استقرار أسعار الذهب العالمية والأنظار صوب قرار «الفيدرالي»    خبراء: السيسي يبيع أكبر محطتين للكهرباء بخسارة تتجاوز 140 مليون دولار    رئيس وزراء بيلاروسيا: زيارتي لمصر خطوة جادة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    مي عبدالحميد: ارتفاع سعر الوحدة السكنية أهم المعوقات التي نواجهها    رئيس الوزراء: مصر قدمت حزمة من الحوافز والتيسيرات لتحسين مناخ الأعمال    وسط انهيار القطاع الصحي.. ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على غزة إلى 34 ألفا و535    مقتل شخص وإصابة 7 في غارة جوية روسية على خاركيف    للعام الخامس على التوالي.. بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس استمراراً لدوره في دعم الرياضة المصرية    هيئة الأرصاد الجوية تكشف عن حالة الطقس غدا.. انخفاض في درجات الحرارة    أحمد السقا يروج لفيلم السرب قبل طرحه في دور العرض غدا    مجلس جامعة بني سويف يهنئ الإخوة الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    قوات الاحتلال تغلق مداخل المسجد الأقصى بعد واقعة استشهاد شاب في القدس    رئيس جامعة المنيا يفتتح فعاليات المنتدى الأول لتكنولوجيا السياحة والضيافة    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بعيد العمال    وزير التعليم يتفقد المعرض السنوي لطلاب مدارس القاهرة (صور)    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    الدفاع المدني بغزة: تقديرات بوجود أكثر من 10 آلاف شهيد تحت أنقاض البنايات    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك فاسدة بالمنوفية وتحرير 32 محضراً خلال شهر    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    تدوير 4 معتقلين بالشرقية وتجديد حبس أحمد عرابي ومروة عرفة ومحمد سعد وعمر الدهمة    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    ما هو الدعاء الذي نهى عنه النبي؟.. «وكيل الأوقاف» يوضح    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    «الثقافة» تطلق النسخة السابعة من مسابقة «أنا المصري» للأغنية الوطنية    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثية حسن طلب (1)

أكتب اليوم من جديد عن حسن طلب. لأن حسن طلب اليوم شاعر جديد أو مختلف بالقياس إلى الشاعر الذى كتبت عنه منذ نحو ثلاثين سنة.
حسن طلب القديم أو السابق كان يحاور اللغة ويغازلها ويتغنى بها ويتباهى بما استطاع أن يمتلكه فيها. أما حسن طلب الجديد فيجعل اللغة سبيلا للاتصال بالعالم ومعرفته ومساءلته والتحاور مع أشيائه الصغيرة وقضاياه الكبري. ولو أنكم كنتم قرأتم قصيدته التى رثى فيها أمل دنقل لوجدتم أن الحوار الذى أداره فى القصيدة مع الشاعر الراحل يصلح الآن ليكون حوارا مع نفسه. حسن طلب القديم يحاور حسن طلب الجديد.
الشعر عند حسن طلب الأول حال تشبه الحال التى تعترى المتصوف حين يهزه الوجد ويطير به إلى السموات العلى حيث يرى «فيوض الجلال ومطلق آياته، وغموض الجمال إذا شف عن ذاته». أو أنه بعبارة أبسط ابداع خالص وخلق جديد وتشكيل لا يراعى فيه الشاعر إلا الأصالة، ولا يطلب الا الجمال.
الشعر عنده غاية وليس وسيلة لغاية أخري. وبقدر ما يخلص الشاعر للشعر ويكتفى به ويمنحه كل نفسه بقدر ما يستطيع أن ينهل من معينه دون أن يستنفده او ينقص منه شيئا. بل هو يضيف إليه ويزيده كلما أخذ منه ويرد إليه ما أخذ أضعافا مضاعفة. ومن هنا ثراء الشعر وعمقه واتساع مداه، وبالتالى كثافته وغموضه وجاذبيته.
أما عند أمل دنقل فالشعر تعبير عن العالم والإنسان أو عن موقف أو تجربة حية. لأن الشعر لغة. وإذن فهو وسيلة نتواصل فيها مع أنفسنا ونتصل بالآخرين ونتغير ونغير العالم. والشعر إذن قول وفعل أو كما يقول أمل دنقل فى قصيدة حسن طلب «القريض اعتراض» أى رفض للفساد والقبح والشر والطغيان. وهى «حديث من القلب يجنح للشعب» وينحاز له.
ونحن ننظر الآن فى شعر حسن طلب الجديد فنراه حافلا بالتعبير عما نعرفه ونعيشه. وحسن طلب فى هذا الشعر يحاور الواقع كما نحاوره جميعا فنقبل منه ونرفض، ونتفق ونختلف، ليس بما نقول فقط، بل بما نقول ونفعل كما حدث فى ثورة يناير التى شاركنا فيها جميعا بصور مختلفة، وشارك فيها حسن طلب ونظم فيها ثلاثية شعرية صدرت خلال السنوات الأخيرة فى ثلاثة أجزاء بعنوان مشترك هو «إنجيل الثورة وقرآنها» وهو عنوان يجمع بين الثوار مسلمين ومسيحيين فى ساحة واحدة يتطهرون فيها من الفساد والطغيان ويقدسون الوطن والحرية والعدالة. وقد استخدم حسن طلب فى هذه الثلاثية لغة جديدة ابتعد فيها عن لغته الأولى التى نظم بها أعماله السابقة «سيرة البنفسج»، و«آية جيم» و«أزل النار فى أبد النور» وغيرها.
فى هذه الأعمال السابقة كان حسن طلب يتحاور مع اللغة كما قلت. كان يولد الكلمة من الكلمة أو يشتقها، وكان يولد الصورة من الصورة، والإيقاع من الإيقاع. أما فى أعماله الجديدة التى نظمها فى ثورة يناير فلغته تعبير مباشر عن واقع الثورة كما عرفه. وكما عرفناه. فهى حافلة بالأخبار والتقارير والتعليقات وأسماء الناس والأشياء والأماكن. وهى تتسع للتهكم والسخرية كما تتسع للأمثال والعبارات الشعبية، للغزل والغناء إذا أراد الشاعر، وللفخر والهجاء حين يشاء.
يا أيها الفطاحل الأفذاذ من ذوى العقول اللوذعية.
كفوا عن الأذية!
لاتكثروا من فضلكم من جهلكم!
فواقع الثورة فى الميدان ماكان كما بان لكم أسطورة
أسطورة الثورة فى الميدان واقعية
ساحتها ميداننا
أبطالها أبناؤنا
وقد رووها بالدماء الحرة الزكية
ورفرفت إيزيس فى فنائها
فباركت ثوارها
واصطحبت إلى الخلود شهداءها
من أجل هذا كانت الثورة مصرية
......................
مصرية تظل فى الصميم
منذ انتشرت كالنار فى الهشيم
من ميدانها الكبير فى القاهرة الكبري
إلى السويس والإسكندرية
ثم أشع نورها عبر الضفاف المتوسطية
ترددت أصداؤها من مشرق الأرض إلى مغربها
أطربت الأحرار فى مختلف الأقطار
غنتها الطيور الصادحات باللغات الأجنبية.
اللغة فى هذه القصيدة لغة تقريرية تصف ما يحدث فى الواقع كما نراه جميعا وتسمى الأشياء والأعمال والأماكن بأسمائها الحقيقية دون أن تفقد شاعريتها أو تتحول إلى نثر، فهى حافلة بالمفارقات الكاشفة والإيقاعات الراقصة والايحاءات الذكية والزخرفة الرصينة التى يستدعى بها الشاعر التراث ويؤلف بينه وبين العبارات التقريرية والمفردات المألوفة فيخرج بلغة فيها من الشعر جماله وفيها من النثر وضوحه وصراحته. وبهذه اللغة يتحدث عن الثورة ويرد على أعدائها وخصومها الذين استهانوا بها خاصة فى بدايتها وأعلنوا أنها عبث لا طائل وراءه واتهموا الشباب الذين رفعوا رايتها بالعمالة وإثارة الفوضي. وفى مواجهة هؤلاء كان لابد للشاعر من استخدام هذه اللغة الصريحة يرد بها على التهم الباطلة ويكشف جهل الجهلاء وأوهام الواهمين.
الثورة ليست أسطورة كما ظن الذين لم يصدقوا أنها ستقوم. فإذا كانت الثورة قد قامت وتحول الحلم إلى حقيقة فقد تحققت الأسطورة إذن وأصبحت الثورة واقعية. الثورة واقعية، لأن النظام الذى ثار ضده الشباب واقع ماثل. ظلم بين، وطغيان مزمن، واستبداد شامل.
غير أن واقعية الثورة لم تمنعها من أن تكون مادة للشعر. لأن الشعر لايكون بموضوعه وإنما يكون بلغته التى تكشف عن المادة الشعرية فى أى موضوع. هكذا كان التوق للعدل والحرية والكرامة دافعا للثورة، وكانت الثورة تجربة إنسانية عنيفة ضحى فيها الثوار بأرواحهم التى رفرفت حولها إيزيس أم حورس وأم المصريين وصحبتها إلى الخلود. ومن أجل هذا كانت الثورة مصرية، إذ كانت تجسيدا لحلم المصريين. هكذا رأينا حسن طلب يتحدث فى إحدى قصائده عن الجمعية الوطنية للتغيير التى تألفت من مختلف الألوان السياسية لتغير النظام وتحل محله نظاما جديدا يقوم على ديمقراطية حقيقية وينتمى فيه المصريون لوطنهم قبل أن ينتموا لأى شيء آخر. وقد أصدرت هذه الجمعية أول بيان لها فى الثانى من مارس عام ألفين وعشرة وعليه مليون توقيع. ثم لم تمض إلا عدة شهور ليتحقق الحلم وتقوم الثورة فى يناير من العام التالي.الحلم تحقق وأصبح واقعا يعد بحلم جديد. فليست الغاية سقوط النظام الفاسد فقط، وإنما الغاية سقوط هذا النظام ليقوم على أنقاضه نظام جديد. مدينة فاضلة يحدثنا عنها الشاعر فى أكثر من قصيدة.
لمزيد من مقالات بقلم . أحمد عبدالمعطى حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.