* سكينة فؤاد: بها فصول طويلة من البطولات والدروس تجب تربية أولادنا عليها لم تكن معركة العاشر من رمضان فى السادس من أكتوبر عام 1973 ميلادية، مجرد نصر على عدو متغطرس غاصب، أو عبور من شاطئ الى شاطئ لاسترداد الأرض المغتصبة، بل كانت عبورا من اليأس الى الأمل، ومن الانكسار الى الانتصار، ومن الحزن الى الفرح، ومن العشوائية الى حسن التخطيط، ومن الضعف الى القوة، ومن الماضى بآلامه الى المستقبل بآماله وطموحاته، ومن المجهول الى رؤية أكثر إشراقا وعلما. وقبل اتخاذ قرار الحرب فى رمضان كانت هناك تهيئة نفسية كبيرة للجنود فقد تكاتف الجميع من أجل شحذ همم الجنود حيث زار الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى الجنود على الجبهة ضمن خطة التعبئة النفسية وألقى محاضرة واحدة لمدة ساعة عبر فيها عن سعادته باللقاء معتبراً أنه مع القوات المسلحة ممن قال الله تعالى فيهم «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، كما قال لهم أنا ومهنتى وأنتم ومهنتكم نلتقى فى أننا جميعاً جنود الحق أنا بالحرف وأنتم بالسيف وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب وأنا باللسان وأنتم بالسنان، وأوضح الشيخ الشعراوى أن السيف فى الاسلام جاء ليحمى حق الفرد... وكان أيضا للأزهر دور بارز فى المعركة وتهيئة الجنود فقد وصل الجندى المصرى فى 73 إلى عقيدة راسخة وإيمان حازم جعله يطلب النصر أو الشهادة حتى أنه عندما أفتى بعض الدعاة للجنود باستحباب الأخذ برخصة الفطر لتكون عوناً لهم فى الانتصار على العدو الصهيونى نظراً لحرارة الجو وحاجة الحرب إلى كامل طاقتهم رد بعض الجنود قائلين «لا نريد أن نفطر إلا فى الجنة» انها التهيئة النفسية والمعنوية التى غرسها الأزهر بشيوخه وعلمائه فى نفوس الجنود بل والشعب بأسره. تعبئة شاملة بداية يقول العميد إيهاب هلال الخبير الاستراتيجى هناك عوامل كثيرة مهدت للنصر بدايتها انه كانت هناك مناورات تدريب سنوية مستمرة وكانت ضمن الخداع الاستراتيجى وفى هذه المناورات يتم عمل تعبئة شاملة لكل الجيش كما لو كانوا سيعبرون وعندما شاهدت اسرائيل من كثرة التدريبات اعتقدت أن 73 مناورة أيضا وأيضا الخبرة التى حصل عليها الجنود طوال كل تلك السنوات التى سبقت الحرب من سنة 67 وهذا أعطاهم خبرة وقوة فى الإعداد حولتهم من حالة الهدوء إلى مقاتلين محترفين بخلاف أن توجه القيادة السياسية بأن الاعتماد لابد أن يكون على المتعلمين حتى يقرأ ويتعامل مع المعدة الحديثة.. وقبل حرب 73 كانت هناك حرب الاستنزاف تلك السنوات أعطت الجنود خبرة وفرصة للتعامل والتدريب بشكل كبير على جميع الأسلحة لأنه قبل 67 كان الوضع مختلفا وشاركوا فى حرب اليمن حرب العصابات ولكن كل ذلك تغير بعد 67 وتغيرت الخبرة القتالية والصيام لم يؤثر على جنودنا بسبب قوة الجلد والهدف والعزيمة والخبرة. أما الكاتبة الصحفية أمينة شفيق فتقول الجميع كان يريد النصر والقوات المسلحة جزء من الحركة الوطنية وجزء من إرادة الشعب المصرى القوية حتى أنه عندما قامت الحرب الجميع التف حول إرادة موحدة وكانت الجبهة متماسكة وجنودنا يحاربون وهم صائمون ولديهم عقيدة قوية ورغبة فى غسل عار 67 وتحقيق انتصار يعيد العزة والكرامة للجيش والشعب حتى أن الشعب كان مستعدا ليتحمل بعد حرب أكتوبر المزيد والمزيد من أجل استرداد الأرض. وترى الكاتبة سكينة فؤاد أن حرب رمضان مليئة بالدروس التى نتمنى أن نزرعها فى اجيالنا الجديدة لأنها خلفت حلقة من حلقات البطولة المصرية التى محورها الإنسان قبل الأسلحة وبشهادة المحللين الاستراتيجيين من الغرب والعرب أن المقاتل المصرى كان يساوى 11 من مقاتلى العدو الصهيونى وما تركه جيشنا العظيم من صور وما كتب عنه معجزة تفوق قدرة العقل على التصديق لأن العدو وما وراءه يؤكدون أن محاولات هدم خط بارليف تزيده قوة وقناة السويس هذا المجرى المائى الفاصل الذى يقف على حدوده العدو مليء بالمواد الحارقة التى ستحول قناة السويس لجهنم حمراء، وماقامت به قواتنا الباسلة من تعامل مع كل هذا المستحيل حتى الفن عجز عن تصويره وماتركه جيشنا من مواقع للعدو تركها الجيش كما هى كى تكون شهادة على كيفية تعامل الجندى المصرى مع تلك التحصينات المحاطة بالألغام وسنظل نتسائل كيف فعلها المقاتل وهل هذا المقاتل من نوعنا البشري، فالإيمان واليقين بالله وحب الوطن والأرض ترجمته المعركة وكذلك الإعداد الجيد للمقاتلين وخاصة من حملة الشهادات الذين تركوا كليات القمة بعد 67 ليلتحقوا بالكلية الحربية ليصبحوا مقاتلين كذلك البسطاء العظام الذين قال أحدهم »لقد كانت المرة الوحيدة التى كذبت فيها فى حياتى على أهلى عندما ذهبت للتطوع بمحض إرادتى وأخبرتهم أنه تم استدعائى وهذا من أجل حلم ارتداء زى المقاتل». من أجل ذلك أراد العدو الصهيونى ومن وراءه بقدر المستطاع تفادى المواجهة مع هذا المقاتل مرة أخرى وأن يديروا عملية السلام مثل ما أداروا عملية الحرب عذرا وهو مايجب أن ننتبه إليه وأن نظل نحمل مقومات المقاتل الذى حقق نصرا أقرب للمعجزة فى العاشر من رمضان والتى شارك فيها أهل منطقة القنال بعد العبور ورفع العلم المصرى بحمل الأطعمة والمأكولات الرمضانية لجنودنا البواسل.. فكان الجميع مقاتلين كل فى مجاله على جميع المستويات وكانت معزوفة مصر العظيمة ولذلك يجب أن تستفيد من دروس النصر ويظل المقاتل المصرى ابنى وأخى وزوجى المقبل من أعماق التراب المصرى بالمقومات والصلابة التى ظل بها فى 73 فبناء الإنسان جزء من الفروض التى يفرضها النصر العظيم. الأخذ بالأسباب من جانبه، أكد الدكتور محمود يوسف، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن شهر رمضان هو شهر البطولات والانتصارات؛ لأن النفس تكون فيه أشد صفاء ونقاء وعزيمة وتضحية، وكم من انتصار تحقق للمسلمين فى أيام وليالى هذا الشهر الكريم، مما يؤكد أنه شهر لا مكان فيه لكسول او متواكل او يائس، وذلك لأن النصر مع الصبر، ورمضان هو شهر الصبر، والصبر جزاؤه وثوابه رضا وحب الله تعالى لعباده، مطالبا بضرورة الاستفادة من دروس حرب العاشر من رمضان فى معالجة وحل مشكلاتنا فى الوقت الراهن، موضحا أن المصريين الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم ليحققوا النصر العظيم فى العاشر من رمضان وعبور خط بارليف وهزيمة الجيش الاسرائيلى، قادرون على مواجهة جميع التحديات الراهنة والعبور بمصر إلى بر الأمان إذا ما أخذوا بالأسباب والتخطيط السليم والعمل الدءوب، مؤكدا أن أبناء مصر وجيشها قد خرجوا جميعا ليدافعوا عن أرضهم بقلوب متجهة إلى الله عز وجل، تلتمس منه النصر فأيدهم بنصره؛ لأنهم باشروا الأسباب التى تؤدى إلى النصر؛ من قوة إرادة وعزيمة وصبر، فقد قضى أبناء مصر ست سنوات يعدون العدة للثأر وكانت سنوات عجافا مرت على مصر بآلام وأحزان وشدائد، لكنهم فى النهاية استطاعوا أن يتخطوها ليفوزوا بالنصر من عند الله. الطاقة الروحية الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية يقول يستمد الإنسان قوته من خلال استنفار طاقاته الداخلية وتغذية الطاقة الروحية لديه، فالجندى المصرى فى حرب أكتوبر كان يقاتل بكفاءة عدة جنود من مثواه وهو ما أكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 سنة بأن جند مصر هم خير أجناد الأرض. فالأمر لم يقتصر على الحرب ساعة الصيام فقط وتحمل مشقة الحرب فى الصيام بل زاد عليه حمل العديد من المعدات والمهمات الخاصة التى تزن عشرات الكيلوجرامات، بالاضافة إلى العبور والسباحة ومشقة صعود خط بارليف وكل هذه الأعباء قد ساعد فى التغلب عليها قوة الإيمان بشرف القضية التى يحارب من أجلها وتجليات شهر رمضان الفضيل والذى تجسد ذلك فى رفع شعار «الله أكبر» أثناء العبور وهو ما زاد من حماسة الجنود وقدرتهم على القتال بأعلى قدرة من الكفاءة. ندوات تثقيفية الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس.. تقول هناك الكثير لايعرفه شباب اليوم عن تلك الحرب المجيدة فقد كانت هناك استعدادات فوق الوصف وشحن مستمر بالحروب التى خاضها الجيش في 56 و67 وهناك ندوات تثقيفية مستمرة لمعرفة التاريخ والجغرافيا وقد أعطت القيادة دروسا كثيرة نقلتها للجنود وتدريبات على أعلى مستوى والجميع يلتف حول قضية واحدة «الأرض عرض» ولابد من استردادها حتى أن الأم التى كانت تخاف على ابنها من الذهاب كان يرد عليها قائلا: إن لم أذهب ستجدين العدو تحت شرفتك.. وكان الشحن يملأ كل الأجواء، وأذكر بعد 67 أمى أخذت قرطى الذهبى ووضعته فى البنك من أجل المجهود الحربى وكان الجميع فى حالة استنفار كذلك الاعلام قام بدور بارز جعل الشعب أقوى ظهير لهذا الجيش. الجنود المصريون عند رفع العلم على أرض سيناء تصوير أنطون ألبير