رغم أنه لم ينشر منذ أكثر من75 عاما, خرج أخيرا إلي النور كتاب قيمته الأدبية والعلمية والتاريخية لا تقدر بثمن. وليس ذلك لمجرد أنه كتاب قديم, لكن لما تحمله سطوره من معان وقيم يجب آن تظل دستورا في ذاكرة الأمة ومبادئها الراسخة.. إنه كتاب تاريخ مديرية خط الاستواء المصرية لمؤلفه الأمير عمر طوسون(1872-1944) الذي يسجل له التاريخ عددا آخر من المؤلفات العديدة التي كانت تهدف دائما إلي رفعة الأمة واستقلالها والتي طبعت علي نفقته الخاصة مثل: كتاب مصر والسودان عام1927 وكلمات في سبيل مصر1928 ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنجليزية1935, وأعمال الجيش المصري في السودان ومأساة خروجه منه1936, وفتح دارفور عام.1916 ورغم انتسابه إلي القصر الملكي إلا أنه اقترب من الشعب والبسطاء, واستطاع أن يجمع بين الثراء الملكي والتواضع والبساطة. وهونجل الأمير محمد طوسون بن محمد سعيد باشا بن محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة. عاش بالإسكندرية وكرس حياته للأعمال الخيرية و الاجتماعية والتأليف التاريخي والجغرافي في القضايا المصرية والسودانية, بالإضافة إلي نشاطه الاستكشافي الأثري وتبرعاته المادية والمعنوية للقضايا الوطنية, كما كان له العديد من المواقف البطولية في مناهضة الاستعمار بشتي أنواعه. وبلغت مؤلفاته بالعربية والفرنسية أكثر من50 مؤلفا و أسس وشارك في العديد من الجمعيات الخيرية أشهرها المواساة والشبان المسلمين والجمعية الخيرية القبطية والنادي السوداني. ويضع طوسون من خلال تاريخ مديرية خط الاستواءالمصرية عنوانا فرعيا وهو من فتحها إلي ضياعها من سنة1869-1889 ليبين لنا ما تتعرض له الدول النامية عامة ودول حوض النيلخاصة من مؤامرات غربية متواصلة منذ القدم والتي تهدف إلي الوقيعة بينها بغرض استغلالها في مجالات شتي ومن ثم استعمارها. وإذا كنتم ممن أسعدهم الحظ بقراءة كتاب مثلوصف مصر, فإن كتاب الأمير طوسون قد لا يقل دقة آو روعة خاصة وأنه كان بمجهود فردي بحت. ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء وحوالي1500 صفحة تحتوي علي خرائط وصور فوتوغرافية وفهارس فنية, وضعه مؤلفه عن مديرية خط الاستواء المصرية التي قال عنها أنها بما تحوي من منابع النيل ألزم لمصر من مدينة الإسكندرية. تلك المديرية التي فتحها الجنود المصريون والسودانيون في عهد الخديو إسماعيل, فإن طبقا لرؤية طوسون الاستراتيجية لها أهميتها العظمي باعتبارها كضمان لمصدر مياه مصر أي مياه النيل من المنبع إلي المصب. وكان العصر الذي شهد وجود المديرية هو عصر المد الاستعماري الغربي الذي بلغ أقصاه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكانت مصر النهضة منتبهة لهذا الخطر وتحاول أن تضع الحواجز أمامه وأن تعطل مسيرته للحفاظ علي أمنها القومي ومصالحهاالحيوية. ورغم صعوبة المهمة كما يقول المؤلف فلقد شقت مصر طريقها إليها بجنودها المصريين والسودانيين الأبطال. ذوي القوة والبأس... حتي إذا فتحها الله عليهم ورسخت أقدامهم فيها وعملت أيديهم فيتطهيرجوها وتمدين أهلها أخرجتهم منها السياسة الماكرة وأبعدتهم عنها أبالستها. وانتقل الكتاب عبر حكمدارية أو حكم القادة الستة الذين تولوا السلطة في مديرية خط الاستواء ليبين تسلسل سقوط المديرية في أيدي من لا يستحقها. وأوضح أن جهود الحفاظ علي المديرية ورخائها كانت الشغل الشاغل لحكامها,ومنهم مصريون, آنذاك ولمدة20 عاما. لكن المستعمر الطامع كان دائما بالمرصاد وما لم يستطع الاستيلاء عليه بالاتفاق والتفوق العسكري, حصل عليه بالحيلة والمؤامرة واتباع خطة فرق تسد. وخلص الكتاب إلي درس مهم وهو أن المستعمر, المتمثل في انجلترا آنذاك, دائما يضع عينيه علي ثروات وقيمة مصر والسودان ودول حوض النيل لما وهبتها الطبيعة من كنوز تمنحها الحياة. ولذا تنبه المستعمر إلي أنه باحتلاله مصر فقد وضع يده علي وادي النيل من منابعه إلي مصابه. ومن هنا دعا الأمير عمر طوسون أبناء شعوب النيل إلي ثبات موقفهم وتمسكهم بحقوقهم وألا يبخسوا حق أنفسهم حتي لا تلعنهم الأجيال المقبلة وتتوالي الخسائر...عسي أن يكون درسا راسخا في ذاكرة الامة! تأليف: الأمير عمر طوسون صادر عن مكتبة العدل بالأسكندرية عام1937- صدر في طبعة جديدة عن مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع