بعد أيام قليلة تحل ذكري العاشر من رمضان وعبور القناة وانتصار اكتوبر رمضان العظيم واقتحام خط بارليف ، ذكري حرب الساعات الستة التي شلت فيها القوات المصرية قدرة الجيش الإسرائيلي وكشفت اكذوبة انه لا يقهر. هنا يتذكر قادة عسكريون وخبراء استراتيجيون ملاحم صنعها المصريون بأسلحة بسيطة وايمان كبير واصرار علي النصر. يقول الخبير الاستراتيجي اللواء د. ممدوح حامد عطية عضو المجالس القومية المتخصصة كنت وقتها عقيد اركان حرب، وفي هذا اليوم تحديدا كنا في القيادة العامة للقوات المسلحة نتلقي المعلومات ونعمل عليها في التو واللحظة في منظومة كاملة بشكل دقيق، انتصارنا في حرب اكتوبر لم يأت مصادفة أو ضربة حظ. بل كان ثمرة تدريبات شاقة ومشروعات وبيانات مستمرة نصل الليل بالنهار لانجازها. وقد بدأنا بتضليل العدو بأن قمنا باعداد «مجموعات الكسل» وهي عبارة عن مجموعة من الجنود كل عملها هو تضليل العدو عن طريق قزقزة اللب واكل السوداني ومص عيدان القصب ولعب الكرة الطائرة وغيرها من العاب التسلية، وقد اعطي كل هذا للعدو ايحاء بأننا صرفنا نظر عن الحرب تماما. كان للصحافة دور كبير في خطة التضليل ايضا فقد كانت تعلن عن رحلات العمرة يقوم بها قادة الجيش كانت تصورهم بملابس الاحرام، كما كانت تقوم بنشر اخبار عن مرض السادات وسفره لباريس من اجل العلاج، وكان هناك تركيز علي اذاعة خطاباته وحديثه عن عام الضباب. كانت الخطة ايضا تعتمد علي الحفاظ علي سرية توقيت الحرب وموعد الهجوم ففي ليلة الهجوم 5 اكتوبر وبالرغم من اني كنت في القيادة العامة ومركز العمليات الرئيسي في الفرقة الثانية مشاة، وهي النسق الأول للهجوم كنت جالسا مع قائد الفرقة اللواء حسن ابو سعده لمعرفة مطالبه ومع ذلك لم يكن يعرف متي سيكون موعد الهجوم!!! كان المشير الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقتها وهو الذي كتب بخط يده خطة العمليات والهجوم علي العدو الإسرائيلي في كشكول وذكر فيها كل كبيرة وصغيرة فيما يختص بالحرب، ولم يسمح لاي ضابط ولا حتي برتبة لواء بالاطلاع علي هذا الكشكول، وقد أصدر رئيس الاركان والقيادة العامة منشورا يوضح المهام بدقة بدءا من قائد الكتيبة وقائد السرية حتي حامل الهاون. عبور القناة وتدمير خط بارليف هذه اللحظة نحن نراها في التليفزيون في ثوان أو لحظات ولكنها لم تكن سهلة ، فقد اعد العدو خمس مجموعات من خزانات الوقود المسروق من الآبار المصرية في سيناء، وقد تم توصيل كل خزان بماسورة تصل لاسفل القناة السويس بحيث يقوم بفتح محبس ينسال البترول فوق سطح الماء ويستطيع وهو جالس فوق خط بارليف أن يضغط علي زر تشغيل فتحدث شرارة تشعل النيران وتصل درجة حرارة القناة إلي 1000 درجة مئوية ، ومن هنا كان يعتقد العدو الاسرائيلي الغافل أن القوات المسلحة المصرية سوف تفشل فشلا ذريعا هذا بالنسبة للقناة التي أكدت أمريكا أننا نحتاج إلي سلاح مهندسين أمريكي وآخر روسي حتي نستطيع عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف. اما الاتحاد السوفيتي السابق فكان يري أننا نحتاج إلي قنبلتين ذريتين لضرب خط بارليف وعبوره وهو ما يشير إلي أنه «لا مجال