نحن الان امام مشهد مأساوي يدعو للحزن عندما يستغيث المجمع العلمي المصري اعرق واقدم المؤسسات العلمية الاصيلة بتراثها ومكتبتها200 الف كتاب وكان يضم ايضا النسخة الاصلية من موسوعة وصف مصر(20 مجلدا)، وقد سجله300 عالم وفنان في كل العلوم الانسانية من فرنسا سجلو بالريشة والقلم مصر كلها نيلا واثارا وثقافة وحياة اجتماعية والتراث الانساني من فنون وعادات وتقاليد وموروثات منذ اكثر من215 عاما. هذا عدا الاطالس النادرة مثل اطلس مصر واثيوبيا(1842) واطلس ليوس لولي عهد مصر الأمير محمد علي واطلس الهند القديمة واطلس مصر الدنيا والعليا.. اضف الي ذلك700 كتاب من نسخ اصلية طبعت منذ ستة قرون مضت.اغلب هذه الثروات احترقت.. وبعضها اتلف.. ولايزال المجمع ومكتبته يتربص كما الغوغاء واللصوص.. رغم عدم وجود ما هو مغر للسرقة.. ولكن اغلب الظن ان اللصوص يظنونه مبني للامن خاص بالشوري. سلطت الاضواء علي المجمع العلمي المصري, الذي يحمل تاريخا تجاوز ال200 عام وتحمل المجمع سوء حظه العثر بصبر ومرارة نتيجة مكانه وموقعه في بؤرة احداث ميدان التحرير وشوارع قصر العيني ومحمد محمود ومجلس الوزراء, وفي لحظة مأساوية جرحت عقول مصر وقلوب شعبها احترق المجمع والتهمت السنة اللهب نسبة كبيرة من المراجع والكتب والمخطوطات والموسوعات, ولم تفلح المحاولات من انقاذها, ونجحت المحاولات الاخري في انقاذ بعض الكتب التي هاجرت باصابتها المتعددة من احتراق بعض الصفحات وبلل صفحات اخري وتدمير اغلفه لكتب نادرة.. ورحلت الكتب المجروحة لحفظها وترميم بعضها ولما التئم الجرح عادت الكتب الي رفوفها واستقرت بلا تصنيف واندفع كل المصريين بعد ترميم المبني الي التبرع بمكتباتهم في محاولة لتضميد الجرح وتخفيف الألم.. ولكن هيهات. تقدمت الدول والمكتبات والهيئات والمراكز الثقافية وامدت المجمع بمجموعات قيمه وهدأت النيران وجفت الدموع وتم ازالة شلالات المياه السوداء وهي تحمل رماد الكتب, مواقف انسانية رائعة تصدرت المشهد المؤلم من ابرزها. تبرع سلطان القاسمي حاكم الشارقة بمكتبته للمجمع... وفاء وحبا للبلد الذي احتضنه طالبا وخريجا وطالبا للدراسات العليا إلي ان عاد الي بلاده حاكما.. حاملا رسالة الدكتوراة. طبيب يتبرع بمكتبة والده رحمة علي روح والده وتخفيفا لألم الحريق مواطن بسيط من عابدين جاء ومعه كل رصيد مكتبته هبة للمجمع عائلات تبرعت بمكتباتها ومكتبات آبائها واجداها. المجمع الفرنسي الشقيق الاكبر للمجمع العلمي المصري تبرع بنصف مليون كتاب المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة وهب نصف مليون كتاب للمجمع مكتبة الاسكندرية اوفدت بعثة الي القاهرة لتصنيف الكتب القوات المسلحة دفعت6 ملايين جنيه لترميم المبني شركات المقاولات المصرية هبت لانهاء عملية الترميم واعادة البناء في زمن وجيز وتحد كبير. كلها صور عظيمة تجسد معاني وطنية وتكاتفا لموقف انساني ثقافي هذا بالاضافة الي وصول82 طردا من الكتب هديد من مركز البحوث والدراسات الكويتية. السؤال ماذا يتوقع المهيمنون علي المجمع ان تصبح صورته؟ الاجابة علي لسان امين المجمع د. محمد الشرنوبي استاذ علم الجغرافيا بجامعة الفيوم وامين عام المجمع: بالضرورة سوف يمضي المجمع في طريقه الذي انشئ من اجله وسوف تعقد اجتماعاته الشهرية وسوف يعود الخالدون في المجمع الي قواعدهم يثرون الاجتماعات والندوات بمداخلاتهم وعلمهم الغزير وسوف تعود مساحات القراءة الي نظامها والاطلاع والاعارة الخارجية. ولكن يبقي شئ مهم, وهو موقع المجمع من سخونة الميدان الذي دخل التاريخ بارهاصاته ونداءاته وهتافاته واعتصاماته, ولا شك ان كل هذه الانشطة سوف تؤثر علي حجم النشاط وتأججه لان اعضاءه من العلماء المعمرين واجتماعاته عادة ما يكون في المساء وسوف يعود كل هذا بعد رفع الاسلاك الشائكة والحوائط الاسمنتية للوصول الي المجمع وعودة الهدوء لمنطقة ميدان التحرير. هل اكتملت رفوف المكتبة؟ في طريقها.. هل انت مطمئن إلي سلامة المبني حتي لا تتكرر المأساة مرة أخري؟ غير مطمئن لقد وقعت ثلاث غارات علي المجمع من ملثمين ولصوص وموتورين ومأجورين.. وقد استغثت بكل المسئولين لحماية المبني وسكانه من الكتب التراثية وامل ان يمتد امن مجلسي النواب والشوري الي مبني المجمع اليتيم لحمايته. وقد استجابت وزارة الداخلية امس بتخصيص سرية كاملة من افراد الأمن المركزي لحراسته24 ساعة, وهو الامر الذي اثلج صدر المجمع واعضاءه. هل سوف تسجل شريط الأحداث التي ألمت بالمجمع؟ بالضرورة لأني عاصرت اللحظات المؤلمة وكلما أري ألسنة اللهب تخرج من احد نوافذ المجمع اعرف قدر الخسارة من كل نافذة واسماء الضحايا من الكتب, ولن يفارق خيالي الشباب المغيب المأجور وهو يتراقص مع تراقص السنة اللهب وهي تخرج من نوافذ المبني ال22 ولن انسي جنود وشباب عابدين والسيدة زينب وقد هبوا لنجدة الكتب من النار ولن انسي الشباب المدفوع وهم يحرمون المجمع من عملية الإطفاء التي فشلت من مركز أطفاء المجمع الذي يبتعد لمسافة10 امتار ولكن لم يكتفوا بما فعلوه و تعمدوا حرق عربات المطافئ حتي لا تقدم علي إخماد ألسنة اللهب وهي تلتهم تاريخ وحضارة وثقافة وتراث دولة بحجم مصر.. انه مشهد اقل ما يوصف بأنه مؤسف ومحزن.. بل ومبك. هل تفكرون في نقل المجمع من مكانه؟ نعم هناك تفكير في نقله الي مدينة6 اكتوبر, وقد وعد حاكم الشارقة بنفقات بناء المجمع باعتباره عضوا به وتأسيسه علي نفقته الخاصة, وان كان المجمع بموقعه الحالي مناسبا لزواره ولكنه قدره ان يكون في بؤرة الاحداث. ما خطة المجمع بعد ان هدأت النيران؟ نحن نسعي الي سرعة تصنيف المكتبة حتي يجد الزائر ضالته, وقد وعدت مكتبة الاسكندرية بايفاد بعثة لتصنيف المكتبة بما تملكه من عناوين قديمة وحديثة بعضها مصاب وتم تأهيله والآخر مكتمل هذا عدا هبات المثقفين ومحبي مصر التي قد تعوض ارفف مكتبة المجمع من المساحات الخالية وسوف نقوم بتسجيل كل هذه العناوين واغلفتها ونضع موقعا علي الانترنت ونضع السياج الذي يحمي هذا التراث.ولا ننسي جهد القوات المسلحة عندما رصدت6 ملايين جنيه لاعادة ترميم المجمع وتأسيسه وهيئة الكتاب التي احتضنت المكتبة أثناء الترميم ولاننسي جهد مركز الوثائق بدار الكتب والمجهود الذي بذل لاعادتها الي طبيعتها. يقولون ان ثمن الخسائر يقدر ب100 مليون جنيه؟ انها خسارة لاتقدر بمال انها خسارة إتلاف تراث وطن.. وذاكرة أمه ورغم ما صرفته القوات المسلحة من الملايين فإن المحاولة الأخيرة مع الذكري الثانية لثورة يناير ابي اللصوص والمأجورون والمتربصون ان تمر الذكري دون احداث اذي للمجمع فقاموا بشق باب مدخل المجمع الخشبي وكسروا كل الابواب علي الاسوار الخارجية التي تم ترميمها ودمروا كوالين الابواب علي وعجزت عمليات تعلية أسوار المجمع في صد هجمات اللصوص الذين استفادوا من السدود الخرسانية التي تحتل رأس شارع الشيخ ريحان المؤدي الي وزارة الداخلية وقفزوا الي داخل المجمع وأمس فقط بدأت عمليات الإصلاح للمرة الثالثة بعد ان قمت بتحرير محضر بقسم قصر النيل للمرة الثالثة ايضا.ويتساءل امين المجمع متعجبا كل الابنية المحيطة والمطلة علي المجمع لم يمسسها سوء فأمامي الجامعة الامريكية والمجمع ونقطة اطفاء المجمع والبنك ومجلسا النواب والشوري والجمعية الجغرافية.. لماذا الهجمات الشرسة علي المجمع العلمي ومكتبته! ويفسرها بقوله ربما يظن البعض ان مبني المجمع العلمي هو مبني شرطي تابع لقوة امن مجلس الشوري!