حذر علماء الدين من حالة التخوين والشقاق التي تسود بين القوي والتيارت السياسية في الوقت الحالي, وطالبوا الجميع بضرورة تنحية الخلافات والمصالح الشخصية ونبذ الفرقة والجلوس علي مائدة الحوار والبعد عن التخوين وعدم توجيه الاتهامات للمخالفين في الرأي, لأن هناك قضايا كلية نتفق عليها ومن الممكن أن تكون ركائز لحوار هادئ بعيدا عن الصراعات التي تؤثر علي حاضر ومستقبل الوطن, وشدد العلماء علي ضرورة توقف كل القوي والتيارات عن حشد المؤيدين في الميادين, لأن هذه المليونيات أصبحت تضر ولا تنفع, وأزمات الوطن لن تحل بهذه الطريقة, والحوار هو الطريق الوحيد لتقريب وجهات النظر بين فرقاء الوطن, فمادام الجميع يهدف لمصلحة مصر فلماذا يصر الجميع علي أن يظل الشارع المصري في حالة تخبط وإنفلات أخلاقي وسلوكي نتيجة لتصرفات النخبة والقوي السياسية. وطالب الدكتورالأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر جميع القوي والتيارت والأحزاب السياسية بوضع مصلحة الوطن العليا فوق كل إعتبار, لأن ما تمر به البلاد حاليا ليس حراكا سياسيا ولكن إنفلات أخلاقي وسلوكي وللأسف هذا يحدث بين النخبة والشخصيات التي من المفترض أنها توجه الناس وتقود الرأي العام, ويشير إلي أن الخلاف السياسي والفكري من الأمور الجيدة عندما يتم إستخدام هذا الخلاف لما فيه مصلحة الوطن فيقدم كل حزب أو حركة سياسية وجهة نظرها ومشروعها السياسي لخدمة الوطن, ويتم الأخذ بأفضل هذه المشروعات لما فيه مصلحة جميع أبناء الأمة, أما حالة التخوين والخلاف الذي يصل لدرجة التناحر وإستخدام العبارات الجارحة التي بدأت تنتشر في الوقت الحالي فلا تعبر عن أي خلاف إيجابي لكن تعبر عن حالة من التخبط والسعي وراء المصالح الشخصية دون وعي بالمخاطر التي تهدد كيان الوطن, وطالب جميع القوي والتيارات بتوحيد الكلمة وجمع الصف ونبذ الفرقة والخلاف, فمصر التي قامت بثورة عظيمة تستحق من الجميع العمل والإنتاج والوحدة والبعد عن الخلاف والشقاق الذي يهلك الأمم والمجتمعات. ويشير إلي أن الحوار هو الحل الوحيد لتجاوز المحن والأزمات التي يمر بها الوطن حاليا, ولابد أن تجلس قيادات العمل السياسي والحزبي علي طاولة الحوار وأن يكون الهدف الوحيد للجميع هو مصلحة مصر, فالحوار العاقل الجاد يساعد علي تقريب وجهات النظر بين أبناء الوطن الواحد, ولا يجب أن يتمسك كل طرف برأيه ويري أنه صواب وغيره خطأ, لأن هذا الأسلوب يفرق الصفوف ويوجد حالة من العداوة بين الجميع, فلابد أن تجلس القوي الوطنية ويستمع كل طرف للآخر في جو من التسامح بعيدا عن حالة التخوين والتناحر. ويري أن اختلاف وجهات النظر دليل علي عمق المواطنة والحب لمصر ومستقبلها, لكن هذا لا يعالج بالعنف لكن يعالج بالحكمة, ولابد أن نحسن الظن بالآخرين, وكل من يقول رأيه ويجتهده فهو مأجوربإذن الله لكن بشرط ألا تنطوي قلوبنا علي كراهية وإساءة مهما اختلفت الآراء, ويري أنه إذا كان الجميع يهدف لمصلحة الوطن فلماذا تصاع ولا يحترم بعضنا بعضا ؟