للعبور». ويكمل اللواء ممدوح حامد: منطقيا هذا الكلام حقيقي ففي أحد التدريبات قمنا بعمل تجربة علي العبور في منطقة عسكرية ممنوع ذكر اسمها حاليا فأشعلنا نيران علي سطح الماء ودخلنا بسيارات «بي كيه» سيارات برمائية، أذكر أن مجموعة من الجنود سقط جلد وجوههم وذهبوا إلي المستشفي وهذا يوضح مدي شدة وصلابة هذا المانع وشدة خوف اسرائيل من اقتراب القوات المصرية من سيناء. كان هناك اعجاز آخر وهو اقتحام خط بارليف وعبور الساتر الترابي قبله، وقد كان عبارة عن خندق متصل علي طول القناة مقوي بالاسمنت والخرسانات وبأسلاك وقضبان السكة الحديد المسروقة من خط العريش رفح والقنطرة رفح وكان مزودا بألغام من جميع الانواع ضد أي شيء ، وقام العدو بتدجيجه بالسلاح والعتاد والمدافع من جميع الانواع والاعيرة ضد الدبابات كما زودوه بصواريخ ضد الطيران من نوع «هووك الامريكية» وصواريخ «اريحا» وغيرها لقد كلفوه الملايين وقبعوا فيه ليلا ونهارا بعدما سرقوا عربات السكة الحديد الدرجة الاولي الفاخرة ورفعوها بأوناش وحفروا لها اماكن داخل خط بارليف لراحتهم وقالوا هذه هي الحدود الآمنة، أكد هذا رئيس الاركان فقد قال عنه «خط بارليف هذا ستنكسر علي صخرته ارادة الجيش المصري». ساعة الصفر وأكمل حامد علمنا بموعد الهجوم قبلها بساعتين فقط وكانت ساعة الصفر الثانية وخمس دقائق ظهرا واستمر اطلاق النيران لمدة 53 دقيقة كان هناك 2000 مدفع رشاش تضرب خط بارليف لدرجة ان مواسير بعض المدافع انصهرت من القصف المتتالي الذي كان بجميع انواع المدافع الحديثة «ش.ف» و«م.د» وفي نفس التوقيت عبرت 240 طائرة دك طياروها سيناء من شمالها لجنوبها وقاموا بضرب الصواريخ الهوك وغيرها كما ضربوا مراكز القيادة والسيطرة التي كانت تهيمن علي سيناء حتي اصبحت القوات الأمامية بدون قيادة مما اربك جنود العدو وتم تنكيس العلم الإسرائيلي وتسليمه للجنود المصريين الذين داسوه بأحذيتهم ردا علي ما قامت به اسرائيل من انتهاكات في حرب 67، وقد سجلت حرب 1973. أعلي معدل استشهاد للضباط مقارنة بجميع حروب العالم كما اظهرت نوعا من التكاتف الشديد بين الضابط والمجند العادي. وقد كان لسلاح المخابرات والاستطلاع في تحقيق النصر دور كبير يرويه اللواء مخابرات استطلاع أحمد شكري شبل الذي اطلق عليه «معلق» الثغرة يقول كنا ثلاث مجموعات واحدة في الدفرسوار واخري في ابو سلطان والثالثة في جبل شبروايت والمجموعة الخاصة بي وكانت مهمتي الاساسية التوجه لمنطقة طرابيون جنوبالاسماعيلية بثلاثة كيلو مترات فوجدت أن الموقع لا يسمح باختراقه ، وقد رأيت ضرورة أن أكون وراء العدو للاستطلاع فحاولت ان اخترق منطقة طرابيون من جهة جبل «مريم» فلم استطع عندها ذهبت إلي «فايد» حيث «البحيرة المرة الكبري» والضفة الشرقية علي بعد 12 كيلو كانت الثغرة تدار من منطقة «تل سلام» وهي تعد نقطة قوية جدا كنت اريد ان اصل لمراقبة العدو . وكان يوجد في قناة السويس حوالي 22 مركبا محجوزة من بعد 67 وسط هذه المراكب وجدت مركب «سيرن لاين» في مكان مثالي للمراقبة كانت تقف في المجري المائي في نقطة غرب «تل سلام» وجنوب الدفرسوار ذهبت إليها مستقلا لنشا مع المجموعة وهم ضياء فرد استطلاع ويسري فرد لاسلكي مكثنا بها ستة ايام من يوم 16 اكتوبر حتي يوم 21. كنت ابلغ القيادة بتحركات القوات الإسرائيلية ، اشاهد الضفة الشرقية عن قرب وانقل للقيادة كل كبيرة وصغيرة أولا بأول استمرت مراقبتنا لهم وتم ضرب مدفعيتهم ودباباتهم وقوات دفاعهم الجوي اصبح الضغط عليهم في هذه المنطقة قويا عندها تيقنوا أن هناك من يوصل المعلومات للقوات المصرية. ويضيف المفروض أنني عند استخدامي للاسلكي للتبليغ لا تزيد مدة رسالتي علي 45 ثانية حتي لا تلتقط الاشارة من قبل العدو ، لكني تجاوزتها يوم 21 في هذا اليوم ورأيت الموت بعيني ، وشاهدت من موقعي الطيران الإسرائيلي يناور فوق المركب استعدادا لضربي، فطلبت من الفردين ضياء ويسري النزول الي اسفل عند المكن، ولكن المفترض عند غرق المركب ان تقف في اعلي مكان بها ولكن خشيت أن نموت نحن الثلاثة وطلبت منهم الانتظار حتي يصل إليهم الماء فعندها فقط يطلعوا لسطح المركب وكنا علي ارتفاع 23 مترا فوق سطح الماء وبالفعل استمر العدو في ضرب المركب من الساعة 45:11 دقيقة يوم حتي الساعة الرابعة عصرا الي أن ضربوا المركب بطوربيد وعندها مالت المركب علي جانبها وبدأت في الغرق وكنت اخشي أن يضربوا المركب من الخلف ، فقد كانت محملة بالمازوت والغلال منذ أعوام. خشيت اشتعالها قبل أن تغرق، وعندما سقطت كابينة القبطان علي رأسي اصبت وحدثت لي اغماءة من يوم 21 اكتوبر حتي 9 نوفمبر وعندما افقت وجدت اصابات وعمليات في قدمي وجبس واصابات في منطقة الصدر والبطن وشظايا في الرأس وشاش في كل مكان فحمدت الله علي أنني مازلت علي قيد الحياة ، فقد كان خروجنا من المركب احياء حلما. ويرجع الفضل في الحقيقة لفرد الاستطلاع وفرد اللاسلكي وسائق لنش المخابرات ، فالقيادة كانت علي اتصال بنا، ولكن جهاز اللاسلكي تعطل نتيجة الضرب فقام فرد اللاسلكي باصلاحه وابلاغ القيادة بما حدث وعندما شاهدوا المركب تغرق اصر سائق لنش المخابرات علي انتشالنا سواء كنا موتي او اشلاء ، وقال سأذهب حتي لو مت معهم ونقلت للمستشفي بعدما قدمنا خلال هذه الايام الستة خدمة جليلة للوطن وللقوات المسلحة حصلت علي عدة اوسمة ونوطي شجاعة، استغرق علاجي فترة طويلة من عام73 حتي عام 81 ولذلك لن انسي هذا اليوم مهما حييت. أما عن تسمية الثغرة برقبة الاوزة فكانت مجازية لان اليهود انتشروا في هذه المنطقة وقمنا نحن بخنقها فلم يستطيعوا الخروج او الاستمرار ، وكان لدي اليهود امكانات عالية جدا ولكن نحن استخدمنا سلاحنا الدفاعي بفن تكتيكي رائع. وأضاف بعد يوم 16 اكتوبر اختفي الطيران الاسرائيلي بعدما قضينا عليه وحل مكانه طيران مشابه شككت انه اما قادم من جنوب افريقيا واما من الاسطول السادس كانت الطائرات من دون علامات تدل علي هويتها، ولذلك عندما تفقدنا الاسري في عملية الثغرة وجدنا فجوة في الاعمار علي سبيل المثال كان يوجد اسري في عمر ال 55 عاما واسري في 16 سنة من العمر معني هذا انهم احضروا الاجماع والاحتياطي خط اول والاحتياطي خط ثان والدفاع المدني، كانت الطائرات تضرب عن بعد وتعود من باب الحيطة حتي اذا تم ضربه ووقع في الاسر لا ينكشف امره.