من أسماء الله تعالي الحسني اسم زالواسعس قال تعالي:(إن الله واسع عليم),البقرة:115], وقال سبحانه:( والله واسع عليم),النور:32], وهو مشتق من السعة,والسعة تضاف مرة إلي العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة, وهذا المعني ثابت في حقه تعالي, حيث أشار إلي ذلك كليم الله موسي عليه السلام في خطابه لأمته قاصدا تعليمهم صفات الإله الحق, قال تعالي:(إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما),طه:98]. وتضاف كذلك إلي الإحسان وبسط النعم, وهذا المعني ثابت في حقه تعالي أيضا; وبهذا المعني وسابقه يتوسل حملة العرش والملائكة إلي ربهم في أن يغفر للمؤمنين, قال تعالي:(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم),غافر:7], وفي ذلك إشارة إلي أن الرحمة وسعت كل موجود في الدنيا; فما من موجود إلا وقد نالته قسمة من رحمة الله سواء في ذلك المؤمن والكافر والإنسان والحيوان. وقد ورد الموسع علي وزن زمفعلساسما لله تعالي, وهو اسم فاعل من أوسع, حيث ورد بصيغة الجمع مرفوعا للدلالة علي العظمة والجلال, وذلك في قوله تعالي:(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون),الذاريات:47], وهو من باب دلالة الاسم علي وصف الفعل, ومعناه: لذوسعة لايضيق علينا شيء نريده. ومعني اسم زالواسعس في حق الله تعالي أنه وسيع الملك والملك,كثير الرحمة والعطاء,لا يستغني أحد عن عطائه لا في مبدئه ولا في منتهاه, العالم بالكليات والجزئيات, لانهاية لبرهانه,ولا غاية لسلطانه, ولا حد لإحسانه. ويجب علي المسلم أن يعتقد أن الله تعالي هو الواسع المطلق, لأن إحسانه ونعمه لا نهاية لفيوضاته, وكذلك علمه تعالي لا ساحل لبحر معلوماته, بل تنفد البحار لو كانت مدادا ولا تنفد كلماته, قال تعالي:(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم),لقمان:27]. ولقد تخلق أنبياء الله تعالي ورسله عليهم السلام باسم الله الواسع, ومظاهر ذلك كثيرة تتمثل في حرصهم علي التعلم والاستفادة مع كونهم يوحي إليهم, فضلا عن أخلاقهم النبيلة, وتعاملاتهم مع أممهم بالسعة في العلم والرحمة والعطاء, ومن ذلك: قوله صلي الله عليه وسلم للأعرابي:القد حجرت واسعاب-يريد رحمة الله- حينما دعا قائلا: زاللهم ارحمني ومحمدا,ولا ترحم معنا أحداس(صحيح البخاري/6010), وكذلك وصيته لأمته بأن يوسعوا أخلاقهم للناس; إذ الأموال لن تتسع لعطائهم, فقال صلي الله عليه وسلم:اإنكم لن تستطيعوا أن تسعوا الناس بأموالكم, فليسعهم منكم السلام,وحسن الخلق( جامع ابن وهب/499). فعلي المسلم أن يتخلق باسم ربه الواسع, وذلك بأن يحرص علي الاستزادة من تعلم ما يفيد به نفسه ودينه ومجتمعه وأمته, وألا يغتر بما حصل من العلم, وليوقن أن فوق كل ذي علم عليم. وأن يسعي جاهدا مجاهدا نفسه إلي أن تتسع أخلاقه فلا يخاف الفقر وغيظ الحسد وغلبة الحرص, وأن يرحم الناس حتي إذا عمل عنده أجير فلا يكلفه فوق طاقته, تخلقا باسم الله الواسع, قال تعالي:(ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون),المؤمنون:62]. وأن تتسع دائرة إحسانه حتي يشمل نفسه وأهله وإخوانه وجيرانه وأصدقاءه ومعارفه بقدر الوسع والطاقة, وعليه أن يتحري عند فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالي ومرضاته; فمن لم يبتغ وجه الله تعالي مخلصا كان كمن لم يفعل شيئا, وقد ورد من بين الثلاثة الذين هم أول من يدخلون النار:سورجل وسع الله عليه, وأعطاه من أصناف المال كله, فأتي به فعرفه نعمه فعرفها,قال: فما عملت فيها؟قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك,قال: كذبت,ولكنك فعلت ليقال: هو جواد,فقد قيل,ثم أمر به فسحب علي وجهه,ثم ألقي في النار(صحيح مسلم/1905). وأن يرضي بما قسم الله تعالي له ويدرك أن البركة والزيادة مرهونان برضا العبد بما أعطاه ربه, وقد ورد مرفوعا عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:اإن الله يبتلي عبده بما أعطاه,فمن رضي بما قسم الله له,بارك الله له فيه, ووسعه,ومن لم يرض لم يبارك له(مسند الإمام أحمد/20279). فاللهم كما منحت وأجزلت لنا العطاءفيما مضي نسألك أن توسع علينا علما وخلقا فيما بقي حتي لا نحتاج لغيرك, ونكون سببا في إيصال خيرك لخلقك. المزيد من مقالات د. علي جمعة