طالب علماء الدين جميع المصريين التمسك بوحدتهم والعمل سويا يدا واحدة من أجل نهضة بلدهم ونبذ أي أسباب للفرقة وتحقيق مبادئ الإخاء والتعاون بين جميع أبناء الوطن الواحد. وأكد علماء الدين أن مصر في أمس الحاجة الآن لإعلاء قيمة العمل والتفرغ لبناء المستقبل بعد إقرار الدستور الجديد, والمسارعة والاسهام في بدء دوران عجلة الإنتاج كل في مجاله,خاصة ان الفترة الانتقالية شهدت خسائر فادحة في الأموال واستنزاف قدركبير من احتياط النقد الأجنبي للدولة مما ينذر بعواقب وخيمة علي الجميع, كما أدت كثرة المظاهرات والاحتجاجات الفئوية والإضرابات الي تعطيل شبكات النقل والمواصلات مما ترتب عليه وقف عجلة الإنتاج في أماكن مختلفة بالدولة, بالإضافة إلي الانفلات الأمني والأخلاقي الموجود في الشارع المصري. واكد العلماء أن التنمية والاستقرار لن يتحققا إلا من خلال العمل الجاد, باعتبار أن العمل فرض علي الجميع,مطالبين بإعلاء ونشر ثقافة و قيم العمل حتي تخرج الأمة من أزمتها وكبوتها. قيمة عليا يقول الدكتور أحمد عمر هاشم, رئيس جامعة الأزهر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء, إن العمل قيمة عليا من قيم الإسلام,ويكفي أنه لم يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا وله عمل وحرفة,موضحا أن العمل أساس الدين وركيزة الإيمان وقوام الحياة الطيبة لذلك أحاطه الإسلام بضمانات تكفل تحقيق غاياته,في الحفاظ علي حياة الفرد والجماعة بسبب ما نشاهده من تفشي الفقر علي المستوي المحلي والمستوي الدولي, فأغلبية السكان تعاني الفقر والجوع والحاجة, وفي حاجة ماسة لتأمين ضروريات الحياة المعيشية من الطعام والشراب والملبس والمسكن والعلاج والتعليم والعديد من أفراد المجتمع تعيش تحت خط الفقر,مؤكدا أن دوران عجلة الانتاج لابد ان يبدأ وعلي الفور لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي تصيب الجميع,وان مشاركة الجميع كل في مجاله,أصبحت فريضة. وأشار الي أن أحكام الإسلام واضحة في ضرورة مكافحة الفقر,وضمان احتياجات الإنسان والتحذير منه,نتيجة الآثار المدمرة الناشئة عنه من التخلف والقهر والعوز والفاقة وتجلياتها واضحة ملموسة في الواقع, بكل ما يترتب عليه من حرمان وتسول وفاقة وانحراف وإهدار للطاقات وضياع للموارد, وهي مشكلة قائمة علي المستوي المحلي,وعلي مستوي العالم الإسلامي, ولا شك أن البطالة قنبلة موقوتة توشك علي الانفجار إذا لم تكن هناك خطط عاجلة لدفع عجلة التنمية وإيجاد فرص عمل تحقق العيش الكريم لكل أبناء الشعب. الإضرابات ضد الإعمار أما الدكتورعلوي خليل أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر, فأكد أنه نتج عن تعطل دوران عجلة الانتاج في الفترة الماضية بسبب كثرة الإضرابات والمظاهرات الفئوية والاحتجاجات تخلف وتعثر في عمليات التنمية واهتزاز في الاقتصاد مما ينذر بعواقب وخيمة, وهذا يتناقض مع الأمر القرآني بالعمارة وهي التنمية في قوله تعالي هوأنشأكم من الأرض واستعمركم فيها... أي: طلب منكم إعمارها,ووسيلة الإعمار العمل, ومفاد هذا أن التنمية فرض محتم علي الفرد والجماعة. وأشار الي أن التنمية بالعمل تعتبر واجبة لإزالة حالة التخلف التي تجعل الدولة عالة علي غيرها من الدول الأجنبية, بما يترتب عليه من التبعية والتأثير علي حرية قرارها ورسم مستقبلها ورفعة مكانتها في المجتمع الدولي, لذا نحن بحاجة ماسة لاستعادة قيمة العمل, وإشاعة ثقافة الجدية والسبق إلي الإنتاج علي المستوي الفردي والجماعي, وتوجيه الفرد وتنمية استعداده باعتباره الركيزة في التنمية المطلوبة. وأوضح علوي خليل ان العمل يعتبر هو عنصر الإنتاج الأساسي, وعده الإسلام أفضل انواع الكسب قال صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف ما اكل أحد قط طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده. وسيلة لتقدم الأمة وفي سياق متصل أكد الدكتور عبد الفتاح عاشور, أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر, أن ثمة حقائق أساسية عن العمل كواجب ديني ومعاشي تتجلي في أن هناك مسلمات تمثل ضمانات للعمل المطلوب منها. إن العمل فريضة إسلامية للقادر عليه لإغناء نفسه وتوفير ضروريات حياته لنفسه ولمن يعول, وجاء الخطاب الإسلامي مقررا لهذه الحقيقة, بصيغة الفرضية والتكليف علي المستوي الفردي فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره, وقوله