لا أدري كيف أبدأ حديثي, عن تجربة ونشاط وطاقات تؤكد ضرورة الاهتمام بها ودعمها, ذلك أن الاستثمار لرأس المال البشري والاجتماعي من أهم مجالات الاستثمار, لأنه المقدمة الحقيقية لأي استثمار اقتصادي الذي يفيض علي عموم هذا الشعب العظيم بالخير والبركة. تزاحمت علي هذه الخواطر وأنا أشارك بعض شباب مصر اليقظ والناهض, الفاعل والثائر, في تدشينهم مصنع يقظة الأول لتتلوه مصانع أخري إن شاء الله. استمع هذا الشباب وتعلم أن يفكر خارج الصندوق مستوعبا بدهيات الحياة, واستثمار قدرات الأمل والعمل وبناء المستقبل. الرئيس يجعل من بين وعوده حل مشكلة النظافة والقمامة, ونقابة المهندسين عقدت ندوة بكلية الهندسة جامعة القاهرة تحت عنوان الحلول العلمية لمشكلة القمامة أكدت فيها أن إدارة القمامة علميا سيوفر26 مليار جنيه, وفي ظل الجدل حول أهمية تدوير القمامة ومناقشة آلية للتعامل مع مشكلة المخلفات ومعالجة وتدوير النفايات السكنية والتجارية وبحث مجموعة من الأفكار الخاصة بوضع منظومة متكاملة لعملية الجمع والمعالجة والتدوير, فإن وزارة البيئة علي موقعها الإلكتروني تملك خطة تحت عنوان التدوير من أجل بيئة أنظف وتنمية مستديمة مشروعا متكاملا لتحقيق استدامة الموارد من خلال استرجاع أكبر قدر ممكن منها, ومنذ أن تم إعداد الخطة عام2003 ونشر علي موقع الوزارة في عام2004, وحتي الآن لم يخرج لحيز التنفيذ سوي القليل منه, نامت الخطة ونامت الوزارة, لأن الخطط لدينا في بعض الوزارات ليست للتنفيذ ولكنها من باب الوجاهة والزينة. ضمن هذا الكلام الكثير والكبير كان هناك عملا صغيرا في مبناه كبيرا في معناه عظيما في مغزاه, شيدت مؤسسة يقظة الشبابية النابعة من قلب ميدان التحرير شباب الثورة أول تجربة شبابية لبناء مصر, حيث أنشأ الشباب مصنع يقظة لتدوير المخلفات البلاستيكية وتحويلها إلي بلاستيك خام يمكن إعادة تصنيعه في صناعات بلاستيكية وإلكترونية جديدة وتصديرها للخارج, وذلك ضمن خطة المؤسسة للقضاء علي البطالة في مصر, ومن أجل مجتمع يخدم البيئة. وكشف شباب المؤسسة عن العديد من العقبات التي واجهوها خاصة ثمن ماكينات التدوير وصعوبة استيرادها من الخارج, وثمن الأرض والتكاليف الباهظة للمشروع والتي تغلبوا عليها باكتتاب تعاوني بين الشباب وأهالي منشية ناصر, وبدأوا في صناعة ماكينات محلية, تنافس فيها الماكينات المستوردة, وذلك بجهود مصرية خالصة ليتمكنوا في النهاية من بناء تكنولوجيا مصرية لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية, وافتتح هذا المشروع في المنطقة الصناعية بمدينة6 أكتوبر, وبالفعل تمكن الشباب من تجاوز كل تلك العقبات. كانت بداية المشروع عندما قوضت فرص التطورالسياسي للثورة المصرية, وأصبحت أهدافها ومطالبها علي المحك, لذا قررت مجموعةشباب يقظة وهي مجموعة من الشباب الناشطين في مجالات السياسة والعمل المجتمعيوالمهتمين بالشأن العام التفكير بشكل جدي في مشروع لتطوير الثورة المصرية,الهدف منه هو نقل الفكر والوعي الثوري الي مجالات جديدة وإثبات قدرة الشباب عليخوض غمار المعركة بكل السبل والطرق حتي النهاية, وعقدت المجموعة عدة ورش عمل انتهت بوضعها مشروعا أطلقت عليه( مصر علي طريق الحداثة). وانطلاقا من تلك الرؤية قررت المجموعة إنشاء أول مشروعاتها الاقتصادية التي تسعي الي إيجاد نموذج اقتصادي جديد, ذات مسئوليةمجتمعية, يعمل علي تمكين الشباب والفئات غير القادرة اقتصاديا وجعلها مساهمةبشكل مباشر في الاقتصاد القومي, ويتعامل أيضا مع المشكلات اليومية للمواطنين,ومن هنا ظهرت فكرة مصنع إعادة تدوير البلاستيك. وعليه فقد قام أعضاء المجموعة من المهندسين بإعداد الدراسات اللازمة للمشروع, وقد تم توفير رأس المال عن طريق عمل شراكةبين عدد كبير من المهتمين بالفكرة في شكل يشبه التعاونيات, وقد راعي المشروع الاعتماد علي الخبرات المحلية في تصنيع المعدات, وزيادة نسبة المكون المحلي فيها, وانطلاقا من مسئوليةالمجموعة المجتمعية وضمانا لاستمرار توريد المواد الخام للمصنع, فقد توجهت المجموعة مباشرة الي العاملين في مجال جمع القمامة للتعاون معهم, ويعد ذلك التعاون هو وسيلة لدمج جميع الفئات المهمشة داخل المجتمع, ونقل لهم أفكاروأهداف الثورة بشكل غير تقليدي, عن طريق الاحتكاك المباشر, والحوار المستمر,وتنوي المجموعة القيام بأنشطة توعوية تستهدف رفع الوعي لديهم بالقضاياالمجتمعية المهمة, وربما سيتم التفكير بمشروع مواكب يهتم بمحو الأمية لأهالي منشية ناصر. وبشكل عام يهدف المشروع إلي تقديم نموذج عملي لحل مشكلةالقمامة, عن طريق إعادة تدويرها وهو ما سيجعلها مكونا أساسيا للاقتصاد المصري,ويستهدف المشروع عن طريق عمليات التكسير والتخريز إلي إنتاج ما يصل إلي أربعةأطنان من خرز البلاستيك يوميا, كما يستهدف المشروع توظيف قرابة الثلاثين عاملا,ويستفيد منه بشكل مباشر وغير مباشر نحو ثلاثمائة أسرة, ما بين عاملين, وجامعيقمامة, وخدمات مساعدة, وتستهدف مجموعة شباب يقظة من هذا المشروع مستقبلا إليتعميم التجربة وتوسعة المصنع الحالي. إنهم يوطنون عملهم هذا مع أصحاب المصلحة من أهالي منشية ناصر, ومن جامعي القمامة في شراكة اقتسموا فيها المساهمة والعمل والإدارة, يجمع بين أطياف من الجماعة الوطنية من مسيحيين ومسلمين, يعملون كخلية نحل, إنها اليقظة في مصنع يقظة. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح