هى كلماتٌ ذات طابع دينى وأخلاقى، تخلو من الفحش والابتذال، وتحضُ على مكارم الأخلاق، وبر الوالدين ومدح النبى، وخلافه من الأغراض.. إنها القصيدة الدينية التى مرت بتاريخ طويل لتصل إلى شكلها الحالى.. عن بداية ظهور تلك القصيدة ومراحل تطورها، يؤكد الشاعر على عمران مدير متحف طه حسين برامتان أنها ظهرت قبل بعثة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة فى مواسم الحج، حيث كانت هناك قبيلةٌ يمنية تسمى «عك»، اعتادت أن يتقدم صفوف حجيجها عبدان أسودان يُعرفان ب «الغرابين الأسودين»، ينشدان:نحن غُرابا عكْ عكْ.. فترد القبيلة: عكٌ إليك عانية، عبادك اليمانية، لكى تحج الثانية، نحن غرابا عًكْ. وأضاف عمران: وبعد بعثة النبى أخذت القصيدة الدينية شكلا آخر حيث تغنت النساءُ بمحاسن النبى وأخلاقه، فأنشدت نسوةٌ من بنى النجار: يا حبذا محمد من جار، ثم انتشرت الأغنيةُ الدينية فى عهد الفتوحات الإسلامية، وبلغت أوج ازدهارها فى العصر الفاطمى، حيث ابتدع الفاطميون الاحتفال بالمناسبات الدينية كيوم عاشوراء، والموالد، وكان لتلك المناسبات أغان وأناشيدُ، أسهمت فى ازدهار الأغنية الدينية، ورواج سوقها. وأكد: كما كان لظهور الطرق الصوفية والطريقة «المولاوية» الأثرُ الأكبرُ فى رواج تلك الأغنية وانتشارها خاصة فى الموالد والأعياد، وذلك بسبب اعتقاد المتصوفة أن الموسيقى هى سلمُ الوصول إلى الله، والطريقُ الصحيح للعبادة، ومن ثم كان لكل طريقة نشيدُها الخاص الذى يُميزها. واختتم عمران: وقد بلغت الأغنية الدينية قمة نُضجها فى العصر الحديث على يد كوكب الشرق أم كلثوم، التى غنت لكبار الكتاب ك «شوقى وبيرم»، ولحن لها كبارُ الملحنين ك «السنباطى»، ومن تلك القصائد قصيدة «سلوا قلبى» لأمير الشعراء شوقى، والتى يقول مطلعها:سلوا قلبى غداة سلا وتابا.. لعلّ على الجمال له عتابا. وأكد عمران أنها قصيدةٌ تُعبر عن معنى وطنى، وتحث على استنهاض الأمة عقب الحرب العالمية الثانية. ومن ناحيتها ألقت الشاعرة د. شرين العدوى عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة الضوء على بعض القصائد الدينية، مشيرة إلى أن قصيدة «القلب يعشق كل جميل» للشاعر بيرم التونسى تُعتبر من القصائد الدينية الرائعة التى تقترب من شعر الفصحى رغم أنها كُتبت باللهجة العامية المصرية. وأضافت: ويتجلى جمال تلك القصيدة فى أنها تُعبر عن تجربة شعرية زاخرة بالروحانيات، إذ تُصور رحلةإلى الأراضى الحجازية، حيث البقاع المباركة، والحجيج الذين يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات. وعن تحليل تلك القصيدة - تقول د. شرين - إن الرحلة فيها تتكون من عدة مراحل: الأولى وتُعد تقديما مُفتتحا للمشهد الشعرى الذى يُقدمه لنا الشاعر، يستهله بقوله: القلب يعشق كل جميل.. وياما شفت جمال ياعين ويستمر إلى أن يقول: دعانى لبيته لحد باب بيته:وبالتأمل فى هذا المُفتتح نجد أن الشاعر قد بناه بناء شعريا يستمدُ مُعجمه من معين العشق والجمال والهوى والوصال، وما يعتمد عليه من معانى الصدق. وأشارت د. شرين إلى أن الشاعر بيرم التونسى بدأت مُفتتحه بالعام المُطلق، ويمثله البيتان الأولان، وانتقل به إلى الخاص المُحدد. فالبيتان الأولان يُبرزان أن من شأن القلب البشرى أن يعشق كل جميل، وأن العين كثيرا ما أبصرت هذا الجمال، الذى فُطر عليه الكون، وما إن يُدرك المُتلقى هذا المعنى ويستقر فى وجدانه، حتى يأتى البيت الثالث فى تحول ملحوظ : والّلى هويته فى يوم.. دايم وصاله دوم فكأنه يستدركُ على هذا المعنى العام السابق بهذا المعنى شديد الخصوصية، إذ انتقل بنا الشاعر نقلة تضعنا فى قلب التجربة، حيث يتحدث عن محبوب بعينه ومعشوقٍ بذاته.