قبل عامين عقد فى السويد مؤتمر دولى أقرب إلى ورشة عمل شارك فيها خبراء فى السياسة الخارجية من دول متعددة لمناقشة التغييرات الجارية فى النظام الدولى واحتمالاتها وخصص لمنطقتنا العربية جانب منها. وتقاربت آراء شخصية حول المنطقة, حول القول إن المنطقة العربية تكاد تبدو وكأنها استثناء من تحولات وتغيرات, تجري من حولها تؤثر في غيرها, ولا تتأثر هي بها, ومن بينها النظام الإقليمي جامعة الدول العربية التي لاحظوا أنها لم تستجمع قواها حتي تتعامل مع العالم المتغير, مثلما جري لمنظمات إقليمية أخري. والمثير للحيرة أن العالم العربي يبدو عادة وكأنه بالفعل حالة مستثناة من الاستفادة من التحولات التاريخية في العالم, والصدمات الإقليمية في منطقته, والتي يفترض أن يستخلص منها دروسا وعبرا تكسبه قوة. ويلاحظ حدوث هذا في الفترة المعاصرة في أحداث كبري, منها مثلا لحظة التحول الدولي الكبير, إثر انتهاء الحرب الباردة عام89, وزوال الاتحاد السوفيتي عام91, وبداية ظهور بوادر للمبادئ والقواعد المتغيرة التي سيقوم عليها النظام الدولي القادم, ومنها كذلك صدمة غزو الكويت عام1990, ومن بعدها غزو العراق عام2003, وتتابع سلوكيات الصلف الإسرائيلي واستهانته بالعرب. والآن, فإن المجال الجغرافي والإقليمي حول العالم العربي, يتفاعل بالحركة والتقلبات, ونزوح أطراف غير عربية للتمدد خارج حدودها, مقتحمة المجال الحيوي للدول العربية, بينما يبقي العالم العربي ملتزما بخصلة السكون المزمن, مستثني من اكتساب طاقة الحركة الفاعلة للآخرين. هذا العالم المتغير, تعدل فيه ترتيب مكونات ميزان القوي, لتصعد فيه القدرة الاقتصادية التنافسية, إلي نفس مستوي القوة العسكرية, التي كانت هي الفيصل والحكم. إن النظام الدولي تحت التشكيل, يبيح لدول كانت صغيرة وفقيرة, وغير مؤثرة, بأن تكون شريكا في إدارة النظام الدولي, بعد أن أكدت لنفسها مكانة ونفوذا, مستندة إلي مشروع قومي ينجز تنمية اقتصادية ناجحة, وبعد أن استوعبت طبيعة النظام العالمي المتغير, ومسوغات دخوله التي تبدأ بامتلاك استراتيجية أمن قومي, ودور إقليمي مؤثر. ولنا أن نلاحظ أن هناك دراسات لأفكار أمريكية عديدة لكبار الخبراء وصناع السياسة الخارجية في الولاياتالمتحدة, تري أن العداء المستحكم بين أمريكا وإيران, لا يمنع من احتمال وصولهما في لحظة ما إلي وفاق, تفرضه احتياجات متبادلة لدي كل منهما للآخر, ويدفع إليه قدرة السياسة الخارجية لإيران علي أن تفرض لنفسها دورا إقليميا, امتد إلي داخل دول عربية. إن السكون العربي هو عنصر محرض علي اقتحام آخرين ساحة المنطقة, في إطار صراع يجور علي حسابات العرب لمصالحهم. ومن قلب هذا الصراع وطموحاته, كانت جامعة الدول العربية مستهدفة, لإزاحتها ككيان ورمز, وإفساح المجال لظهور منظمة إقليمية أمنية, اقتصادية, سياسية, تدخلها إسرائيل عضوا, وتنزع عنها الهوية العربية, وهو مشروع مازال يلح علي أفكار كثير من صناع السياسة الخارجية في الولاياتالمتحدة, الذين سيطر عليهم اقتناع بإمكان تحقيق فكرتهم عند التوصل إلي تسوية سلمية للنزاع العربي الإسرائيلي, وبذلك يحل هذا النظام محل جامعة الدول العربية أو يهمشها. إن الفرص الضائعة عربيا نتيجة غياب الإرادة السياسية الجماعية, التي جعلت العالم العربي استثناء من الاستجابة لدواعي التحولات الدولية, لاتزال حالة قائمة ومستمرة. فالدول التي نهضت اقتصاديا, وصارت المؤسسات الدولية, والقوي الكبري, تعترف لها بأنها سيكون لها مكان في إطار النظام الذي سيقوم علي تعددية القوي الدولية, تعرف أن هذا النظام سوف يرتكن إلي التكتلات الإقليمية, وحيث لا محل للنفوذ, والقدرة علي المنافسة, لأي دولة منفردة, بينما العالم العربي أكثر من كونه مجرد تكتل إقليمي. وهذا ما ظهر واضحا في آسيا, بعد القفزة الكبري للصين, ثم الهند, وجذبها دول الجوار الآسيوية, ودخولها شريكا للصين, في نوعية من أنظمة التكامل الإنتاجي, الذي تنتج فيه كل دولة, جزءا من سلعة أساسية, ويتم تجميع هذه الأجزاء كلها في الصين, ليخرج في النهاية منتج واحد, يصدر إلي أوروبا وأمريكا بأسعار تغري علي أن تفتح أمامها الأسواق, في قدرة تنافسية علي الآخرين. وهذا مجرد نموذج لنتائج عمل التكتلات الإقليمية وتكاملها اقتصاديا, وهو بخلاف التراكم الجمعي للقدرات والخبرات المادية والبشرية اقتصاديا, وعلميا, وسياسيا, وثقافيا. فما الذي يجعل العرب حالة مستثناة من التواؤم مع العصر, والتنمية والنهضة مع إنهم يملكون كل مقومات تحقيق ذلك؟