أفتح التليفزيون.. لتبدأ المطاردة.. فترات طويلة من إعلانات تحاول إقناعنا بأن كل الأدوات والأجهزة التى نستخدمها تحتاج إلى تغيير.. ولم يعد الأمر مقصورا على انسف حمامك القديم.. بل صار انسف بيتك كله.. وانطلق إلى بيت جديد حوله كل ما يلزمك من وسائل الراحة والرفاهة.. وهكذا تجد نفسك تحت وابل من الرسائل التى تدعوك طوال الوقت إلى أن تكون أكثر اهتماما وحرصا على شراء تليفزيون جديد بشاشة أكثر اتساعا.. أو اقتناء سيارة أكثر فخامة وسرعة من سيارتك.. أو شراء موبايل من نوع أكثر حداثة.. وهذه النوعية من الرسائل التى تبثها الاعلانات تفتح الطريق للتعاسة والاكتئاب.. كما تشير نتائج دراسة أجريت عن السعادة.. فهى تذكرنا مرة بعد مرة بما نحن مفتقدون إليه.. فتسيطر علينا فكرة أن حياتنا بائسة.. لتسلبنا الشعور بالرضا الذى يعد أحد أهم عوامل السعادة.. ويعد الأديب والكاتب المسرحى «جون بريستلي» هو أول من أشار إلى الآثار السلبية للإعلانات فى كتاب صدر فى بريطانيا عام 1955، وفيه يصف مجتمعا تسيطر عليه رغبة جارفة فى استهلاك السلع المادية.. وهى رغبة تؤججها كما يقول الإعلانات التى تروج لها وسائل الاعلام الجماهيرية بإصرارها على تحويل الاعلان إلى مادة ترفيهية..فمثلا إعلان العطر يضم موقفا غراميا بين امرأة فاتنة بالغة الأناقة ورجل وسيم تبدو عليه مظاهر الثراء.. والأدوات الصحية أو جهاز التليفزيون يظهر فى إطار فاخر يوحى بالرفاهة والسعادة.. وحذر الكاتب من الآثار السلبية لمثل هذه الإعلانات.. لأنها تكرس ثقافة الاستهلاك. أما دراسات علم النفس فهى تركز على التأثير السييء للإعلانات التى تحاول إقناع المشاهدين بأن الطريق إلى حياة أفضل هو المزيد والمزيد من الشراء والاقتناء مما يؤدى إلى وجود مناخ مشحون بالتذمر والاستياء.. فشعور البعض بعجزهم وعدم قدرتهم على شراء هذه السلع يكثف لديهم إحساسا بعدم الرضا والتعاسة.. فإذا انتابك هذا الشعور فتذكر أن هناك مليونيرا أمريكيا اسمه «دونالد ديكسون» عاش عمره يقتنى ويشترى ويجرى وراء كل ما هو جديد.. ولكنه قرر عقب عودته من إجازة أمضاها مع زوجته وأولاده فى إحدى الجزر البدائية أن يتخلص من جميع ممتلكاته.. وقال إن مشاعر الهدوء والسكينة التى انتابته خلال إقامته فى تلك الجزيرة جعلته يدرك أنه يعيش حياة مرعبة ومزيفة فى قصره الذى باتت فيه الاشياء أكثر أهمية من الأشخاص.. وحين تخلص من تلك الأشياء شعر بأنه قد تحرر وأصبح أكثر إنسانية.. ومما يذكر أن هذا المليونير عندما اتخذ قراره هذا لم يكن مسنا ولامريضا ولامجنونا!. لمزيد من مقالات عايدة رزق