لا يمكن فصل الحملة التى شنتها مواقع التواصل الاجتماعى ضد وجود السوريين فى مصر عن حملة اللافتات التى زرعت بين المعتصمين فى الخرطوم فى الأسبوع نفسه لتشويه الدور المصرى!. الحملة الأولى استبقت موافقة البرلمان على الضوابط الجديدة لقانون منح الجنسية لغير المصريين، بايداع مبلغ مالى بعد التأكد من «البرهان» على الولاء والانتماء، وكان غرض الحملة الخبيث شرخ العلاقة بين الشوام ومصر، وهى لا تفهم قدرة المصريين على دحر الغزاة واحتضان اللاجئين من العرب والأتراك والأفغان والأكراد وطبعهم بالجينات المصرية ولا علاقة لها بسياسات وحدوية ولا بشعارات ولا بمدة زمنية لقبول طلب منح الجنسية، وهى لا تفهم معنى أن تكون عناوين المحال فى شارع واحد بالإسكندرية تتضمن بيتزا دمشق، مفارش بيروت، وفواكه الفيحاء، مخبوزات اليرموك، فتوش بغداد، محمصة حضرموت، رغايف التركى، وحجاب بنت حلب، فلافل الشام، وأن مناطق وأحياء عديدة فى مصر صارت الوطن الأول للسوريين والعراقيين واليمنيين والسودانيين، بل إن الشوام احترفوا عندنا مهنا كانت محجوزة للمصريين مثل ميكانيكا السيارات والسباكة والمفروشات، فقانون استيعاب المصريين لحاملى الهويات العربية والاجنبية لم يفرق بين سليم وبشارة تقلا اللذين ماتا على جنسيتهما الشامية وتركا مؤسسة فى رسوخ وثبات أهرامات الجيزة، وبين نجيب الريحانى الذى ولد مصريا من أول يوم رغم أصله العراقى، وأنه لا يمكن تصور مصر دون محمد نجيب وأنور السادات رغم أصولهما السودانية، ولا دون أبى شعراء العامية بيرم التونسى الذى ولد بالإسكندرية 1893 واحتاج إلى 60 سنة للحصول على الجنسية، ولا تصور الضحكة المصرية دون عبد السلام النابلسى وعلى الكسار، ولا الأغنية والدراما المصرية دون فريد الأطرش الذى قدم أكثر من 300 عمل فنى عشقها المصريون قبل أن يحصل على الجنسية، أما صاحب رائعة «عظيمة يا مصر يا أم النعم» عاشق النيل وديع الصافى فقد منحه المصريون الجنسية قبل 20 سنة من توقيعها رسميا، كما أن الروح المصرية فى 200 غنوة و110 أفلام وأربعة أزواج مصريين للشحرورة صباح ، كانت جواز سفرها لقلوب المصريين قبل الختم الرسمى، ولا يمكن تخيل الشعر واللغة العربية دون أحمد شوقى ويحيى حقى اللذين ولدا معجونين بالروح المصرية رغم أصولهما التركية، فقدرة مصر على احتواء عشاقها واستيعابهم تحكمها فقط طبيعة الضمير المصرى ولا يمنعها هتافات متظاهرين أو تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعى ولا يسرع إجراءاتها سياسات حكومية وضوابط لتنظيم الجنسية حين كان عدد سكان مصر أربعة ملايين مواطن وحين صار تعدادها 100 مليون. أما الحملة الثانية فهى فتنة هدفها إبعاد العرب ومصر عن السودان قبل زيارة السيد أحمد أبو الغيط حتى لا يتكرر خطأ الجامعة العربية فى حق ليبيا حين سمحوا للناتو بضربها من الجو قبل 8 سنوات، لم يعترض المتظاهرون على تعيين أمريكا مندوبا خاصا للسودان هدفه تدويل القضية، لكن أصحاب الهتافات ضد مصر توهموا خطأ أن حدود السودان الشمالية تبدأ «عند حدود أسوان» فى حين أن حدود السودان, إن وجدت فى الواقع, تمتد إلى عين شمس والسويس والاسكندرية وكل مدن مصر التى وفد وعاش وعمر فيها السودانيون منذ الأزل، وأن حدود مصر الجنوبية تبدأ من الجزيرة وأم درمان وكسلا وبحيرة فيكتوريا وكل الأماكن التى نشر فيها الجندى المصرى شعلة التمدين والحضارة، وأكرر لهؤلاء مثلا بسيطا هو أن جريدة الأهرام توقفت عن الصدور بسبب مقال اعترض فيه محرره بشارة تقلا على سحب الجيش المصرى من السودان، كان ذلك فى يناير عام 1884حين رأت إدارة المطبوعات, بضغط من المحتل الإنجليزى, أن مقال محرره يدخل فى الأمور السياسية، فرد المحرر أن المقال يدخل فى أمور الزراعة، فالجيش المصرى فى أعالى النيل هدفه حماية شريان الحياة للشعبين، كما أن الانسحاب من السودان ودارفور وكردفان تم بأوامر من المحتل الإنجليزى ولا يراعى مصلحة شعب واحد فى وادى النيل!. ولم يقرأ هؤلاء أيضا الخبر الذى نشر فى العدد الأول من الأهرام الصادر فى 5أغسطس 1876 الذى حمل البشرى لقارئه الكريم أن حضرة سعادتلو على صادق باشا محافظ مصر, أى القاهرة, صار مديراً لأمور السكك الحديدية الجارى إنشاؤها فى السودان. ولا ألوم دعاة التفرقة بين الشعبين خريجى مرارة الحقبة السوداء لعمر البشير التى قادت لانفصال ثلث السودان الجنوبى عن شماله الابيض، وحقبة الرئيس الأسبق مبارك الذى قاطع السودان وإفريقيا كلها حتى فوجئنا بأن «النيل» شريان حياة المصريين والسودانيين تحت الخطر، فاستحق الحاكمان لعنة سيد درويش حين غنى: نهر النيل راسه فى ناحية. رجليه فى الناحية التانى. فوقانى يروحوا فى داهية اذا هم سابوا التحتانى!. لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف