وقالا للجمع المحتشد بداع أو دون‏:‏ معلهش ياجماعة‏..‏ أصل أدهم لازم يعمل فينا الفصل السخيف ده كل شوية‏..‏ حقكم علينا‏..‏ ياللا يا حبيبي نروح‏!‏
كما تحمل العنزة بعرورها الصغير الشارد بعيدا عن ذئاب الغابة‏..‏ حملت الأم وابنتها الفتي المارق الغارق التائه الضائع في ضباب الإدمان اللعين‏!‏
قبل أن يذهبا به بعيدا‏..‏ التفتت الأم إلي وقالت‏:‏ علي فكرة أنا شفت حضرتك النهاردة في مطعم نجيب محفوظ مع الأمورة اللي معاك تقصد سيلفانا وإحنا آسفين جدا للي حصل للكاميرا بتاعتها‏!‏
قلت لها‏:‏ حصل خير‏..‏ المهم صحة أدهم‏!‏
‏**‏ ملحوظة من عندي‏:‏ الأمورة سيلفانا‏..‏ لا أمورة ولا حاجة‏..‏ دي عندها في بلدها أولاد وبنات‏..‏ للعلم فقط‏!‏
‏.............‏
‏.............‏
بالكاد مضي أسبوع علي الواقعة‏..‏ سافرت فيه سيلفانا إلي بلدها بعد رحلة كروز بالباخرة من الأقصر إلي أسوان شاهدت فيها بدعوة من أشهر مصري خارج حدود مصر رفيق الطريق زاهي حواس‏..‏ أعظم حضارة عرفتها الدنيا‏..‏ وكانت أخر كلمة قالتها لي علي سلم الطائرة‏:‏ أنتم أعظم بلد في العالم‏,‏ وروما بجلالة قدرها بالنسبة للأقصر قرية نائية‏!‏
في اليوم التالي لسفرها طرق باب مكتبي أثنان أدهم وأمه‏..‏ أدهم الذي سقط أمامنا في حي الحسين بعد جرعة هيروين حامية‏..‏ وأمه التي قدمت إلي نفسها بقولها‏:‏ دكتورة اعتماد وليس هذا اسمها أستاذة الفارما كولوجي في الجامعة‏..‏
كان أول سؤال سألته لهما‏:‏ كيف عرفتما اسمي وعنواني؟
قالت الأم‏:‏ من صديقك المهذب الجنتلمان سمير متري مدير مطعم نجيب محفوظ بخان الخليلي الذي كنت تتناول طعامك مع الأمورة سيلفانا‏..‏ يوم الحادث المشئوم‏!‏
قلت‏:‏ أي ريح طيبة جاءت بك إلينا؟
قالت‏:‏ الفيلم الذي صورته سيلفانا لأدهم وهو تائه عن الدنيا‏!‏
قلت لها‏:‏ يا سيدتي أنت تخشين أن أنشر صور ابنك في هذه الحالة‏..‏ وهذا أمر محال لا صحفيا ولا أخلاقيا‏,‏ وعلي أي حال الفيلم طار مع صاحبته إلي روما‏..‏ مع وعد بألا يراه أحد‏!‏
أشمل أدهم بعيوني نزولا وطوعا وهو جالس علي الكنبة السوداء الطرية‏..‏ وأتوجه بسؤال إلي أمه الأستاذة الجامعية‏:‏ ياست هانم كيف أفلت منك ابنك وألقي بنفسه في حفرة الإدمان؟
قالت لي‏:‏ أدهم أمامك إسأله هو؟
التفت إلي أدهم‏..‏ ما شاء الله شاب يفرح القلب ويسر العين‏..‏ لولا صفرة وشحوب في الوجه ونظرات لا تستقر علي حال‏..‏ وحالة قلق وزهقان تعبر عنها حركة قدمه التي تهتز طوال الوقت‏..‏
قلت له‏:‏ عندك كام سنة يا أدهم؟
قال‏:‏ اثنين وعشرين‏..‏
قلت‏:‏ في سنة كام؟
قال‏:‏ ثانية اقتصاد‏..‏
قلت له‏:‏ من امتي عرفت طريقك للكيف؟
قال‏:‏ موش فاكر بالضبط‏..‏ لكن الحكاية بدأت بسيجارة محشوة‏..‏ بنفس بانجو‏..‏ بقعدة حشيش‏..‏ بحبتين ماكستون فورت‏..‏ بحباية هلوسة‏..‏ بشمة هيروين‏..‏ بحقنة ملعون‏..‏
أقاطعه‏:‏ ملعون إيه؟
قال‏:‏ هيروين طبعا‏!‏
قلت‏:‏ مين علمك الصراحة دي كلها؟
قال‏:‏ وأخبي ليه مامي عارفة كل حاجة‏!‏
قلت له‏:‏ وكل ده يا عم أدهم‏..‏ وماحدش في البيت خد باله إنك انغرست لشوشتك في مستنقع الضياع ده؟
ترد الأم بعيون مكدودة مسهدة جفاها النوم ليال طويلة‏:‏ عرفنا بس ساعة ما اكتشفنا أن عربيته موش معاه‏..‏ سألناه‏:‏ فين العربية يا أدهم؟ قال‏:‏ بتتصلح أصل عملت بيها حادثة‏!‏
وأخذ يسحب مننا فلوس كل يوم علي حس الحكاية دي‏..‏ وفي الآخر اكتشفنا أنه تنازل عنها لواحد من تجار الصنف‏..‏ عشان يسدد ديونه في الإدمان‏!‏
أسألها‏:‏ والتاجر دي فين؟
قالت‏:‏ موش فاكرة‏..‏ يمكن في الدويقة‏..‏ أو في الكوم الأخضر‏!‏
أسألها‏:‏ وبعدين يادكتورة؟
قالت‏:‏ اشتريناله عربية تانية‏..‏ أصل والده قاعد برة ومبسوط وبيشتغل في لعبة البنكنوت والبورصة والبنوك‏..‏ وكل ما يطلب أدهم منه أي حاجة لا يتأخر عنه أبدا‏!‏
أسألها‏:‏ مافيش أي أعراض ثانية ظهرت علي أدهم بعد الإدمان؟
قالت‏:‏ بينام كتير‏..‏ أو يسهر كتير‏..‏ يضحك من غير سبب ويكتئب برضه من غير سبب‏..‏ عاوز نهر من الفلوس لا ينقطع تدفقه أبدا‏!‏
ولما تيجي ساعة الجرعة اليومية‏..‏ وما يلقاش فلوس ياداهية دقي‏..‏ عاوز يولع فينا وفي البيت كله‏..‏ ويكسر أي حاجة قدامه‏!‏
أسأل أدهم‏:‏ قوللي يا عم أدهم بتشعر بإيه لو جه ميعاد الجرعة وما تلاقيهاش؟
قال‏:‏ أشعر أن كل حتة في جسمي بتوجعني وجسمي بياكلني ومفاصلي بتقرصني‏..‏ وينزل علي عرق كتير صيف أو شتاء‏..‏ وإذا لم أحصل علي الجرعة المطلوبة سواء حبوب هلوسة أو ماكستون فورت أو شمة كوكايين أو حقنة هيروين‏..‏ ألاقي نفسي تحولت إلي كلب‏!‏
أسأله‏:‏ كلب‏..‏ إزاي؟
قال وقد احمرت عيناه‏:‏ يعني أنزل بركبي علي الأرض وأمشي علي إيديا ورجليا كما الكلب تمام‏..‏ ويمكن أهوهو كمان‏..‏ وأمشي من حجرة لحجرة وأتحايل علي كل اللي يقابلني‏..‏ ماما‏..‏ أختي‏..‏ حد قريبي‏..‏ حد من الجيران‏..‏ واحد صاحبي‏..‏ لحد أما آخد الجرعة الملعونة‏..‏ أهدأ وأشعر أن أنا رجعت بني آدم تاني‏..‏ موش كلب‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
قطرات من دموع تبلل وجنتي الأم لا دخل لها بها لا تستطيع منعها أو سحبها‏..‏ يقطع المشهد الغارق في بئر النكد الأزلي رنين موبايل الباشا‏..‏ والباشا هنا هو أدهم الذي يرد بلهفة‏:‏ فينك يا سندرا؟
لا نعرف ماذا قالت ساندرا‏..‏ ولكننا سمعنا أدهم يدعوها للحضور‏..‏ يلتفت إلي قائلا‏:‏ ممكن ساندرا تطلع هنا؟
قلت له‏:‏ مين ساندرا دي؟
قال‏:‏ واحدة زميلتي وصاحبتي اسمها سيدة وبندلعها ساندرا‏!‏
سألته‏:‏ انت عاوزها؟
قال‏:‏ أيوه‏..‏ أصلها‏..‏ ولم يكمل‏..‏
تسأله أمه‏:‏ أصلها دي يا سي أدهم‏..‏ معاها الصنف‏..‏
يسكت‏..‏ بل ينخرس تماما‏..‏
سألت‏:‏ بس يا عم أدهم الأمن ممكن حد يضبطها ودي جريمة زي ما انت عارف‏!‏
قال‏:‏ لا‏..‏ دي حتودينا للراجل بتاع الصنف‏!‏
أسأله‏:‏ فين؟
قال‏:‏ هي لوحدها اللي عارفة‏!‏
تهل علينا ساندرا‏..‏ بعودها الذي يشبه القلم الرصاص المبري‏..‏ نحيفة جافة دون أي لحم أو حتي شغتة كما تقول بنات البلد‏.‏ قبلت أدهم في وجنتيه‏..‏ والدكتورة في مقدم شعرها‏..‏ وأنا مجرد إشارة بيدها إزيك يا أونكل‏..‏ ياللا بينا لحسن المعلم يمشي‏!‏
أسألها‏:‏ مين المعلم؟
قالت سيدة أو ساندرا‏:‏ المعلم ربع قرش ماتعرفوش‏..‏ ده نص طلبة وطالبات الجامعة عارفينه وعارفهم‏!‏
