تعبير «الأخوة الإنسانية» يعنى قبل كل شىء أن بين بنى البشر كافة وحدة فى إنسانية مشتركة، ليس فقط وحدة فى تكوين الأجساد وغرائزها وحاجاتها، بل يربط البشر خيط روحى لا يقع تحت الحواس، شئنا أم أبينا أن كل إنسان يملك إحساسا فى أعماقه بأن البشر جميعا أخوة، مصدرهم واحد ومصيرهم واحد، الذين يؤمنون بالله الخالق وعظمته وقدرته هو الذى أبدع الإنسان وسواه وغرس فى كيانه هذا الخيط الروحي، فالبشرية تتألم أمام طفل جائع يبكي، أو أمام مشهد سقوط طائرة بضحاياها دون أن ندرى جنسيتهم أو عقيدتهم، فلاسفة مثل رسو يرون أن هذا الحس من فعل البيئة التى تحيط بنا، فالأرض هى وطن البشر، مهدهم ولحدهم، وهذا الخيط ثمرة ارتباطنا بالطبيعة. وقد نتساءل منذ متى ساد تعبير «الأخوة الإنسانية»؟ والذى لا شك فيه أنها دعوة الأديان كافة، لكنها اجتازت مراحل طويلة ليصبح التعبير قيمة إنسانية واقعية وضرورية للتعايش بين البشر، رفع ثوار فرنسا سنة 1830 شعار الحرية والمساواة ولم تضع الشعار الثالث الأخوة إلا فيما بعد سنة 1848 بعد جهاد كثيرين من المفكرين والحكماء فأصبح شعار فرنسا: الحرية. المساواة. الأخوة . مع انتشار الفكر الاشتراكى خلال القرن التاسع عشر حاول البعض وضع شعار يكون بديلاً يتناسق مع الفكر الاشتراكى الذى تسرب إلى العقل الغربى وهو: العمل . الأسرة . الوطن. وفشلت المساعى وتمسكت الشعوب الغربية بشعار الحرية. المساواة. الأخوة. وجاء إعلان وثيقة حقوق الإنسان من قبل الأممالمتحدة سنة 1948 ليؤكد على أهمية العبارة «الأخوة الإنسانية» ومما جاء فى هذه الوثيقة هذا البند: أن البشر كافة هم أخوة، وأن القضايا والمعضلات الإنسانية كافة يجب أن تجد حلولاً فى إطار الأخوة الإنسانية مما يفتح آفاقا واسعة جديدة أمام تعاون الشعوب كما ساهمت عبارة «الأخوة الإنسانية» فى إصدار قانون منع الرق 27 أبريل 1848 وتبع ذلك قانون يجرم العنصرية والتعصب 1 يوليو 1872 وألحق به فى مايو ما يؤكد حقوق المهاجرين واللاجئين والمغتربين فى العالم، وينبغى التفرقة بين تعبير ، التضامن وبين الأخوة، فالتضامن هو ثمرة ونتيجة الحس الإنسانى أو من ثمار تعبير الأخوة، ولكنه أى التضامن لا يحقق الأخوة التى تسهم فى بسط قوانين الحرية والعدالة وتمهد لهما الطريق، وبدونها لا تستقيم عدالة ولا تنتشر حرية. ولقد جاء توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» من قطبى الدينين الكبيرين إعلاناً من صميم الإيمان بالخالق ومن صميم حقوق كل إنسان، إن البشرية فى طريقها إلى التقارب والتفاهم، والمشوار صعب يحتاج إلى تغيير عقلية الأمم والأشخاص ليدرك الجميع أننا أسرة واحدة، فالحروب لا تأتى بحلول للأزمات وإنما هى المأساة الإنسانية المتصلة، ولكى نتفاءل لمستقبل العالم نتأمل وسائل الإعلام فى الدنيا بأسرها أمام أزمة الخليج والتجارة والبحار، سوف نلاحظ أن الدول بلا استثناء تعلن لا نريد حرباً، وأغلب ظنى ووفق رؤيتى أن الحرب لن تشتعل فليس من دولة تريد قتل أبنائها، وربما يكون التاريخ قد حول وجهته فأصبحت الحروب اقتصادية وهى أحياناً أشد إيلاماً من الحروب الدموية، فهل السبب أن الإنسانية قد نضجت وعبرت مرحلة المراهقة العسكرية، أم أنها أدركت أن التعدد والتنوع والاختلاف بين بنى آدم سنة من سنن الخالق فى هذا الوجود وفى حركة الكون والحياة كما نادت بذلك الأديان، وربما يكون الخوف على حضارة العصر وعلومه ومكتشفاته علم البشر أن الدنيا تسع لهم جميعاً، عليهم فقط أن يحققوا مزيدا من الحرية والعدل والمساواة وأن يكون مبدأ «الأخوة الإنسانية» سيد الموقف، وأن يتذكر العالم أنه مادام فيه جائع واحد أو بائس واحد أو مظلوم واحد، فمعناه أن إنسانية الإنسان لم تكتمل بعد. لمزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته