يعد المذهب الحنفى أول مدرسة مذهبية فقهية، حتى أن العلماء يقولون: «الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة»، وكان لنشأة الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان رحمه الله في العراق أثر كبير في نشأة وتكوين مدرسته المذهبية، فقد كان أبو حنيفة من أوائل العلماء المسلمين الذين يبحثون عن طرقٍ جديدة لتطبيق الشريعة الإسلامية على الحياة اليومية، وكانت العراق- كما يقول هاني ضوة نائب المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية- تضم أئمة مدرسة الرأي الفقهية، كما أنها اشتهرت كذلك بأنها بيئة علمية خصبة تمتاز بالتنوع العلمي، وهو ما أثر بشكل كبير في الإمام أبى حنيفة ومذهبه الفقهي الذي تبنى تفاعل المنهجين النقلي والعقلي. وتميز المذهب الحنفي عند نشأته بأنه نهج منهجًا علميًا متينًا، فالإمام أبو حنيفة اهتم بأصول الدين أولاً، ومعرفة الفرق والآراء المختلفة، ثم قضى فترة في دراسة علم الكلام ومنه انتقل إلى الفقه، وهو ما جعل محاوراته الفقهية مبنية على أصول علم الكلام، ولم ينغلق الإمام أبو حنيفة على البيئة العراقية العلمية فحسب، بل ارتحل إلى بيئات علمية أخرى وآراء متنوعة فتوجه من الكوفة إلى البصرة، وكذلك إلى المدينةالمنورة على ساكنها الصلاة والسلام والتقى وتحاور وناظر العديد من الأئمة والعلماء مما أثرى حياته العلمية وبالتالي أثرى مذهبه الفقهي، ويمكن القول إن تأسيس المذهب الحنفي يبدأ من عام 120ه يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة للإفتاء والتدريس بعد وفاة شيخه حمّاد ابن أبي سليمان، وإن كانت جذور المذهب تمتد إلى ما قبل ذلك، وينتهي بوفاة آخر الأربعة الكبار من تلاميذه وهو الحسن بن زياد اللؤلؤي 204ه. ومذهب الإمام أبى حنيفة من أكثر المذاهب الفقهية مرونة، خاصة فيما يرتبط بباب الجنايات، ومعاملة غير المسلمين، والحريات الفردية، والأحوال الشخصية، وهو ما أسهم بشكل كبير في انتشاره في كثير من البلدان حتى يومنا هذا، وقد كان المذهب الحنفي المذهب الرسمي لدولة الخلافة العثمانية بكافة أسقاعها، حيث تبناه العثمانيون رسميًا في القرن السادس عشر الميلادي، وكان هذا من العوامل أيضًا التي أدت إلى انتشاره خاصة في منطقة الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا وسوريا ولبنان والأردن، فضلاً عن مجموعاتٍ كبيرة من الأقليات المسلمة في دول مثل إيران وماليزيا.