بقلم: لواء طبيب. م محمد رضا محمد عوض لا ولن أنسي عندما إلتحقت بالقوات المسلحة ملازم أول طبيب لأخدم بالسرية الطبية في تشكيل مدرع متمركز في وسط سيناء, وذلك عام1965، حيث تعلمت أسس الحياة العسكرية التي تعتمد علي إنكار الذات والإنتماء الخالص للوطن وحماية ترابه. لا ولن أنسي عندما صدرت إلينا الأوامر يوم13 مايو سنة1967 برفع درجات الاستعداد لمواجهة الحشود الإسرائيلية علي الحدود السورية كما زعمت المصادر في ذلك الوقت وفوجئنا في الخامس من يونيو بالهجوم الإسرائيلي ثم الإنسحاب المشئوم من أرض سيناء الغالية, وتمركز التشكيل المدرع بعد ذلك في موقع بجوار مدينة السويس حيث شاهدت أبشع منظر عندما بدأ العدو بقصف مدينة السويس بالمدافع خصوصا منطقة الزيتية, وتصاعدت الحرائق في كل مكان وبدأ أهلها في الهجرة الجماعية إلي القاهرة, مستخدمين كل وسائل النقل حتي عربات الكارو إلي السير علي الأقدام في طابور ليس له نهاية للنجاه بأرواحهم. لا ولن أنسي عندما التحقت بمستشفي بورسعيد العسكري للخدمة هناك وكان ذلك بعد أول حدث قلل من قسوة الهزيمة وهو إغراق المدمرة إيلات بواسطة البحرية المصرية حيث أمرني قائد المستشفي بالذهاب إلي الشاطئ لاستقبال جثث العدو التي لفظها البحر لتسليمها للصليب الأحمر الدولي, وكان لهذا الحدث أثر كبير في نفسي فعندها أيقنت أن النصر قريب. لا ولن أنسي عندما إلتحقت بالقوات الجوية في بداية حرب الاستنزاف, وشاهدت أبناءنا الطيارين بتسابقون للتدريب علي المقاتلات بحزم وإصرار يوميا وذلك من اول ضوء بعد الفجر مباشرة حتي غروب الشمس, وسقط لنا شهداء في عمليات التدريب وحرب الاستنزاف وكنت أصطحب الطيارين لآخذ فترة للترويح عن النفس إلي مدينة طنطا, فلا أنسي كلمات الشهيد ملازم طيار/ عبدالله الغندور عندما قال لي لن أذهب إلي أي مكان فيه ترويح للنفس إلا بعد تحقيق النصر علي العدو فأيقنت أن وجود أبناء لهذا الوطن بهذه الروح المعنوية العالية مع قوة الانتماء والاصرار علي التدريب الشاق فأيقنت أن النصر لقريب. لا ولن أنسي عندما أعلن الرئيس الراحل أنور السادات عام1971 أنه يفكر في تطهير وفتح قناة السويس للملاحة الدولية فعندها قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك إذا قررت مصر فتح قناة السويس فنحن مشاركون في إيراد القناة حيث أننا نمتلك الضفة الشرقية من القناة, فكان هذا القول بمثابة خنجر في قلبي وقلب كل مصري مما زاد علي إصرارنا علي الاستمرار في التدريب الساق وإستعادة أرض سيناء الغالية. لا ولن أنسي عندماخرجت أسراب نسورنا البواسل ساعة الصفر لضرب مواقع العدو في أرض سيناء حيث صدرت لهم الأوامر قبلها بساعات قليلة حفاظا علي السرية التامة, والتي أحرزت المفاجأة للعدو وكانت مفتاح النصر لنصر أكتوبر المجيد, وتسابق نسورنا البواسل للقيام بهذه الطلقات الهجومية وسقط شهداء لنا منهم شقيق الرئيس الراحل محمد أنور السادات. لا ولن أنسي قيام قواتنا البرية المتمركزة علي الضفة الغربية بقصف مواقع العدو بالمدفعية الثقيلة محققة خسائر فادحة لهم وعبور مئات القوارب محملة بجنودنا البواسل للوصول الي الضفة الشرقية بعد إحباط تجهيزات العدو التي اعدها لمنع العبور مثل أنابيب النابالم التي أعدها لتشعل القناة وتحولها الي جهنم كما قال العدو وقام جنودنا البواسل بشق الممرات بالساتر الترابي الذي كان يبلغ ارتفاعه عشرين مترا, وذلك لعبور القوات البرية بعد ذلك ثم أقتحام النقط القوية في خط بارليف وسقوطه في6 ساعات والذي قيل عنه ان هذا الخط هو اقوي خط حصين في تاريخ العسكرية الحديثة والذي يحتاج الي قنبلة ذرية لتحطيمه وانطلقت بعدها قواتنا البرية لتحطيم خطوط الدفاع في أرض سيناء حيث شاهدنا للمرة الأولي سقوط عدد كبير من أسري العدو وكان أشهرهم قائد لواء المدرعات العقيد/ عساف ياجوري وقامت قوات الدفاع الجوي بإسقاط عدد كبير من طائرات العدو التي أغارت علي قواتنا في ضفتي القناة, وقامت قواتنا البحرية بإغلاق مضيق باب المندب أمام البحرية الإسرائيلية, فكانت خطة متكاملة شارك فيها جميع افراد قواتنا المسلحة فتحقق النصر الكبير في ست ساعات. لا ولن أنسي عندما إلقي السيد الرئيس الراحل محمد أنور السادات خطابه التاريخي وهو يرتدي بدلته العسكرية وملامح النصر تبدو علي وجهه وأمامه أعضاء مجلس الشعب وقادة النصر وهو يعلن ان الجيش المصري حطم خط بارليف في6 ساعات, وأنه مصر علي تحقيق النصر واستعادة أرض سيناء الكامل. لا ولن أنسي كيف عبر أفراد الشعب المصري عن فرحتهم بالنصر الكبير ولقد حدث لي أثناء نزولي الي القاهرة في أول أجازة بعد النصر الكبير, أن رفض وأصر سائق التاكسي الذي أوصلني الي المنزل أن يأخذ الأجرة عندما علم بأني قادم من أرض المعركة. هذه بعض الذكريات عن حرب اكتوبر المجيدة التي أيقنت بعدها أن شعب مصر في رباط الي يوم الدين, ففي خلال ست سنوات من الهزيمة ومن الجهد الشاق والعرق وتكاتف جميع طوائف الشعب من مدنيين وعسكريين, مسلمين ومسيحين هدفهم تحقيق النصر وإستعادة الأرض المقدسة. هذه هي مصر أم الدنيا التي قامت بها اول حضارة وأول حكومة ترعي مصالح الشعب في تاريخ البشرية وهذا في عام3100 قبل الميلاد.