عقد أول مؤتمر للأخوة الإنسانية بين يومى 3 و5 فبراير 2019 على أرض عربية ، وفى ابو ظبى أى فى دولة الإمارات العربية، دعى إليه بابا الفاتيكان، والإمام الأكبر وأغلبية بطاركة الشرق العربى وكبار الأئمة والمهتمين بشئون العلاقات بين الأديان، ومن هذا المؤتمر ستصدر وثيقة تنشر فى كل أنحاء العالم حول الأخوة الإنسانية، ولقاء رجال الدين، تؤكد وحدة الجنس البشري، وبنوع خاص كما نتوقع تبشر بمستقبل واعد للعلاقات بين الشعوب، كما سيقيم البابا صلاة القداس على أرض نادى أبو ظبى تأكيداً على أن المنطقة العربية مهد الوحى والأديان الإبراهيمية لها رسالة خاصة للعالم أجمع، وأزعم أن تاريخ مسيرة البشر ستأخذ منحنى جديداً فى توطيد علاقة التضامن والود والتسامح بين أبناء هذه الأديان، فلا سلام للعالم إن لم يكن سلام بينهم ولا سلام بينهم إن لم يكن هناك حوار ولقاء ومحاولة فهم الإنسان الآخر. فى الأمس القريب التقى أهل الشرق أهل الغرب، التقت آسيا أمريكا لقاء سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً، واليوم التقى الشرق والغرب لقاء دينياً أخوياً بعد أن ظلت القطيعة بينهما أكثر من ثمانية قرون سفكت فيها الدماء والدموع، وما كان أبداً هدف الأديان شقاء وتعاسة البشر، فهل آن الأوان ليلتقى كل باحث عن الحق وعن النور فى حوار محبة وإخاء؟ أقول ذلك لأنى مؤمن تماماً بأن تاريخ البشر وأحداثه لا يصنعه الإنسان وحده، حاكماً أو محكوماً، ولا العلماء وحدهم بل الله تبارك وتعالى فى صميم مسيرة الإنسان، فى أعماقه أقرب إليه من حبل الوريد، والخالق لم يتخل قط عن الإنسان قبل الأديان وبعد الأديان، إن روحه ونعمته ساكنة فى كيان الإنسان، يقود الإنسان حتى آخر الزمان، فى يوم مضى منذ أكثر من ألف سنة يوم 27 نوفمبر 1095 ألقى بابا روما اربان الثانى خطاب حرب لإنقاذ أورشليم من يد الأمراء الحاكمين الممزقين، وانطلقت نار الكراهية والعداء، ظلت مشتعلة بين الغرب والشرق أكثر من قرنين من الزمن، ثم يجيء البابا فرنسيس خليفة اربان حاملاً رسالة الأخوة، إنى أرى إرادة الله واضحة فى هذه المسيرة. وفى ثقة فى قدرة الله وحكمة الإنسان وخبرة القرون التى توالت أرى فى الأفق قوة عالمية جديدة، قد ولدت فى بداية هذا القرن، قوة لا تملك السلاح أو الاقتصاد أو العلم كما تملكه الدول الكبيرة القوية التى تسيطر على سطح الكرة الأرضية، بل هى قوة المؤمنين بالله وبالقيم الروحية السامقة، وبأن الإنسان ليس لقيطاً فى الفضاء وليس حزمة غرائز جامحة ،بل هو كائن ينزع إلى خالقه وفيه من هبة الإبداع لمحات نور سكبها فى نسيجه الخالق، سيكون فى هذا القرن قوة رابعة أو خامسة هى وحدة المؤمنين بأن مصير الإنسانية بين يدى خالقها وليس مصيرها بين يدى البشر وحدهم، و ينبغى ألا نستهين بهذه القوة الناعمة الجديدة، فأن توحد كل إنسان مع أخيه الإنسان للدفاع عن معنى الإنسان وعن حياته، وعن العدالة، والحرية والمساواة، هذه القوة الناعمة ستحدث بلا شك توازناً جديداً بين القوى التى تحكم فى العالم، ما أجمل أن تلتقى هذه الجموع والرموز الدينية على أرض عربية مسلمة، بدعوة من حاكم مسلم وبرعاية إسلامية، لعلها رسالة إلى البشر تعلن نهاية التعصب والتطرف، ولعل أهل الإرهاب يدركون أن المحبة أقوى من السلاح، وأن تقدم العالم ورقيه أمر لا يصنعه العنف والعداء والكراهية، بل خير البشر فى أن تدرك أن السلام هو هدف وغاية الخلق. إن مؤتمر الأخوة الإنسانية فى أى بلد عربى مسلم ، سوف يذكر العالم بأن أغلبية البشر وفيهم الجائع، والمريض، واللاجئ، مؤتمر لعله يوقظ ضمير العالم ليوقف المأساة الإنسانية وإبداع الحل لقضايا البشر، فالأنانية واللامبالاة والبحث عن المتعة والمال ليست فى صالح الإنسان بل قد تدمر إنسانيته وتخلق منه عبداً لذاته، هذا المؤتمر صحوة رائعة تنطلق من وطننا العربى الذى يؤمن بالحقيقة المطلقة «الله» والله حاشا أن يريد البؤس والحرب والأحزان لبنى البشر . أقول لقداسة البابا كمسيحى عربي، أهلاً بك سيدى على أرض اختارتها السماء لتكون نقطة انطلاق لكل ما هو روحى ونبيل، نرحب بك كما رحبت مصر بسلفكم البابا يوحنا بولس الثانى سنة 2000 ، وكما رحبت بك فى الأمس القريب ، إن وطننا العربى يا سيدى مهد الإيمان وسيظل دوماً منارة لكل حضارة. لمزيد من مقالات ◀ د.الأنبا يوحنا قلته