ذات مرة وصف وزير خارجية بريطانيا الحالي ويليام هيج, خلال الحملة الانتخابية العمال بأنهم حمير يقودون شعب بريطانيا الأسود. أطاح تحالف المحافظين والديمقراطيين الأحرار ب الحمير بعد ثلاثة عشر عاما متصلة, ووضعوا أمام الاختبار الأكبر, وهو تنفيذ الوعد بتغيير بريطانيا تغييرا شاملا. وأحد أوجه هذا التغيير هو استعادة مكانة بريطانيا المتراجعة, حسب وصف هيج, في العالم. استعادة الدور يحتاج, من وجهة نظر الوزير الجديد إلي ممارسة سياسة خارجية بشكل متميز وهو بذلك طوي صفحة السياسة الخارجية الأخلاقية التي بشر بها العمال عند وصولهم للسلطة عام1997. اذا كانت أخلاق العمال لم تغير الكثير في سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط, أحد مواطن المصالح القومية الاستراتيجية البريطانية, فان تأثير تميز ائتلاف المحافظين والديمقراطيين الأحرار في المنطقة لم يتضح بعد, وان بدت المؤشرات ملتبسة. إيران.. الاختبار الأول أول هذه المؤشرات هو تعامل بريطانيا مع ملف ايران النووي الذي يحتل رأس اولويات السياسة الخارجية البريطانية الجديدة, وهو ملف كشف اتجاه لندن نحو الشرق الأوسط, فبدلا من التوجه الي أوروبا, صاحبة النصيب الأكبر من جهود التسوية مع ايران, اختارت الحكومة الجديدة النهج الأمريكي. لابد أن تغير ايران نهجها خلال زيارته لواشنطن, وحتي قبلها وجه هيج هذا الإنذار للقيادة الايرانية وبذلك لم يغير هيج موقف زعيمه ديفيد كامرون, قبل تولي السلطة, بالتشدد مع ايران وعدم السماح بالمضي في برنامجها النووي ولو اقتضي الأمر استخدام القوة. ولذا لم يكن مفاجئا ان تكون بريطانيا أول دولة في العالم تقلل من شأن موافقة ايران المبدئية علي تبادل اليورانيوم علي الأراضي التركية, وقالت خارجيتها رسميا انها ستظل تعمل علي فرض عقوبات جديدة علي ايران. المحافظون والحركة الخضراء لكن التميز الذي يبشر به هيج يثير التساؤلات حول هذه الرؤية, فأحد مظاهر هذا التميز هو الطريقة الجديدة في اتخاذ قرارات السياسة الخارجية البريطانية, فأول شيء فعله كامرون, في أول يوم له في الحكم, هو رئاسة مجلس الأمن القومي الجديد, هذا المجلس يكسر احتكار10 دواننج ستريت أو وزارة الخارجية في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية, فوزير الخارجية هو مجرد عضو بالمجلس الي جانب وزراء مثل الدفاع( ليام فوكس المعروف بميوله اليمينية القريبة من المحافظين الجدد الأمريكيين) والداخلية والمالية وقادة اجهزة الاستخبارات, فضلا عن أمين عام المجلس وهو مستشار الأمن القومي الجديد. وباستثناء قادة أجهزة الاستخبارات التي لايعرف الكثير عن مواقفهم السياسية, فان البقية لهم صلات معروفة باسرائيل التي تحرض دائما علي الحرب علي ايران. كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي أفرد له برنامج حزب المحافظين الانتخابي صفحة خاصة تعطي مؤشرات للموقف المستقبلي المحتمل منها, فالبرنامج استخدم صورة لأنصار مايسمي الحركة الخضراء المعارضة في ايران, وهذا الموقف ينسجم مع الموقف الأمريكي المراهن علي جهود الدفع باتجاه ثورة داخلية في ايران, وهذا الموقف يواكبه تعهد من المحافظين بأن بريطانيا, في عهدهم سوف تؤيد مايسمي التدخل الانساني في الدول الأخري لو قضت الضرورة. الحرب والتدخل الإنساني وهذا يعني أنه, بغض النظر عن تطور معركة الملف النووي, فانه لو تقرر أن الوضع في ايران يستدعي تدخلا عسكريا لأسباب انسانية فان بريطانيا سوف تكون طرفا فاعلا فيه. هذا النهج يخالف بوضوح موقف شريك الحكم, الديمقراطيين الأحرار الذين يؤمنون بقيم الأخلاق والليبرالية والأمانة سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية. فهؤلاء يرون الاقتراب أكثر من أوروبا والتواصل مع ايران, والأهم هو أنهم يؤمنون بمبدأ منع الحرب وهم يؤمنون بضرورة منع ايران من الحصول علي أسلحة نووية., لكن يرفضون بشدة الحرب ضدها. مأزق آخر في ملف القضية الفلسطينية تواجه الحكومة الجديدة مأزقا آخر بسبب تباين موقفي طرفي التحالف. الحزبان يتفقان علي الالتزام بحل الدولتين وبأن يفسح العرب مكانا لإسرائيل لتكون دولة طبيعية في منطقتهم, غير أن مواقفهما مختلفة حول طرق تحقيق هذا الأمن والنظرة تجاه الفلسطينيين. فقيم العدالة وحكم القانون ستعاد, كما تعهده الديمقراطيون الأحرار, إلي المكانة التي تستحقها في قلب سياسة بريطانيا الخارجية. وكي تتحقق العدالة في الشرق الأوسط فان انسحاب اسرائيل الي حدود ماقبل حرب يونيو1967, بما في ذلك القدسالشرقية شرط ضروري. وفي تفاصيل موقف الديمقراطيين الأحرار, فان اسرائيل لايمكن أن تعيش في أمان إلا اذا تصالحت مع جوارها الفسلطيني والعربي, وأقرت بأن الفلسطينيين هجروا بالقوة من ديارهم. وفيما يتعلق بقطاع غزة فان الديمقراطيين الأحرار يصرون علي العدالة لسكانه بعد الحرب الاسرائيلية وتقرير ريتشارد جولدستون الذي شرح للعالم انتهاكات اسرائيل لحقوق الإنسان الفسلطيني وحرمان فلسطينيي غزة من الحرية بسبب حصار القطاع الذي يحمل الديمقراطيون اسرائيل ومصر المسئولية عنه ويتعهدون بالعمل مع الاتحاد الأوروبي لرفعه.