احتفلنا خلال الأيام الماضية بإعادة افتتاح مبني المجمع العلمي مرة أخري بعد إعادة تجديده وتطويره علي إثر محاولة حرقه وتدميره منذ عدة شهور ضمن الأحداث التخريبية المؤسفة التي شهدتها منطقة قصر العيني والتي تضم مقر الحكومة ومجلسي الشعب والشوري، وبعض مؤسسات الدولة المهمة. ونتذكر وقتها كيف أتت النيران علي مبني المتحف الأثري والتهمت جزءا كبيرا من تراثنا العلمي من كتب ومخطوطات ومراجع علمية وخرائط ووثائق نادرة بكي عليها العالم متضامنا معنا في هذا المصاب الحضاري الأليم وسارعت كبري الدول والمنظمات الثقافية العالمية في شتي مجالات العلوم والمعرفة الإنسانية لتقديم يد العون والمساعدة لمصر لإعادة بناء وترميم ما دمرته نيران الغل والحقد والكراهية التي ارادت اغتيال عقل وضمير مصر الثقافي في غفلة من الزمن علي أيدي حفنة من البلطجية واللصوص والمرتزقة والعملاء الذين أرادوا تشويه شباب الثورة الأحرار الأنقياء بارتكاب هذا الفعل الفاضح الجبان. ولمن لا يتذكر هذه الأيام المؤلمة أقول إن قواتنا المسلحة الباسلة قررت أن يتحمل رجالها مهمة إعادة بناء وترميم المبني الأثري الرائع للمجمع العلمي وتم تعيين د.إبراهيم بدران العالم الجليل ووزير الصحة الأسبق وأحد كبار شيوخ البحث العلمي في مصر رئيسا للمجمع خلفا للرجل الجليل د.محمود حافظ الذي رحل مع الخراب الذي أصاب هذا الصرح العظيم حيث تعرض لألم نفسي شديد. وقد تضافرت كل الجهود العلمية لانقاذ كنوز المجمع العلمي فقام خبراء دار الكتب والوثائق القومية وهيئة الكتاب وأساتذة الجامعات وغيرهم بعمليات الترميم لتراث المجمع إلي جانب قيام بعض الشخصيات والمثقفين من داخل وخارج مصر بأهداء ما لديهم من كتب نادرة ومراجع علمية وثقافية مهمة لتكون بديلا عن تلك التي إلتهمتها النيران لتسترد مصر ذاكرتها من جديد وتظل بهذا المجمع العلمي العريق حاملة لمشاعل التنوير في العالم وشاهدة علي عصر كان فيه حضارة المصريون مادة للفكر الإنساني الذي بنت من ينابيعه الأمم الأخري حضاراتها وتراثها في شتي مجالات العلوم والفنون والثقافة. انني كنت أتمني أن يكون إعادة افتتاح المجمع العلمي حدثا ثقافيا عالميا تحتفي به كل أجهزة الدولة علي المستويين الرسمي والشعبي. لا أن يأتي من خلال حفل محدود ومتواضع يحضره وزير الثقافة محمد صابر عرب ومعه بعض رموزنا الثقافية مع مجموعة من قيادات قواتنا المسلحة وقلة من السادة السفراء العرب والأجانب وأن تتناوله نشراتنا الأخبارية كخبر ضمن أخبارها العادية كتحصيل حاصل لحدث محلي ينبغي تغطيته من الناحية المهنية فقط وتلك هي المصيبة! يا سادة كان ينبغي أن تعد رئاسة مجلس الوزراء احتفالية ضخمة عالمية بهذه المناسبة يدعي فيها كل السفراء لا عدد محدود منهم يعد علي أصابع اليد بجانب حشد هائل لكل السادة مندوبي الهيئات والمنظمات الثقافية العالمية ومراكز البحوث العالمية وكبري المكتبات وقادة الفكر الإنساني وأساتذة الجامعات والمثقفين وجميع المشتغلين بقضايا التراث العلمي في داخل مصر وخارجها مع وجود تغطية إعلامية محلية وعالمية تعلن للدنيا كلها أن مصر قد تعافت من نكستها العلمية وإعادة افتتاح مجمعها العلمي وأن شمسها الذهبية لن تنطفيء أبدا وأن أحفاد الفراعنة لن يفرطوا حتي قيام الساعة في تراث أجدادهم الإنساني فالمبني الأثري قد تم ترميمه بالكامل ونسبة كبيرة من محتويات المجمع قد تم معالجتها وترميمها أو قد تم والحمد لله استعواضها ببديل صورة طبق الأصل مما قد سرق أو نهب أو اغتالته النيران مع إقامة الندوات والأمسيات العالمية الفنية والأدبية والعلمية التي تتحدث عن هذا الحدث الذي مر علينا بكل اسف مرور الكرام مثله كمثل أية حوادث أخري تصيب أية مرفق من مرافق الدولة ويعاد تشغيلها مرة أخري من خلال احتفالية متواضعة شكلا ومضمونا. انني أحيي رجال قواتنا المسلحة وجميع الخبراء الذين تولوا عمليات الترميم في دار الكتب والوثائق القومية ووزارتي الثقافة والآثار حيث بذلت كل منهما جهدا فوق طاقة البشر مع غيرهم من جميع الاجهزة بالدولة حتي زالت الغمة وعاد البريق واللمعان يطل علينا من مبني المجمع العلمي في نفس المكان الذي شيد فيه منذ عشرات السنين وقد أزدانت جدرانه بهدايا قيمة لعل من أهمها مكتبة الراحل القدير د.محمود حافظ حيث نفذت أسرته وصيته وأهدت مكتبته إلي المجمع بجانب الهيئات الأخري التي تبرعت بما لديها من كتب ووثائق وخرائط ومخطوطات نادرة لتزيد من ثراء المجمع العلمي وأخص بالذكر الجمعتين التاريخية والجغرافية ومؤسسة البابطين ومؤسسة الصحة العالمية وهيئة الاستشعار عن بعد وهيئة المساحة الجيولوجية إلي جانب ما تبرع به بعض الأفراد الذين كانوا يمتلكون نسخا نادرة كالتي ألتهمتها النيران في الحادث المؤسف في يوم 17 ديسمبر الماضي فتبرعوا بها بكل نفس راضية حبا في تراب هذا الوطن. يا ليتنا نقيم في شهر ديسمبر المقبل وتحديدا في ذكري الحادث المشئوم احتفالية كبري علي مستوي عال يحضرها د.محمد مرسي رئيس الجمهورية وكبار قيادات الدولة ورموز العالم من المثقفين والمبدعين والعلماء والمفكرين والسياسيين ليؤكدوا لكل شعوب العالم أن مصر كانت وسوف تظل منارة للعلم والحرية وانها قد تمرض لبعض الوقت ولكنها لن تموت أبدا حتي يرث الله الأرض ومن عليها.