تعالي: من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة, وعلي مستوي الخطاب العام: وقل اعلموا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون,كما أن العمل وسيلة فاعلة لتقدم المجتمع وبلوغه مكانة مرموقة بين الأمم والشعوب. وأشار إلي أن الإسلام ضبط سلوك الفرد في أدائه ووجهته إلي العمل المنتج الذي يسد حاجة الفرد, وينفع المجتمع, ويترك أثرا ملموسا علي حياة الفرد والأمة, وهو مغزي التأكيد القراني علي العمل النافع بأنه العمل الصالح, فالفائزون من الناس هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وهو نص قوله تعالي والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. كما أن العمل يبرز قيمة الفرد ويحدد مكانته, ويتبوأ موقعه في المجتمع بقدر عمله وحسب مجهوده وطاقته وما يحققه لمجتمعه,وهو ما يظهر في قوله تعالي ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون, وبذلك يتبوأ الفرد مكانته المرموقة في الهيئة الاجتماعية بقدر عمله وإبداعه فيه0 إتقان العمل ومن جانبه أوضح الدكتور عبدالغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر أن الأمر الإسلامي للفرد والجماعة بالتكليف بالعمل والإلزام به لما فيه صالحه, يضمن له إخراجه من حالة الفقر والفاقة والعجز والتسول إلي الوفاء بضروريات حياته, واحتياجاته الأساسية, وهو الملحوظ في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه,وقد حث الإسلام علي وجوب إتقان العمل وعدم التوقف عن إجادة فيه,وتطويره من أجل الحصول علي كسب أعلي وعائد أكبر, والدلالة علي هذا واضحة كما في الحديث إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وقوله صلي الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلي وابدأ بمن تعول, والإتقان يكون ببذل أقصي الجهد بغية الوصول إلي أعلي إنتاجية, والتميز في نوعيته والارتقاء بدرجته, باعتبار أن الجودة قيمة أساسية من قيم العمل في الإسلام, والجودة تكون بالبحث المتواصل لابتكار أفضل الأساليب لتحسين المنتج, وزيادة عائده والتقليل في تكلفته, والتحول من الجيد للأجود بلوغا لأعلي تنمية ممكنة. وأشار إلي أن سبيل تحقيق ذلك,العلم والمعرفة المستديمة الهادفة إلي زيادة إنتاجية الفرد, وتعظيم التنمية في المجتمع, لذلك كان العلم هو سبيل الرفعة والفلاح في قوله تعالي يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتوهو ما يناقض الممارسات العملية للفرد والجماعة في المجتمع, وما تسجله من إحصائيات صادقة عن إنتاجية الفرد خاصة بعد ازدياد المظاهرات والاحتجاجات الفئوية. وأشار الي أن شعار المؤمن قوله تعالي وقل رب زدني علما, فطلب التزود بالعلم لسعادة الدين والدنيا والإرتقاء بالعمل والعاملين ضرورة,حيث إن الاسلام يفرض فرضا محتما علي كل فرد السعي للحصول علي عمل يسد حاجته ويوفي بضرورياته الأساسية وواجب الدولة والمجتمع معا إتاحة فرص العمل المنتج والكسب النافع قال تعالي فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله, يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:( لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق, فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة) وأوضح أنه يتطلب من الدولة تمليك الشباب القادر بعض عناصر الإنتاج كما في إتاحة الفرصة أمامه لعمل المشروعات الصغيرة وتعمير الصحراء استمدادا من الحكم الشرعي في إحياء الموات وإعمار الأرض وهو مطلب فردي وجماعي, وهو ما قرره الحديث الشريف من أحيا أرضا ميتة فهي له وفيها إشارة إلي إعلاء الكسب بالعمل اليدوي وإعلاء مكانة القائمين عليه, والدعوة إليه باعتباره صرح البناء ووسيلة التنمية وقد ثبت أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد شارك صحابته في العمل بيده في أكثر من مناسبة,ومن المعلوم أنه عمل بيده الشريفة صلي الله عليه وسلم في بناء مؤسسة الإيمان الأولي في الإسلام مسجد قباء, كما لم يستنكف أي عمل او يقلل من قدره, يشهد لذلك مقولته لبعض أصحابه تقديسا للعمل وعلي جمع الحطب وهو أمر له مغزاه في هذا الخصوص وما أجدر بشعبنا أن يصحح المفاهيم المغلوطة عن تدني قيمة العمل وصاحب العمل اليدوي ووضعه في أسفل السلم الاجتماعي, وليعلم الجميع أن أحد أسباب تخلفها احتقار هذا النوع من العمل والنظرة الدونية له.