توقفت الأهرام عن الصدور شهرا كاملا بسبب مقال اعترض فيه محررها علي سحب الجيش المصري من السودان! كان ذلك في يناير عام1884 حين رأت إدارة المطبوعات أن مقال بشارة تقلا يدخل في الأمور السياسية الممنوع تناولها في الجريدة المرخص لها فقط لنشر أخبار التجارة والزراعة والبورصة والمحاصيل, والأدب في حين رأي محررها أنه يدخل في أمور الزراعة لأهمية وجود الجيش المصري في أعالي النيل لحماية شريان الحياة كما أنه يعترض علي سياسة امبريالية لدولة خارجية. وبرغم أن هذا التوقف كان الثالث في حياة الأهرام, إلا أن المرات الثلاث أظهرت أركان الدستور اللامكتوب التي حكمت انتماء الأهرام منذ بداياته.ففي المرة الأولي تساءل بشارة تقلا في مقال له عام1879 أين مال الفلاح؟, وفي التوقف الثاني عام2881 حين اتهم عرابي وزملاءه بالعصيان, والثالث حين انحازت الأهرام إلي مصلحة مصر العليا وألحت في الطلب علي عدم الانصياع لمطالب المحتل الإنجليزي بسحب الجيش المصري من جنوب السودان ودارفور وكردفان.. أقول هذا الكلام وأنا أتحسر علي ما صار عليه حال علاقتنا بالسودان, وأقارن بين حدثين: تغطية الأهرام في عدده الأول أغسطس1876 الذي يزف فيه البشري لقارئه الكريم أن صار حضرة سعادتلو علي صادق باشا محافظ مصر مديرا لأمور سكة الحديد الجاري إنشاؤها بجهة السودان. أما الحدث الثاني فهو تغطية الاهرام لانفصال الجنوب وأفريقيا كلها عن مصر وعن السودان هذه الأيام..والتصريحات المنفرة للجنوبيين مثل عزم الرئيس البشير بتطبيق الشريعة الإسلامية إذا وافقوا علي الانفصال, وكلام وصال المهدي زوجة المناضل حسن الترابي تطالب بالبحث عن اسم جديد يناسب هوية السودان الجديدة بعد أن يفقد هويته الإفريقية السوداء بانفصال ثلثه الأسود عن شماله الأبيض.. وهم نوع من الساسة ينطبق عليهم وصف بديع خيري ب البلوتيكا الترللي ومنهم رئيسنا السابق الذي تجاهل أفريقيا وتعالي علي دول حوض النيل فأصبح الري وشريان حياة المصريين في خطر, وانقسم السودان, فاستحق ذلك الرجل ونظامه نبوءة سيد درويش حين غني نهر النيل راسه في ناحية. رجليه في الناحية التاني.. فوقاني يروحوا في داهية اذا كان سيبوا التحتاني!