, بالرغم من أن هناك قضايا كلية نتفق عليها جميعا ومن الممكن أن تكون ركائز للحوار الذي يساعد علي الخروج من الأزمات الراهنة. العمل بروح الفريق ويذكر الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه جامعة الأزهر جميع القوي والتيارات السياسية بقول الله تعالي أليس منكم رجل رشيد, ويخاطبهم قائلا: اتقوا الله في هذا البلد, وليعمل الجميع بروح الفريق, فإن مصر التي أعزها الله تعالي بذكرها في كتابه مرات عدة, ووصفها بكثرة الخير والنعم والأمن, تطلب من الجميع أن يتحقق لها ما أراد الله سبحانه, لا أن تكون خرابا ينعق فيها البوم, ألا فليراجع كل منا موقفه من غيره, وأن يترك للحاكم فرصة إنقاذ المجتمع من الكبوة التي تردي فيها, وأن يعملوا وينتجوا لخير هذا البلد, وإشباع حاجات أهله, وليأخذوا العبر من البلاد التي سيطرت الخلافات بين أفرادها, فمازالت تصطلي بأتون هذه الخلافات, وتقدم ضحايا لها كل يوم, وقد حرمت من الاستقرار والأمن, فليسأل كل منا نفسه: هل يريد أن تكون مصر نسخة من هذه البلاد التي حزبتها الخلافات, وقطعت أوصالها المنازعات, وصار أفرادها فرائس للصراعات, فإذا كانت الإجابة بالنفي, فينبغي أن ندع سياسة الدولة لمن نيطت به, ولا يتصور البعض أن ما يقوم به من شك وتشكيك في البعض يفضي إلي خير, بل الكراهية للمشكك والمشكك فيه, فلنحسن الظن ببعضنا, وواجبنا أن نأخذ علي يد من يريد تقويض بنيان المجتمع حتي يكف, لتكون النجاة لنا جميعا, وليعلم الجميع أن من يفسد بالقول أو الفعل محارب لله ورسوله, يجد كل منا ذلك في قوله تعالي إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم, فليربأ كل منا بنفسه عن أن يكون مفسدا محاربا لله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم. ويضيف أن واجب المسلم تجاه غيره أن يحسن الظن به, ولا يفترض فيه سوء النية أو الطوية, وها قول الحق سبحانه وتعالي يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم, وكذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث, وهذا النهي الوارد في الآية والحديث عن الظن السييء بالناس يقتضي حرمته, وإن من المفاسد التي لا توصل إلي خير هذا الشك والارتياب الذي يستشعره كل طرف حيال الآخر, فالفرض أن الجميع في زورق واحد, فإن ترك البعض ليفعل في نصيبه من الزورق ما يحلو له, هلك الجميع, وإن أخذ علي أيديهم, نجا الجميع, ولن ينهض هذا المجتمع إلا بكل سواعد من فيه, وإلا فإن ارتياب البعض من البعض علي النحو الذي نري نتائجه السيئة في الواقع, لا ينصلح به حال المجتمع, ولن يتحقق لأفراده التغيير الذي ينشدونه, وقد كان هناك شبه اتفاق بين جميع فئات المجتمع أن تترك للحاكم فرصة لينهض بالمجتمع, ويقيمه من كبوته وينتشله من الهوة السحيقة التي رداه فيها عهد سابق مظلم كل الإظلام, ذاق الناس فيه إلا المقربين من الحاكم كل ألوان الفقر والجوع والضياع والتشرد, ومما لا يمتري فيه عاقل أن من تولي الحكم بعد الثورة ورث تركة مثقلة بأوجاع المجتمع, وما ترك له فرصة لإزالتها, فاتهم باتهامات عدة, بغية تبغيض الناس فيه وفي إدارته, وفي ظل هذا الجو المليء بالتشكيك الذي بلغ حد التطاول عليه وعلي المسئولين في حكومته, لا يمكن أن تقوم لهذه الدولة قائمة,وقد ينفرط عقد المجتمع ويدخل أفراده في حرب أهلية, ليتحقق مخطط المفسدين, ويعود الحال إلي ما كان عليه قبل الثورة. آليات الخلاف السياسي وطالب الدكتور ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الإسلامية الفرقاء بتنحية الوطن عن الصراع السياسي, ويري أن ما يحدث صراع عنيف بين الإسلاميين والقوي المدنية, وبعضه صراع سياسي والبعض الآخر صراع علي الهوية والمشروع, فالعقل السياسي المصري يغط اليوم في نوم عميق, حيث لم يجد آليه للصراع