نتيجة الانتخابات كانت بمثابة حكم الشعب علي الأحزاب وزعمائها وأنا واحد منهم. هذا هو السبب المعلن لإذعان جوردن براون رئيس وزراء بريطانيا للضغوط بالاستقالة من منصبه. لكن براون والمخططين في حزب العمال لم يجدوا غير إعلان عزم براون علي الاستقالة كوسيلة لنسف مساعي حزب المحافظين المعارض للتحالف مع الديمقراطيين الأحرار لانتزاع السلطة من العمال.براون يدرك وهذا ما صرح له به بعض النواب بأنه أحد أسباب فشل الحزب في انتخابات السادس من مايو, هذا وعليه أن يرحل تنفيذا لوعده بأن يتحمل مسئولية آداء الحزب في هذه الانتخابات. غير أنه اختار توقيتا حرجا ليوجه ضربة قاضية لمنافسه ديفيد كاميرون الذي احتشدت وراءه معظم وسائل الإعلام البريطانية. فقد جاءت الاستقالة بعدما أعلن ويليام هيج وزير الخارجية في حكومة الظل المعارضة وأحد أبرز أعضاء حزب المحافظين في التفاوض مع الديمقراطيين الأحرار إن حزبه قدم تنازلا بشأن إصلاح النظام الانتخابي. وكشف عن أن العرض النهائي المقدم لنيك كليج زعيم الديمقراطيين للتحالف مع المحافظين هو موافقة المحافظين علي إجراء استفتاء شعبي علي تغيير نظام التصويت. ولكن الاستفتاء لن يكون علي نظام التمثيل النسبي كما يطالب الديمقراطيون بل نظام يسمي الصوت البديل وهو نظام وسط بين أسلوب التصويت الحالي والتمثيل النسبي الكامل. ونظام التصويت البديل يضمن درجة أكبر من العدالة والتناسب بين عدد الأصوات وعدد المقاعد في البرلمان. وبعد ساعات من إعلان المحافظين عن عرضهم النهائي بدا واضحا أن هناك حالة ارتياح أولية داخل حزب الديمقراطيين ومؤشرات علي أن مؤسسات الحزب سوف تدعم الصفقة مع المحافظين خاصة أن كليج استبق ذلك بتصريحات ألمح فيها إلي قبوله للحلول الوسط من أجل المصلحة القومية للبلاد في هذه المرحلة الحرجة. ولأن براون كان قد تعهد بعدم إجراء مباحثات مع الديمقراطيين قبل فشل مفاوضاتهم مع المحافظين فإنه وحزبه لم يجدا بدا من تغيير المناخ السياسي الذي أطلق فيه هذا التعهد. ولأنه يدرك أنه سوف يستقيل عاجلا أم آجلا فإنه اختار الإعلان عن التنحي الآن ليغير المعادلة الحالية ويتوفر المبرر لأن يعيد كليج النظر في موقفه ويفتح أبواب التفاوض الرسمي مع العمال, لاسيما وأنه قال من قبل إنه لا يوافق علي أن يظل براون قائدا لبريطانيا في المرحلة المقبلة. وقبيل إعلان براون عزمه الاستقالة سرب حزب العمال معلومات تقول إن قادة الحزب يقبلون من حيث المبدأ ليس فقط سن قانون ينص علي اتباع نظام الصوت البديل حتي قبل طرحه في استفتاء عام بل الانتقال في مرحلة لاحقة إلي نظام التمثيل النسبي الذي يحارب من أجله الديمقراطيون الأحرار والمطالبون بالإصلاح السياسي الشامل. أمام العرض الأولي من جانب العمال سحبت الذرائع من يد أنصار التحالف المحتمل مع المحافظين داخل حزب الديمقراطيين الأحرار وهم قليلون. وتعزز موقف المؤيدين للتحالف مع العمال. وبقي التخوف الرئيسي يتمثل في سؤال حول شكل التحالف المحتمل بين العمال والديمقراطيين الأحرار. فإجمالي عدد مقاعد الحزبين في البرلمان سيبلغ315 مقعدا فقط(285 للعمال و57 للديمقراطيين) وهو يقل عن الأغلبية المطلوبة ب11 مقعدا. فكيف يمكن تدبير العدد الباقي. والحل لدي الأحزاب الصغيرة التي كان بعضها ومنها الحزب الوطني الأسكتلندي قد دعا الديمقراطيين إلي توسيع دائرة التحالف. غير أن هذا الحل يستدعي تقديم تنازلات للأحزاب الصغيرة وسيجعل الائتلاف الحاكم رهينة لها وتصبح الحكومة مهددة بالسقوط في أي وقت لتضطر الأحزاب جميعا إلي الاتفاق علي إعادة الانتخابات. وهذا ما لا يريده حزب العمال إلا بعد تغيير زعيمه وتمكينه من ترميم الحزب واستعادة ثقة مؤيديه. وليس من المستبعد في حالة الاتجاه لتشكيل مثل هذا التحالف الهش أن يعود زعيم المحافظين إلي البديل الأول الذي عرضه أو بالأحري هدد به من قبل وهوتشكيل حكومة أقلية باعتباره الفائز بأكبر عدد من الأصوات(36 في المائة) والمقاعد( حوالي47 في المائة). وهنا ستكون الحكومة هشة غير مستقرة كما يقر المحافظون أنفسهم. ربما تكون ضربة براون قد عطلت تحالف المحافظين والديمقراطيين ولكنها دفعت البلاد دفعا إلي إعادة القرار إلي الشعب الذي ربما يعيد النظر في حكمه علي أحزابه بما فيها العمال بعد تغيير الزعيم. وعلي كل حال فقد كانت إعادة السلطة للشعب تعهد قطعته الأحزاب الثلاثة الكبري علي نفسها قبل أن تفشل في الاختبار الأول.