لا شك فى أن منصة الأفلام الرقمية «نتفليكس» تحولت بين ليلة وضحاها إلى جزء مهم فى حياة الملايين حول العالم، باعتبارها نقلة نوعية فى عالم السينما والتليفزيون على حد سواء، وذلك بعد أن جعلت المشاهد على بعد ضغطة زر واحدة من الآلاف من الأفلام والمسلسلات المفضلة إليه يشاهدها وقتما أراد. وهو ما قفز بأرباح الشركة إلى أرقام كبيرة بعد أن بلغ عدد المشتركين فى خدماتها أكثر من 150 مليون شخص حول العالم، لتتجاوز ثروة مؤسسها ثلاثة مليارات دولار فى غضون شهور قليلة. ولكن لا تأتى الرياح عادة بما تشتهى السفن، فهذا الوجه البراق ل«نتفليكس» يحمل بين تفاصيله بقعا داكنة تثير القلق والخوف من القيم التى تزرعها فى المشاهدين بسبب المواد الفنية التى تنتجها وتبثها وتلقى نجاحا باهرا، لكنها فى واقع الأمر لا تخضع لأى رقابة، وهو ما يجعلها سلاحا ذا حدين. فقد أثار مسلسل «13 سببا لماذا» الذى أنتجته القناة فى 2017، وقام ببطولته مجموعة من المراهقين، حالة من الجدل غير المسبوق. فالمسلسل الذى تدور قصته حول انتحار فتاة مراهقة، إلا أنها تترك خلفها مجموعة من التسجيلات تكشف عن الأسباب الحقيقية وراء الانتحار. ويكتشف المشاهد أن الأسباب التى دفعت هذه الفتاة للانتحار مجموعة من المشكلات التقليدية التى تمر بها أى فتاة فى مرحلة المراهقة. وفى خضم النجاح الواسع للمسلسل، حذر الخبراء من أنه فى واقع الأمر يقدم الانتحار كسبيل أمثل لحل الأزمات دون السعى لطرح بدائل، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الانتحار التى زادت بنسبة 28٫9 % فى الولاياتالمتحدة فى الشهر الأول لبث المسلسل فى عام 2017. و«13 سببا لماذا» ليس المسلسل الوحيد الذى أثار الجدل على «نتفليكس»، فهناك أيضا مسلسل «يو» أو «أنت» . فالأزمة الرئيسية التى يعانى منها الكثير من الأفلام والمسلسلات التى تنتجها «نتفليكس» هو شكل العلاقات التى لا تتناسب مع الكثير من الأخلاقيات، خاصة فى المجتمعات الشرقية، خاصة أنها تعكس فعليا انحرافات حقيقية تعانى منها المجتمعات الغربية. وقد اضطرت الشبكة أخيرا للإعلان عن وقف عرض أو عدم إنتاج أجزاء جديدة من بعض المسلسلات التى أثارت الكثير من الجدل، فعلى سبيل المثال أعلنت التوقف عن إنتاج مسلسل «الفأل الحسن» بعد احتجاج جماعة مسيحية على التحالف غير المنطقى بين الملاك والشيطان فى المسلسل لتحقيق أهداف مشتركة، ما اعتبره المعارضون دعاية للشيطان. «نتفليكس» تسعى لصنع حالة من الصدمة فى العالم، من خلال عرض كل ما هو مختلف وجديد، وهو سلاح ذو حدين، فهى تصنع حالة من الجدل المجتمعى خاصة أنها لا تلتزم بالمعايير المجتمعية والأخلاقية المتعارف عليها. وتكون الصدمة أكبر كلما كان المجتمع أكثر تحفظا، أو بشكل أدق كلما اتجهت شرقا. ومع اتساع نطاق منصة «نتفليكس» وانتشارها، انتهجت القناة سياسة جديدة فى عرض أعمال فنية من دول العالم كافة، سواء حققت هذه الأعمال نجاحا مبهرا لدى عرضها أو تم إنتاجها خصيصا ليتم عرضها علي «نتفليكس» نفسها. ومعيار الشعبية والربح المادى الذى تحصده هذه الأعمال عادة ما يكون المعيار الأساسى للعرض، بغض النظر عن المعيار الأخلاقي. وهو مايثير الجدل والغضب فى بعض الأحيان. إن الأزمة الحقيقية التى تعانى منها «نتفليكس» هى أزمة رقابة والاعتراف بمسئوليتها الأخلاقية تجاه المجتمع.