السياسي سوي المليونيات المتبادلة, فهذا يقيم مليونية ويرد عليه الأخر بمليونية, رغم أن المليونيات الآن تضر ولا تنفع, لأنها تضعف الإقتصاد وتضر بالأمن القومي, وهذه المليونيات كانت فكرة عبقرية عندما كانت موحدة أثناء ثورة25 يناير, ولم تكن تعرف الإستقطاب وكانت تتوحد فيها أطياف المجتمع, لكنها أصبحت اليوم بداية لإحتراب داخلي, وليست هناك حاجة للمليونيات, نظرا لوجود حرية صحافة ووسائل للتعبير عن الرأي. ويضيف أن العقل السياسي المصري يكاد يفلس, فإذا أردنا أن نحتفل بذكري شهداء محمد محمود فإننا نحتفل في نفس المكان بنفس الطريقة وبنفس العدد من الجرحي والمولوتوف والغاز, وكأن العقل السياسي المصري فشل في أن يجد طريقة أخري للإحتفال بشهداء محمد محمود, ويشير إلي أن كل شيء الآن إستدعي للصراع السياسي بين الأطياف المختلفة, فالدستور أصبح مادة للصراع وكذلك الشريعة والحرية والكرامة الإنسانية والأقباط وسيناء, وطالب بضروة أن تتوقف الحشود في الميادين لمدة عامين علي أن يبدأ الحوار بين الأطياف المختلفة وأن يتم تكوين جبهة وطنية واسعة لمشاركة الرئيس محمد مرسي ومساعدته حتي تتوزع المسئولية علي الجميع ويتوزع النجاح أو الفشل علي الجميع أيضا, ويتساءل قائلا: مصر شعب واحد وعرق واحد ودينان فقط ورغم ذلك ممزقة!!, لأنه ليس لديها نيلسون مانديلا, فجنوب إفريقيا بها أربعة أجناس وعشرات الأديان ورغم ذلك موحدة ومتجانسة, لأن بها أمثال نيلسون مانديلا, والهند بها عشرات الأجناس والأعراق ومئات الأديان وبها فقر شديد لكنها مترابطة ووصلت إلي تكنولوجيا الذرة وقمة البحث العلمي لأن فيها من يقدم مصلحة الوطن علي مصالحه الحزبية. ويضيف أن الدستور منتج بشري لا يدعي أحد كماله أو قدسيته ولا يدعي أحد عواره, فأكثره إيجابي وفيه أخطاء بسيطه, وعلي الذين يؤيدون الدستور ألا يكفروا من يرفضونه أو يعتبرونهم أعداء الشريعة لأن الشريعة مقدسة والدستور غير مقدس, وأيضا علي الذين يرفضونه ألا يصفوا من يؤيده بأنهم يوافقون عليه بالتبعية وليس بعقولهم, فمن أراد أن يصوت بنعم أو لا فعلية أن يفعل مادام ذلك يخرج من ضميره دون إنكار من أحد علي أحد, كما طالب بأن تكون المساجد بعيدة عن الصراع السياسي حتي لا تضيع من الجميع, فهي بيوت الله تعالي لكل الأطياف بلا إستثناء, وفي المساجد يجد الناس الراحة والأمان, فإذا إستغلت في الصراع السياسي فأين يجد المسلم الراحة والأمان؟. تنحية الأهواء الشخصية كما طالب علماء الدين بضرورة تنجية الأهواء والمصالح الشخصية وأن تجتمع القوي والتيارات والأحزاب السياسية حول هدف واحد, وأكد الدكتور طه أبو كريشة عضو مجمع البحوث الإسلامية أن مصر صاحبة التاريخ العريق ينظر لها العام حاليا, ولابد أن ندرك ذلك ونعمل علي أن تظل صورة مصر مضيئة ومشرقة, لأن التاريخ يسجل كل ما يحدث ولابد أن يسعي الجميع لأن تكون مصر في المكانة التي تليق بها وأن نحافظ علي مقدرات الوطن ونسعي بكل جهد لوضع حد لحالة التناحر والخلاف التي تكاد تهلك الأخضر واليابس, لأن ما يحدث حاليا بين القوي والتيارات التي قامت بالثورة يعد أمرا غير منطقي, فلماذا لا نسخر كل هذا الجهد في مشروعات قومية وتنموية تعود بالخير علي الشباب الذي يبحث عن فرصة عمل, وأن نستفيد من طاقات الشباب في العمل والإنتاج بدلا من أن تضيع هذه القدرات وسط حالة من التخبط تضر المجتمع وتؤثر علي الإقتصاد, لأن حالة