فى لحظة حرجة، وأمام الكعبة هذا البيت المقدس، قبلة المسلمين فى أنحاء الدنيا، يتوجهون إليه بصلواتهم وأدعيتهم وابتهالاتهم، تعقد قمتان طارئتان خليجية وعربية، وقمة عادية إسلامية، يومى 30 و31 مايو الحالى. ويكشف عقد ثلاث قمم بمكةالمكرمة فى رمضان المبارك، عن أن طبول الحرب تدوى على أبواب الجحيم، ونيران الأزمة تطوق الجميع، لاسيما بعدما حمّلت الولاياتالمتحدة الحرس الثورى الإيرانى مسئولية الاعتداء على ناقلات النفط، قبالة الساحل الإماراتى، فى تهديد يتجاوز كل الخطوط الحمراء لأمن الخليج واستقرار العالم. القمم الثلاث دعا إليها العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن المتوقع أن تخرج القمتان الطارئتان برد فعل قوى تجاه إيران، فالموقفان الخليجى والعربى- باستثناء قطر- متطابقان تجاه حماية الأمن القومى العربى من أى أخطار، ورفض سلوكيات الهيمنة الإيرانية. أما قمة منظمة التعاون الإسلامي، فتعقد تحت شعار: قمة مكة.. يدا بيد نحو المستقبل، وتحاول حشد أكبر قدر من تأييد الرأى العام الإسلامى ضد السياسات الإيرانية، وبالذات لو تحولت الحرب الباردة حاليا، حربا ساخنة، بين الولاياتالمتحدة وحلفائها من جهة وإيران وتوابعها من جهة ثانية، أو اقتصر الأمر على ضربة عسكرية أمريكية لإيران أو أحد أذرعها بالمنطقة. المفارقة أن إيران نفسها عضو بمنظمة التعاون الإسلامى، وتجمعها علاقات وطيدة بدول أخرى، مثل تركيا، تقف مع طهران فى الخندق نفسه، من منظور براجماتى. الأهم، هنا هو أن الرسائل المتبادلة بين جانبى التوتر: الولاياتالمتحدة والنظام الإيرانى -فى ظل معادلة طرفاها احتمالات التصادم، وحدود التفاوض- ترفع احتمالات الخطر إلى مستويات كارثية، الخوف من الانزلاق إلى الحرب سيد المشهد، بينما يقف الشرق الأوسط على حافة الدم، وكأن أزمات فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والجزائر لا تكفى، كل صباح تتقيأ المنطقة عددا مفزعا من الجثث، فهل يفترض إرسال بقية دولها وأهلها وثروات إلى قعر العدم السحيق. الأزمة خطيرة، فوهات المدافع مصوبة للرءوس، الخروج من أسر الأزمة يتطلب امتلاك وعى مطابق بطبيعتها، القانون الأساسى الذى يتحكم بمساراتها، يقوم على تناقض عدائى بين مشروعات تسعى للهيمنة على المنطقة: مشروعات إيرانية، وتركية، وإسرائيلية، أما القوى الكبرى: أمريكا، أوروبا، روسيا، فتضع أقداما ثقيلة فى المنطقة الإستراتيجية الأهم بالعالم. يفاقم الوضع غياب المشروع العربى، تم تدميره خلال العقود الماضية، النتيجة المنطقية لهذا التناحر وضعف مناعة الجسد العربى هى احتدام الأزمة، وتكالب الطامعين. من المؤكد أن قمة أو قمم مكة ستبحث طيفا من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تهم شعوب الأمة، لكن يظل الوضع المتأزم فى الخليج بؤرة اهتمام القمة، تريد السعودية من ورائها إبلاغ إيران بأن هذه القمة دائرة سلام لا حرب، لكنه سلام الشجعان الذين يملكون أيضا قرار الحرب. تستطيع الكتلة الوازنة خليجيا وعربيا، مصر والسعودية والإمارات، مواجهة إيران على أى مستوى وهزيمتها دون سند خارجى، لكنها تدرك أن الخسارة ستطول الفائز والمهزوم، ومن ثم تدعو هذه الدول للتفاهم، وحتى التعاون، مع طهران، شرط أن تستمع الأخيرة إلى صوت العقل وتتخلى عن مخططات التوسع على حساب العرب، فالمنطقة لا تستطيع البقاء للأبد على صفيح ساخن، وإلا فإن الانفجار الكبير وارد بأى لحظة، وستكون إيران أول وأكبر ضحاياه. المهمة ليست هينة أو مستحيلة، يشعر الإيرانيون، للمرة الأولى، بهول الخطر المحدق بهم، ثمة رجل فى البيت الأبيض تباهى يوما بحجم (زره النووى)، يدير الأزمات دون اكتراث بالتوازنات الدولية. الميزان العسكرى والتكتيكى والموقف الدولى فى مصلحة واشنطن، المرشد على خامنئى أعلن أنه لا يُريد حربا، فرد عليه ترامب بالمثل، هل هى مناورة تكتيكية أم اختلاف استراتيجي، الأيام ستجيب!. لم تحدث الأزمة دفعة واحدة، بل سلكت مسارا انحداريا مثيرا للكرب، الغرض من هذا القول، هو التشديد على الطابع الجوهريّ للأزمة، إنها خلل بنيوى فى النظام العربى، لا عارض طارئ، انفجار عنيف لتناقضات المنطقة، يهدأ حينا حتى يختمر إعصارا جديدا أشد وطأة.. هذا أوان العلاج، وتلك مسئولية الزعماء المجتمعين فى مكة، وحسنا فعلت السعودية بالدعوة إلى القمم، فقد أوضح الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى الدكتور يوسف العثيمين، أن القمة ستبلور موقفا موحدا لمجابهة أزمات العالم الإسلامى، إن توحيد الصفوف مطلب ضرورى لمواجهة التهديدات الوجودية، خاصة أن الكتلة الحية من الدول العربية القائدة قادرة على إنقاذ عقد الأمة من الانفراط، انطلاقا من مكة مهد الدعوة وقبلتها!. [email protected] لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبوالحسن