زادت نسبة مشاركة الأوروبيين فى التصويت لاختيار برلمانهم الأوروبى ، وهو ما كان يدعو إليه الجميع، ولكن هل جاءت تلك الزيادة فى صالح الجميع؟ بالطبع لا، فقد جاء ذلك فى مصلحة أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية التى حققت ارتفاعا لافتا فى عدد مقاعدها وإن كانت لا تؤهلها لتكوين أغلبية داخل البرلمان .ولكن لا شك أن الزيادة جاءت مرضية لتلك الأحزاب. وقد ساعد على ذلك زيادة نسبة المشاركين فى التصويت فى دول مثل المجر وبولندا والتى تلعب فيهما الأحزاب اليمينية المتطرفة دورا بارزا . وتعتبر فرنساوإيطاليا من كبرى الدول التى تلقت أحزابها الحاكمة ضربة بسبب زيادة عدد الفائزين فيها ممن ينتمون لليمين المتطرف والشعبويين والخضر أيضا. ففى إيطاليا حصل حزب الرابطة بزعامة ماثيو سالفينى على 28 مقعدا، كما حصلت حركة «النجوم الخمسة» على 14 مقعدا وهو حزب شعبوى لديه تحفظات كبيرة على سياسات التكامل الأوروبي. والآن يسعى سالفينى الى تكوين تحالف داخل البرلمان يضم ما لا يقل عن 12 حزبا. وفى ألمانيا أيضا جاء ارتفاع نسبة المشاركة لصالح أحزاب غير تقليدية، فقد حصل حزب الخضر على 20 % تقريبا من أصوات الناخبين الألمان، وهو ضعف ما حصل عليه الحزب فى برلمان 2014 ، ليصبح بذلك ثانى أقوى حزب بعد الحزب الاشتراكي. وأرجع الخبراء تلك النتيجة الى إقبال الشباب فى المانيا على التصويت رافضين الأحزاب القديمة مثل الحزبين المسيحى الديمقراطى والإشتراكى الديمقراطى مفضلين التصويت لصالح حزب الخضر الذى تناول قضايا تهمهم مثل قضايا البيئة. وحتى حزب البديل من أجل المانيا فلم يحصل على النسب المتوقعة فى التصويت وكان التصويت لصالحه من قبل كبار السن وليس الشباب، وقد يرجع ذلك لأجندة الحزب اليمينى المتطرف التى تدعو لسياسات مثل وقف استقبال المهاجرين واللاجئين، وسياسات أخرى لا تتماشى وسياسات الاتحاد الأوروبى التى طالما نادت بوحدة الكتلة الأوروبية. وقد خرجت بالفعل بعض المسيرات فى المانيا قبل الانتخابات البرلمانية تنادى بوحدة الاتحاد الأوروبي، وحذر بعض الساسة الألمان من إنتخاب حزب البديل من أجل المانيا بسبب أفكاره المتطرفة المناهضة لقيم الاتحاد الأوروبى ،بل وشكك أيضا البعض فى مصادر التمويل التى يتلقاها الحزب اليمينى المتطرف. وفى فرنسا استطاع « التجمع الوطني» اليمينى المتطرف بزعامة مارى لوبان الحصول على 22 مقعدا، متفوقا على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون « الجمهورية إلى الأمام» بنسبة وصلت إلى 1% فقط. كما جاء حزب الخضر فى المرتبة الثالثة. أما فى المجر، وهى أكبر حليف لسالفينى ، تصدر حزب « فيدس القومي» المناهض للهجرة بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان النتائج. وذلك على الرغم من تعليق عضوية أوربان فى البرلمان السابق بسبب سياساته المناهضة للإتحاد الأوروبي، والتى وصفت بأنها غير ديمقراطية، خاصة مع مده سياجا بطول الحدود المجرية الصربية وسوء معاملته لطالبى اللجوء للمجر. أما فى بولندا، فقد حصل حزب «القانون والعدالة» على 26 مقعدا، وبالرغم من أنه حزب قومى مسيحى محافظ، إلا أنه معروف بسياساته المناهضة للمهاجرين واللاجئين وسياساته المعادية للإسلام. وبالرغم من أن التوقعات تشير إلى قيام حزب الرابطة بزعامة سالفينى بالتحالف مع حزبى مارين لو بان وأوربان إلى جانب الاحزاب الشعبوية لعمل تكتل كبير داخل البرلمان الاوروبى يسيطر فيه على 150 مقعدا تقريبا، فإن عملية التفاوض فيما بين تلك الأحزاب لن تكون سهلة خاصة فيما يتعلق باختيار مرشح لتولى منصب رئيس المفوضية الأوروبية، كما أن هذا التحالف يظل أقل قوة وتأثيرا من الأحزاب التى تدعم فكرة الاتحاد الأوروبي، والتى تتخذ مواقف أكثر ليونة فيما يتعلق بالهجرة . فبالرغم من الخسائر التى تعرضت لها الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية التى طالما استطاعت تكوين تحالف أو تكتل يتميز بالأغلبية داخل الاتحاد ،مما كان يسهل من عملية الاتفاق على مرشح لرئاسة المفوضية خلفا لجون كلود يونكر، إلا أن تلك الأحزاب تعتزم التحالف مع أحزاب يسارية وأحزاب الخضر لتكوين أغلبية تصل ل 392 مقعدا مما يعطل تمرير أى سياسات أو قوانين مناهضة لفكرة الاتحاد. وقد أعلن بالفعل مانفريد فايبر مرشح حزب الشعب الأوروبى المحافظ، أنه لم يعد يكفيه دعم الاشتراكيين الديمقراطيين بسبب تراجع عدد مقاعدهم داخل البرلمان، فعليه البحث عن تحالف مع الأحزاب الليبرالية وأحزاب الخضر. كما أن هناك اختلافات فيما يتعلق بالنهج السياسى للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، وقد يكون ذلك أحد أهم الأسباب التى حالت دون حصولها، أى تلك الأحزاب، على نتائج أفضل مما حققتها كما كان متوقعا. وهناك العديد من الأمثلة التى يمكن من خلالها رؤية الإختلاف الواضح فى نهج تلك الأحزاب، فبالنسبة لقضية المهاجرين، فرغم اتفاقهم جميعا على ضرورة وجود سياسات مناهضة للمهاجرين، إلا أن سالفينى يروج لفكرة إعادة توزيع اللاجئين على الدول الأوروبية، وهو الأمر الذى تعارضه كثير من تلك الدول. وهناك قضية أخرى تشهد خلافا بين الأحزاب اليمينية والأحزاب الشعبوية، وهى فكرة النفوذ والدعم الروسى الذى يسعى فلاديمير بوتين لتحقيقه داخل دول الاتحاد. .