الجدل والخلاف المتبادل بين النخبة والقوي السياسية لن يحقق للوطن أي فائدة. ويؤكد علي أهمية أن يصبح الوطن بكل طوائفه وثقافته وعقائده جسدا واحدا وقلبا واحدا, مشيرا إلي أن الجيل الحالي يتحمل مسئولية كبري تجاه الأجيال القادمة التي يجب أن نقدم لها والنموذج الأمثل في الرقي والتقدم من خلال التكاتف والوحدة والعمل والإنتاج حتي يتقدم الوطن وتنطلق مسيرة التنمية التي ننشدها جميعا وتنعم الأجيال القادمة بما حققه الجيل الحالي, ويذكر الجميع بقول الله عز وجل ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين, وكذلك بقول الرسول صلي الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي, ويؤكد علي ضرورة تطبيق ما جاء في الأية الكريمة والحديث الشريف لأن هناك خطرا شديدا علي الإقتصاد المصري يكاد يفقد مصر دورها ومكانتها, كما أن غير القادرين من أبناء الوطن يفقدون الإحتياجات الضرورية التي تعينهم علي الحياة وبالتالي لابد أن ننظر لهذه المشاكل ونتوحد لمواجهتها, ولن يحدث إلا بترك المصالح الشخصية والفئوية والنظر لمستقبل الوطن الذي يحتاج إلي جهد الجميع, لأن حالة الخلاف والشقاق والتي تحدث بين القوي والتيارات السياسية في الوقت الحالي تأتي في صالح أعداء الأمة وأعداء الوطن ولابد أن نكون علي مستوي المسئولية في هذه الظروف الحاسمة من تاريخ مصر. البحث عن التوافق ويقول الشيخ أحمد البهي إمام وخطيب بأوقاف الإسكندرية أن التخوين أخطر المسائل التي تواجه المجتمع المصري حاليا, وهي تعني إساءة الظن بالآخرين ورميهم بالباطل, فنجد كل فصيل وكل تيار لا يعترف بالآخر ولا يستمع إلا لنفسه ولو قابلته بقول يخالف رأيه أو يعارضه يتهمك بالخيانة, وهذا الأمر للأسف نجده حتي في أوساط بعض المنتسبين للتيارات الإسلامية وغيرهم وهذا ما تسبب في إنقسام البلد إلي نصفين كما هو واضح حاليا, والإسلام ينهي عن ذلك, كما جاء في قول الله تعالي يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم, وكذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم حسن الظن من حسن العبادة, وكل من يسيء الظن بالآخر نقول له: انشغل بعيوب نفسك ولا تنشغل بعيوب الآخرين وإن استمعت منهم إلي كلمة قد تفسر بالخطأ فكن كما قال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا, فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه. ويضيف أن التخوين يمنع التيارات المختلفة من فتح حوارات جادة إصلاحية مع بعضها البعض, لأنه ما دامت النية السيئة مقدمة فلا حوار ينفع ولا إصلاح يمضي ويجعل كل طرف يحمل في نفسه العداوة للطرف الآخر, ونغمة التخوين حقيقة لم تكن موجودة أيام الثورة المجيدة ثورة يناير فكانت كل الأطراف ملتحمة مع بعضها البعض أما الآن فللأسف بسبب صراعات السلطة وجدنا هذه الانقسامات ووجدنا أحباب الأمس أعداء اليوم ووجدنا من كانوا يهتفون بالأمس هتافا واحدا ضد الظلم والاستبداد, كل منهم يهتف ضد الآخر متهما إياه بالظلم والاستبداد والعمالة, ونحن نطالب الجميع في هذه المرحلة الحرجة التي نعمل فيها جميعا آملين استقرار البلد ورفعته أن يتصفوا بصفة العدل والإنصاف وأن يحاول كل منهم أن يضع نفسه مكان الآخر وأن يحاول أن يفكر معه من نفس زاوية تفكيره فهذا هو السبيل لفتح حوار هادئ رصين بعيدا عن الاتهامات الباطلة مما يوصلنا في النهاية إلي التوافق الذي يبحث عنه الجميع.