أسألها‏:‏ والمعلم ربع قرش نلاقيه فين الساعة دي؟
قالت‏:‏ هو اللي حيلاقينا‏..‏ بس بسرعة والنبي نركب عربيتنا ونروح لحد الباب الأخضر؟
أسألها‏:‏ وفين الباب الأخضر ده بالصلاة علي النبي ياست سيدة؟
تنظر بضيق إلي‏:‏ إيه سيدة دي يا أونكل‏..‏ أنا اسمي ساندرا‏..‏ ساندرا‏..‏ تعالوا في عربيتي وأنا أوصلكم‏..‏ أنا عارفة السكة كويس‏..‏
تنظر إلي من فوق لتحت وتقول‏:‏ بس يا أونكل ح أقول إيه للمعلم ربع قرش عنك‏..‏ لحسن يحسبك دسيسة من البوليس واللا حاجة‏!‏
قلت لها ونحن نهم كلنا بالذهاب بعربيتها إلي مقابلة المعلم ربع قرش‏:‏ قوليلهم ده أونكل مدمن علي كبر‏!‏
‏............‏
‏............‏
قرص الشمس كسوفا مما يجري أمامه في هذه الدنيا من خطايا وموبقات‏..‏ بدأ يتواري منا خجلا وراء ما بقي من شريط نهر النيل‏..‏ ليحول خضرة سعف النخيل إلي لون أصفر مثل الكركم‏.‏
ساندرا تقود كأنها تتشاجر وتسب المارة والعالم كله‏..‏ تدخل في طريق ترابي ضيق بين المقابر من ناحية‏,‏ وتلال القمامة من ناحية أخري‏..‏ أمام بيت قصير القامة محني الرأس أوقفت السيارة‏..‏ وقالت لنا‏:‏ تعالوا ورائي‏..‏
مشينا نحو عشر دقائق حتي وصلنا إلي باب مثل باب سجن النساء في القناطر ينفتح فيه باب أصفر‏..‏ ندخل منه إلي باحة بيت يتناثر فيها علي الأرض وفوق الكراسي ووقوفا طالبو الجرعات‏!‏
تصل إلي شباك يشبه شباك محطات قطار الصعيد‏..‏ مسافرو الدرجة الثالثة‏..‏ من الداخل يطل وجه مقطب لم يعرف الضحك في حياته كلها‏.‏
نادته ساندرا‏:‏ أهلا يا معلم ربع قرش‏!‏
قال لها‏:‏ أهلا يا ست ساندرا‏..‏
هو يعرفها إذن‏..‏
قالت‏:‏ زي كل مرة‏!‏
يسألها‏:‏ لوحدك؟
قالت‏:‏ لا معايا البوي فرند بتاعي‏!‏
البوي فرند هذا هو أدهم طبعا‏.‏
يسألها‏:‏ دفعتي؟
قالت‏:‏ لسه‏.‏
يسألها‏:‏ ومستنيه إيه؟
تسأله‏:‏ كام؟
قال‏:‏ أنتم الاثنين عشان حبايبنا ألف جنيه موش ألف ومائتين‏!‏
تفتح الأم حقيبتها وتدس المبلغ كله في يد ساندرا‏..‏
يلمحني بطرف عين عمشاء‏:‏ ومين اللي معاك في العربية دي‏..‏ أوعي يكون مخبر وللا حاجة‏!‏
قالت‏:‏ أبدا يا معلم ده سواق العربية بتاع دادي‏!‏
في آخر الزمن أصبحت أنا سائق عربة دادي ساندرا‏!‏
أقول في نفسي دون صوت‏:‏ معلهش كله يهون بس نوصل إلي آخر المشوار‏!‏
المعلم ربع قرش من وراء الشباك الحديد‏:‏ مدي ذراعك يا ساندرا‏..‏
تمد ساندرا ذراعها لتدس فيها إبرة الهيروين‏.‏
من بعدها يتكرر المشهد نفسه مع أخونا أدهم‏..‏
بعد دقائق‏..‏ يسقط الاثنان في المقعد الخلفي للسيارة دون حراك‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
تنظر إلي الدكتورة‏:‏ عاوزين نطلع من هنا بسرعة‏..‏ حضرتك تسوق العربية موش بتعرف تسوق؟
قلت لها رغما‏:‏ أيوه‏..‏ ربنا يستر‏..‏
رحت أقود سيارة ساندرا المتخلفة حتي خرجنا إلي الطريق العام‏..‏
تنظر الأم إلي ولدها السابح في ملكوته إلي جوار الجوهرة المكنونة ساندرا لتجده قد تاه في الدنيا‏.‏
نهز ساندرا‏..‏ نناديها‏..‏
نهز أدهم‏..‏ نناديه‏..‏
لا أحد يجيب‏..‏
ماذا جري لهما؟
تلك حكاية أخري‏..{‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.