«هند» تبيع مناديل لتنفق على أولادها الثلاثة.. و«سيدة» تبتسم للناس وتدعو لهم.. وعيد يبيع الليمون وينتظر المزيد عندما تنظر إليهم عن بعد ستختلف مشاعرك تجاههم، قد تتعاطف معهم وتجود عليهم، وقد تنفر منهم وتبتعد عنهم، ولكن هل فكرت يوماً فى أن تتقرب إليهم لتتعرف على أحوالهم والأسباب التى دفعتهم إلى التسول؟ إنهم عمال النظافة الذين تمتلئ بهم الشوارع والكبارى ومثلهم من باعة المناديل والليمون والنعناع، والذين يزداد انتشارهم فى شهر رمضان الفضيل، حيث تكتظ الشوارع بهم معتمدين على رغبة الناس فى التصدق فى هذه الأيام المباركة، ترى أن بعضهم يتخذ المكنسة والمناديل وغيرها أدوات للتسول، والبعض ظروفه الطاحنة أجبرته على ذلك... ولكن حين تسمع حكاياتهم تتغير نظرتك لهم. «الأهرام» التقت عدداً منهم لنتعرف على الأسباب التى دعتهم للتسول، البداية كانت مع هند مصطفى - بائعة مناديل فى العقد الرابع من عمرها - وتفترش الأرض كل يوم فى الساعات الأولى من الصباح بعبوات المناديل، وعندما جلست معها وجدت أمامى سيدة تعانى ظروفا قاسية، حيث انفصل عنها زوجها تاركا لها 3 أبناء أكبرهم فى الصفين السادس والرابع الابتدائى وطفلة صغيرة لم تتعد 5 سنوات، وليس لها أى مورد دخل تعتمد عليه ولا تمتهن أى حرفة تعمل بها، فلجأت لبيع المناديل حتى تستطيع أن تربى أطفالها. وسألناها: لماذا لم تقدم طلبا للحصول على معاش تكافل وكرامة؟، وأجابتنا قائلة: إنها جهزت كل الأوراق ولكنها لم تتمكن من التقديم، وللأسف لا تعرف هل يمكن أن تحصل عليه أم لا!، وتضيف: أجلس فى مكانى لبيع المناديل منذ سنوات، وفى شهر رمضان تكون العطايا أكثر، لأنه شهر الخير والكرم. وفى إحدى إشارات المرور قابلنا مسنة تخطت الستين من عمرها، وتدعى «سيدة»، حين يقع بصرك عليها ترى ابتسامتها تجعلك تخرج ما لديك من أموال لتعطيها، كثير أو قليل لا يهم، وذلك حتى تسمع منها «دعوة» تدخل قلبك فتريحه، وهى على هذا الحال منذ سنوات طويلة لا تعرف عددها. وتقول سيدة: قد يرى البعض أننى «متسولة» وقد ينظر إلى البعض على أننى امرأة عجوز بائسة لا يمكننى العمل لشيخوختي، صحيح أننى ليست لى عائلة ولكننى لن أظل قعيدة فى غرفتى المتواضعة أنتظر الموت بمفردى دون أن يشعر بى أحد، وتضيف ضاحكة: فى شهر رمضان يأتى إلى أهل الخير ليعطوننى مما أعطاهم الله. بائع الليمون وعلى ناصية أحد شوارع مدينة نصر المكتظة بالمارة، وجدنا عم عيد بائع ليمون وقد تخطى الستين من عمره بادرنا بقوله إنه كان يعمل بالأجر فى أحد الحقول بقريته منذ سنوات ولكن بعد إصابة قدمه لم يتمكن من مواصلة العمل، وزوجته كانت تعمل فى المنازل وتساعده فى تربية أولادهم الأربعة، ولكنها مع كبر سنها لم تعد تستطيع العمل، والحمد لله معظم الناس هنا تعرف ظروفى وتساعدنى، ومع اقتراب رمضان نتفاءل بقدوم الخير، لأن الناس تكون أكثر عطاء، وفى رمضان أجلس من بعد العصر وحتى اقتراب موعد الإفطار حتى يأتى لى الزبائن ليشتروا مني. وأعلى كوبرى أكتوبر نجد عددا من عمال النظافة يبدأون عملهم من الصباح الباكر وحتى الثالثة عصراً، وقابلنا شحاتة عامل نظافة فى الخمسين من عمره ولاحظنا أنه يقوم بعمله وفى الوقت نفسه ينظر من وقت لآخر لقائدى السيارات ويلقى عليهم تحية الصباح حتى يتحصل منهم على الأموال ويهتم بالتسول أكثر من العمل، توقفت عنده لسؤاله عن أحواله وهل يتعمد سؤال الناس، فأجابنا بسرعة: نعم فالظروف صعبة والغلاء شديد وراتبى 1400 جنيه لا يكفى متطلبات أولادي، وقد يراه البعض كثيرا ولكن هل سأل أحدهم نفسه كيف سيوفى هذا المبلغ متطلبات أسرة مكونة من 5 أفراد من مأكل ومشرب وإيجار المسكن؟، ولا أقول تعليم لأننى لا أستطيع تعليم أولادي، وللحق انتظر شهر رمضان بفارغ الصبر، لأن الناس تكون متعاطفة معنا. صندوق القمامة التقينا بعم محمد عطية وكانت ملابسه نظيفة ومنسقة ويحمل معه مكنسته ويجر صندوق القمامة ويعمل بمنتهى الجدية، وقال لنا أعمل تبع مقاول يعمل من الباطن لهيئة نظافة وتجميل القاهرة، يأتى لنا بهذه الملابس وأدوات التنظيف ونتجمع فى مكان محدد لنستقل سيارة العمل التى تحملنا إلى مواقعنا، وعن راتبه قال أحصل على 1500 جنيه وأعلم أولادى الاثنين قدر المستطاع وإذا أعطانى أحد أى شئ أقبله على استحياء، ولكن لا أطلب شيئا، وذلك يكون أكثر فى شهر رمضان وأعرف أن هذه من أموال زكاتهم التى يتسابق الجميع لإخراجها فى رمضان وأنا أقبلها، لأنها أولا رزق أولادى وثانيا: لأننى محتاج. وبفوطة لمسح السيارات يقف عم محمد مع تلك الأداة الوحيدة فى إشارات المرور ليمسح السيارات أثناء توقفها على الرغم من أنه قد تخطى الستين من عمره، وقال: لا يوجد لدى أى دخل ثابت ولا أحد يرحب بى للعمل عنده بسبب كبر سنى وضعفي، ولم أجد غير هذه الوسيلة لأحصل على لقمة العيش، صحيح أننى بمفردى فى هذه الدنيا ولكن لن أنتظر حتى أموت جوعا فأنا أحصل فقط يوميا على ما يكفى طعام يومى وبعدها أظل جالسا.