الفتيات الأطفال ضحايا الزواج القسري أو الموسمي.. الأطفال العاملون في الورش والمناجم والمزارع..اطفال الشوارع الذين يتم استغلالهم جنسيا أو للتسول أو في الجرائم الصغيرة. .خدم المنازل من الأطفال الذين يفقدون طفولتهم وتنتهك حقوقهم.. كلها صور من الاستغلال الجسدي والبدني تعرف عالميا باسم الإتجار في البشر وهي شكل من العبودية الجديدة التي تستبيح الأفراد للتربح. هذه الجريمة اللاانسانية انتشرت في السنوات الأخيرة حتي اصبحت ثالث اكبر تجارة غير مشروعة في العالم اليوم, خاصة بعد انتشار استخدام الانترنت الذي اصبح اداة تستخدم للإيقاع بالفريسة تحت مسمي الحب أو الصداقة او فرص العمل الجيدة. وتشير الإحصائيات إلي ان اكثر الفئات تعرضا للاتجار هم الأطفال والنساء والفتيات لأنهم الأكثر تهميشا في المجتمعات والأكثر فقرا والاكثر جهلا بحقوقهم والأقل تعليما.. ويتعرض هؤلاء إلي الإستغلال بكل انواعه ويعانون باستمرار من الخوف والتهديد بالعنف لهم ولأسرهم والوصمة بالعار بالرغم من كونهم ضحايا. لذلك كانت مصر من اوائل الدول التي تنبهت إلي خطورة هذه الجريمة حيث ادركت السيدة الفاضلة سوزان مبارك أن اسباب هذه الظاهر ة هي الفقر والتمييز الجنسي والتفكك الأسري والعنف ودعت إلي كسر حاجز الصمت والتصدي لهذه الجريمة علي جميع المستويات المحلية والدولية.. فعلي المستوي الوطني قررت أن تضع الفئات الأكثر تعرضا للإتجار كأولوية وركزت علي الفتاة المحرومة من حقوقها والأطفال ذوي الاعاقة وعمالة الأطفال وضحايا المخدرات واطفال الشوارع وغيرهم من الفئات المهمشة والضعيفة وبدأ العمل علي حمايتهم من منظور حقوقي علي كل المستويات.. وعلي المستوي الدولي اطلقت السيدة سوزان مبارك عام2006 من خلال حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام مبادرة اوقفوا الاتجار بالبشر الان وتبني المجتمع الدولي مباديء اثينا الاخلاقية والتي تعد أول وثيقة للتعاون مع مجتمع الأعمال في التصدي لهذه الجريمة باعتبار هذا القطاع شريكا اساسيا يمكنه ان ينشر الوعي بين شركاته وافراده بأبعادها التي تشمل كل صور الإستغلال بالإضافة إلي مراجعة الأوضاع الداخلية للشركات والعاملين بها والشركات الصغيرة التي تعمل من الباطن للتأكد من عدم وجود استغلال للبشر أو اي عمل قسري أو عمالة اطفال او حرمان من الحقوق.. كذلك يمكن لهذا القطاع ان يتيح فرص العمل لضحايا الاتجار ومحاصرة البطالة باعتبارها اهم مسببات هذه الجريمة. واستكمالا لهذه الجهود اطلقت الحركة أيضا مبادرة الاستخدام الآمن للانترنت ادراكا منها للتطور الكبير في الوسائل التكنولوجية الحديثة وتطور هذه الجريمة من خلال الإنترنت. وبالنسبة لجهود المجتمع المدني التي كانت حتي عام2007 جهودا متفرقة ثم انشاء اللجنة الوطنية التنسيقية التي تضم اجهزة رسمية ومنظمات العمل الأهلي لمكانتها. وفي نفس الإطار قام المجلس القومي للطفولة والأمومة بجهود للتصدي لهذه الجريمة حيث وضع عام2003 الاستراتيجية القومية لحماية واعادة تأهيل وادماج اطفال الشوارع ومعاملتهم علي انهم ضحايا.. وتم عام2008 تعديل الاطار الحقوقي لحماية الاطفال بتعديلات قانون الطفل التي تم فيها رفع سن الزواج إلي18 سنة ورفع سن المسئولية الجنائية من7 إلي12 سنة وتجريم الاتجار بالأطفال. وتم وضع خطة قومية لحماية الأطفال من العنف واطلاق خط نجدة الطفل المجاني16000 ثم الاستراتيجية القومية لمناهضة عمل الاطفال واطلاق مبادرة تعليم الفتيات وبرنامج حماية النشء من المخدرات وفي عام2007 ثم انشاء وحدة لمناهضة الاتجار بالبشر وخدمة خط المشورة الاسرية16021 وهي كلها اجراءات وقائية تضمن ابعاد الاطفال عن احتمالات التعرض للإتجار. وعلي نفس الصعيد الوطني تبني المجلس القومي للمرأة مشروع مناهضة العنف ضد المرأة بكل اشكاله خاصة مايعرف باسم الزواج الصفقة الذي يتستر خلف عقود زواج صحيحة بالإضافة إلي برامج التمكين الإقتصادي للمرأة وبرامج توعيتها بحقوقها. ثم توجت هذه الجهود بإنشاء وزارة للأسرة والسكان ادراكا من الدولة بأن احتمالات تعريض الاطفال للإتجار تزداد في الأسر كبيرة العدد. ومنذ ايام أقر مجلس الشعب قانون منع الإتجار بالبشر الذي اسعدنا جميعا لأنه سوف يعطي دفعة قوية لهذه الجهود ويضع الاطار التشريعي والقانوني لها.. يتبقي بعد ذلك ضرورة الإهتمام بالحملات الإعلامية الجادة لرفع الوعي باشكال وابعاد ومخاطر هذه الجريمة والاهتمام بالتعليم ونوعيته لأن التسرب من التعليم اول الطريق إلي الإتجار. وفي النهاية لايسعنا سوي ان نقول إن مصر قطعت شوطا طويلا حتي الآن في مكافحة هذه الجريمة لكن الأمر يحتاج إلي تكاتف الجهود من اجل تجفيف المنابع التي تفرزها لضمان عدم الدخول إلي دائرة الخطر الحمراء التي يصعب بعد ذلك الإفلات منها.